أذا أستثنينا الأنقلاب الذي قام به المشير عبد الرحمن سوار الذهب عام 1987 في السودان، بعد الأنتفاظة الجماهيرية آنذاك، ثم تسليمه السلطة الى الحكومة المنتخبة حينها والتي رئسها الصادق المهدي، فالتاريخ السياسي لأمتنا العربية لم يذكر لنا أن أحدا فعلها قبله ولا حتى بعده ولحد هذه اللحظةبتنازله عن السلطة وأغرائاتها وبهرجتها!. أقول أن تاريخ أمتنا العربية المليء بالخيبات والأنتكاسات ومنذ أنتهاء الحرب العالمية الأولى وتحرر الأمة العربية من براثن السيطرة العثمانية المقيتة، لم يحدثنا وعبر تاريخه الحديث أن قدم رئيس حكومة أو رئيس جمهورية أو وزيرأو حتى مدير عام أستقالته من منصبه لقناعته بأنه لم يستطع أن يقدم شيئا للناس وبأنه لم يكن على مستوى الطموح ولا على مستوى المسؤولية؟!. فحب السلطة والرئاسة هو أحد وأخطر أمراض الشخصية العربية المليئة بالآفات والأمراض الأجتماعية والنفسية!، وكما قالعنها المفكر العربي الكبير أبن خلدون بأن ( آفة العرب الرئاسة)!. أن العراق ومنذ فترة ليست بالقصيرة وتحديدا من بعد عام 2003 وما جرى ومر به من فوضى عارمة في كل المجالات السياسية والأقتصادية والأجتماعية وضياع هيبة الدولة وسيطرة العمامة والعقال! على سلطة القرار الحكومي وسلطة الشارع وغياب صوت القانون وسلطته، وأنتشار الفساد وتجذره في كل مفصل من مفاصل الحياة حتى صار نهب ثروات البلاد بأية طريقة كانت من هذا الحزب وذلك المسؤول أمرا طبيعيا لا عيب فيه ولا خجل!، نعيد بالقول بأنه وبسبب كل ذلك صار العراق مكانا خصبا للأشاعات وأنتشارها بشكل سريع.ندخل الآن الى صلب الموضوع، حيث، تدور الآن في الأوساط الأعلامية وتنتشر على مواقع التواصل الأجتماعي أخبار شبه مؤكدة عن نية أو قرب تقديم رئيس الحكومة الدكتور (عادل عبد المهدي) لأستقالته!، ولا ندري مصدر تلك الأخبارومدى صحتها،حتى أن (( بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء السابق قد أكد ذلك!)). وهنا لابد من التذكير بأن الدكتور( عبد المهدي) سبق وأن أعلن وعبر وسائل الأعلام وقبل تسنمه لمنصب رئيس الحكومة بأنه سيضع طلب أستقالته في جيبه!، وسوف يقدمها متى ما رأى بأنه لا يستطيع اكمال هذه المهمة الجسيمة!. نعود بالقول أن صح مثل هذا الخبرأو أشاعة تقديم ( عبد المهدي) لأستقالته فهي بالأكيد لم تأت من فراغ!، حيث تقف ورائها أسباب كثيرة وعديدة منها، ما يعانيه من ضغوط خارجية دولية وأقليمية وتدخلهم السافر والواضح والمفضوح في الشأن العراقي ، وفي أختياراته وتوجهاته وآراءه السياسية، وكذلك أصطدامه بجدار الفساد والفاسدين الصلب، حيث لم يجرأ لا هو ولا الذي قبله ولا الذي سيأتي بعده من القول للفاسد ( على عينك حاجب)!كما يقال بالأمثال، ولا حتى تقديم ولو فاسد واحد أمام العراقيين!. وبعيدا عن صحة هذه الأخبار والأشاعات من عدمها، أنا كنت واحد من الكثيرين الذين أثارهم العجب والدهشة عن كيفية موافقة السيد (عادل عبد المهدي) عن ترشيح نفسه ليكون رئيسا للحكومة؟، في ظرف حاسم وصعب كان يمر به العراق ولا زال والذي يحتاج الى رجل أكثر حنكة وقوة وحزم ويمتلك كاريزما قيادية وهيبة،وقد يتفق معي غالبية العراقيين بأن الدكتور (عبد المهدي) لا يمتلك من ذلك أي شيء!، فهو يميل الى الراحة والسكون والى البرامج الصحية والحياتية التي تتوزع بين أخذ ساعات كافية من النوم وممارسة الرياضة وخاصة السباحة!