18 ديسمبر، 2024 4:01 م

أفغانستان طالبان هيروين يعقبه إرهاب!

أفغانستان طالبان هيروين يعقبه إرهاب!

كانت مشاهد مرعبة لأحداث جرت بإيقاع سريع خلال الأيام القليلة الماضية! فقد أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على خطوة هوجاء لم تحسب عواقبها بسحب قواتها من أفغانستان بسرعة، فهي مستعجلة مع قرب حلول الذكرى العشرينية الموجعة لأحداث سبتمبر 11، وأراد بايدن أن يعطي انطباعاً بأن الولايات المتحدة أنهت مهمتها في أفغانستان حيث حكومة مستقلة تحت حكم مدني، قوية يمتلك جيشها تعداده 300ألف 699 من مختلف المراتب يمتلك أسلحة حديثة قادر أن يصد طالبان ذات الثمانين الف مقاتل إذا ما خرجت من كهوفها أو نزلت من جبالها! والنتيجة أنْ حدث ما يشبه ما حدث في الموصل، خرجت طالبان واجتاحت البلاد ذات الطول والعرض وذات الجبال والوهاد والوديان، وبدا الجيش الأفغاني منهزماً بشكل أثار استغراب العالم، و وأولة أمريكا حيث ما زال الرئيس الأمريكي بايدن تحت “تأثير الصدمة”..!
الاختلاف واضح فالجيش يعتريه الفساد ونسبة لا يستهان بها منه هي عيون لطالبان، وطالبان رغم قلة عددهم فهم يمتلكون أيديولوجية يؤمنون بها أو قل هي ملاذهم من فقر مدقع، فهم واثقون من العودة وأدركوا أن أمريكا لا تحمي أحداً بل تحمي مصالحها، فقد أنتهت مهمتها ومصالحها وخلفت عملاء لها منتفعين لا غير واصطحبت معها عملاءها المقربين من الأفغان ..
لقد بشرت طالبان بعودة الحكم الاسلامي ويعني العودة الى إقامة الحدود بقطع الأيدي وأحيانا الأيدي والأرجل عن خلاف! والى الرجم حتى الموت، وفرض الحجاب.. وفرض حد الخلوة إن اجتمعت أمرأة برجل مجرد اجتماع فمن السهولة أن يحوَّل الى “جماع”، فالحدود عند طالبان لا تُدرأ بالشبهات وفق حديث صحيح، بل العكس فالشبهات تُثبَّت الحدود. ناهيك عن حدود أخرى مثل حد الحراب!.. ويمنع الكحول ويقام الحد على بائعة وشاريه وشاربه!، ويمنع حلاقة الرجل وخاصة اللحيه فاللحية مقدسة لدى هؤلاء ينبغي لها أن تطلق على عواهنها مع استحسان حلق الشوارب! ولله در المتنبي الذي سخر من قبل نحو ألف عام:
أغايةُ الدين أن تحفُوا شواربَكم؟ – يا أمّةً ضحِكت من جهلها الأممُ
ويمنع تزيّن المرأة وحتى إخراج خصلة تائهة من شعرها فهو تبرج الجاهلية الأولى، وتمنع الموسيقى والغناء. وخاصة إن قامت به المرأة لأن المرأة عورة في نظرهم…الخ.
هذه المشاهد تدور بخَلد الجيل الذي شهد حكمهم قبل عقدين، لأجل هذا حاولت طالبان وهي تحتل العاصمة كابل وتدخل القصر الجمهوري حاولت أن تلين خطابها وقد سمع شيءٌ من الموسيقى دون تدخلهم لطمأنة الناس، لكن مشاهد الرعب والذعر عمت الناس الذين صدقوا إشاعة أن طائرات جاثمة في المطار الذي يبعد 2كم عن كابول، تنقل الناس مجانا وحتى بدون وثائق سفر فاندفعت الجماهير بعشرات المئات نحو المطار رجالاً ونساءّ وأطفالاّ بل وحتى من ذوي الاحتياجات الخاصة وهم يحاولون عبور السياج وقد استطاع قسم منهم ووجد سبيله الى طائرة عسكرية وصعدوا على أكتافها وأجنحتها، وذهبت نداء القبطان وطاقم الطائرة أدراج الرياح.. فتحركت الطائرة فسقط من سقط ونزل من نزل وحلقت عاليا والمشهد الأكثر مأساوية حين شاهد الناس – ونقلت المشاهد حية- عن الطائرة المحلقة وتسقط منها أجسام بشرية ياللهول!!
قيل أن المسؤولين الكبار في الدولة هربوا ونهبوا خزينة الدولة معهم وأصبح قصر الرئاسة خاوياً على عروشه.. مما سيجعل الفقر مستحكما لحين زرع مساحات شاسعة من نبات القنب التي تأتي قطوفها من الهروين! فلطالبان خبرة واسعة في هذا الميدان ولها خبرة واسعة في مسالك تهريبه وتسويقه للعالم، وستنهال المساعدات من أمراء البترول، وستقف الدولة الاسلامية على قدميها حيث سيبدأ تصدير الإرهابيين مثلما حصل مع القاعدة وداعش وما أسهل الوصول الى العراق عن طريق البر والبحر والتسهيلات موجود لجعل العراق نقطة توتر ساخنة تعطي مبرراً لتدخل دول الجوار وأمريكا وسيدفع الثمن الشعب العراقي!
لاشك أن تجربة أحداث أفغانستان وخروج أمريكا واستحواذ طالبان على كل البلاد الواسعة يضاف الى تجربة العراق يؤكد حقيقة كبرى لا مجال للشك بها وهي أن أمريكا لاتحرر الشعوب بل هي عدوة الشعوب.. فهل مازال هناك من ينكر هذه الحقيقة؟!
ستتأثر كل البلدان الاقليمية في المنطقة، وسيبدأ مدّ أصولي ظلامي وطائفي مقيتا مصحوبا بأعمال عهدتها كل المنطقة ولاسيّما العراق من أعمال تفجير مختلفة أسهلها السيارات المفخخة والأعمال الانتحارية..فهل سيتهيأ العراق حكومة وشعبا للتصدي لما هو محتمل عسكرياً واستخبارياً وإعلاميا؟ وهل سيجعل المجال مفتوحا أمام القوة الوطنية والاحزاب العلمانية لاجراء حوار وطني بناء يكون هدفه حماية العراق وتحسين اقتصاده، ودعم المنشأت الصناعية العاطلة من أجل تفعيلها على امتداد محافظات العراق، لأنعاش الاقتصاد الوطني وتقليص الاقتصاد الريعي أحادي الجانب، وتقليص حجم البطالة، ولا بدّ من أجراءات جادة ودائمة لحماية الحدود والمنافذ الحدودية من قبل الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية الوطنية، وإشاعة الحريات الديمقراطية والفكر النيّر لمكافحة ومواجهة الفكر الغيبي الظلامي، ومحاولة فصل الدين عن الدولة تدريجياً وتحجيم الميليشيات الذيلية ومنع تدخل رجال الدين في مؤسسات الدولة..فلابد للدولة أن تستعيد هيبتها وتجعل القانون هو السائد المصان.. هذا أقل ما يمكن عمله لتعزيز استقلال العراق السياسي والاقتصادي وتماسك وحدته الوطنية العابرة لأطر الطائفية والمناطقية والعنصرية..فلا بدّ من أخذ الحيطة والتدابير اللازمة لكل المتغيرات المحتملة والمخاطر المحدقة قبل أن تدركنا المخاطر.
17 آب2021