، ناهيك عن عمره الذي تجاوز 77 عاما، ولا أعتقد أن العراق بظرفه الحالي وبالنفق المظلم الذي هو فيه منذ 2003 ولحد الان، يمكن أن ينقذه رجل مثل (الدكتور عبد المهدي)!. أضافة الى ما يعرف عن الرجل زهده عن اللهاث وراء المناصب وتكالبه عليها، رغم أنه تسنم 3 مناصب عليا قوية وتنفيذية!! ( وزير المالية في حكومة الدكتور أياد علاوي، ومنصب نائب رئيس الجمهورية في حكومة المالكي، ومنصب وزير النفط في حكومة الدكتور العبادي)، وهنا لابد من الأشارة بأنه لم يترك أية بصمة تذكر في كل هذه المناصب الحساسة والقيادية!، سوى الحصول على الرواتب والمخصصات الضخمة والخرافيةكبقية المسؤولين العراقيين!، حيث تقول التقارير والأخبار من داخل وزارة النفط، بأن فترة تسنمه مسؤولية وزارة النفط لم تكن على مستوى الطموحوالنجاح!!( راجع مقال السيد صائب خليل عن ذلك)!. ثم لا أدري هل يعلم دولة الرئيس ورغم مرور قرابة سنة على تسنمه لمنصب رئيس الحكومة بأنه لم يقدم أي شيء يذكر لهذا الوطن ولا للشعب، حتى على سبيل المثال، لم يتم أكساء شارع ولم تم ردم حفرة، ولم نسمع بتعيين ولو عشرة خريجين أو بقدرهم من العاطلين وهذه من أبسط الأمور؟ فهل تعتقد بعد هذا يا دولة الرئيس أنك تحظى برضا وقبول الشارع العراقي؟، وماذا تنتظر يا دولة الرئيس وماذا سينتظر منك الشعب؟ وأنت مكبل بقيود المحاصصة السياسية والطائفية وبقيود الأحزاب السياسية المتنفذة وفصائلها المسلحة هذا من جانب، وضغوطات أمريكا وباقي دول المنطقة والدول الأقليمية عليك من جانب آخر، وتدخلهم لربماحتى في أختيار ربطة العنق التي تلبسها؟!. فهل نتوقع منك مثلا أن تقوم بثورة على الظلم والفساد على غرار ثورة الأمام الحسين عليه أفضل السلام؟، الجواب كلا وألف كلا لأنه صار يقينا لدى الشعب بأنه لا أنت ولا الذي سبقك ولا الذي سيأتي بعدك من كل رؤوساء الحكومات، يمكن أن تقدموا أي شيء يذكر لهذا الوطن ولهذا الشعب!. وهنا لابد من أن نذكرك يا دولة الرئيس بأنك قبلت تسنم منصب رئاسة الحكومة بعد أن أشترطت على الأحزاب السياسية عدم تدخلهم في خياراتك في تشكيل الحكومة؟ وقد هددتهم بأنهم أن تدخلوا فأن أستقالتك ستكون جاهزة في جيبك!. نقول، ماذا تنتظر يا دولة الرئيس، بعد قرابة السنة على تسنمك منصب رئاسة الحكومة، وكابينة حكومتك لم تكتمل لحد الان!؟، وقدتدخلت الأحزاب السياسية جميعها في كل خياراتك وأخذت منك ما تريد، خاصة الأكراد الذين أعتبروا فترة تسنمك للحكومة الفترة الذهبية لهم لأنك أعطيتهم أكثر مما يستحقون!، وفظلتهم على أهلك وناسك المحرومين من أبسط حقوق المعيشة والحياة الكريمة؟ وقد ترك ذلك غصة كبيرة في قلوب العراقيين.أقول أضافة لخيبة الناس بك بسبب أخفاقك الواضح في تقديم ولو شيء بسيط لهذا الشعب المظلوم، نلفت أنتباهك بأن هناك حراك سياسي من بعض الأحزاب السياسية النافذة لأقالتك من المنصب بسبب الاخفاقات التي تم ذكرها، فهل لا زلت تحتفظ بورقة الأستقالة في جيبك أم أضعتها أو مزقتها ولا تنوي كتابة غيرها؟ ماذا تنتظر بعد كل هذا يا دولة الرئيس؟ أخيرا أقول: لماذا لا تدخل تاريخ الزعامات العربية وتتفرد بكونك أحد الزعامات السياسية الذي قدم أستقالته بمحض أرادته من أجل مصلحة الوطن والشعب؟! قبل أن يتم الأطاحة بك من قبل أصدقاء وشركاء الأمس؟ وتلك معيبة في حقك ولا أرضاها لك!،ولتكون تلك الأستقالة نقطة بيضاء في تاريخك السياسي والأنساني ولربما ستمحوا الكثير من الأخطاء التي أرتكبتها بحق نفسك وبحق العراق وشعبه!.ويبقى السؤال الأهم: هو بغض النظر عن مدى صحة أخبار أو أشاعة أستقالة ( عبد المهدي) هل أن أمر أستقالة الدكتور (المهدي) هو فعلا بيده أم بضغوطات وأوامر دولية وأقليمية؟.