في شهر شباط عام ٢٠١٤ كنت مع احد أصدقائي في مدينة لندن الكندية و على مدى ثلاثة ايام لحضور حلقة دراسية في موضوع زراعة الأسنان . وبالنظر لبعد هذه المدينة حوالي ١٥٠ كم عن مدينتي فقد آثرنا الإقامة في احد الفنادق هناك لحين انتهاء هذه الحلقة الدراسية . في صبيحة اليوم الأخير وعند خروجنا من باب الفندق متجهين الى سيارتي فوجئنا بهطول ثلج مخيف في الليلة الماضية بلغ ارتفاعه ٧٠ سنتمتراً ، وكانت المدينة تبدو كمدينة اشباح حيث لا يخرج عادة في مثل هذا الطقس المرعب الا من تضطره الظروف ولاسيما في عطلة نهاية الأسبوع . خرج اثنان من موظفي الفندق ، رجل وامرأة ، لمساعدتنا في ازاحة الجليد المتراكم حول السيارة بواسطة المجاريف والمسحاة علما بأن الثلج كان مستمرا بالنزول . وعبثا حاولنا لمدة حوالي ساعة ان نحرك سيارتي من موضعها ولكننا لم نتمكن علما بأنها من نوع الدفع الرباعي الحديث . وعلى حين غرة مرت قربنا سيارة بيكب قديمة يقودها رجل كندي في أواسط العمر ، توقف قربنا ثم نزل متفحصا عجلات سيارتي الغاطسة في الجليد المتراكم . وبدون ان نطلب منه شيئا اخرج من سيارته مسحاة كبيرة وبدأ يزيح الثلج حول العجلات بهمة عجيبة ثم جلب كذلك كمية كبيرة من الملح المفصص وأخذ ينثره تحت و حول العجلات مناديا علي بتحريك السيارة حسب إرشاداته . وبعد حوالي ثلاثة ارباع الساعة من هذا الجهد الشاق تزحزحت سيارتي من موضعها بفضل مساعدة هذا الرجل الغريب الطيب . ثم رايته بعد ذلك يستدير فورا نحو سيارته القديمة فهرولت خلفه شاكرا فضله وحسن صنيعه ساحبا محفظتي لاشكره ببعض النقود فابتسم بوجهي ابتسامة كبيرة والثلج يغطي رموشه وانفه رافضا اي مبلغ… قائلا لي : قد سيارتك بحذر ، أتمنى لك سلامة الوصول لعائلتك .
بعد ذلك بفترة قليلة كنت في احد الليالي في منزلي اشاهد التلفاز وكان الثلج يغطي الطرقات . ومن خلال الشباك رأيت سيارة صالون صغيرة وقد غرزت عجلاتها في منعطف الطريق وهي تدور عبثاً ولكن السيارة لم تتزحزح . وبدون تفكير لبست معطفا ثقيلا وخرجت لإبداء المساعدة لسائق السيارة …كان رجلا في السبعينات من عمره وعندما أخبرته انني مستعد لمساعدته شكرني بلطف قائلا ان ابنه على وشك الوصول وهو يمتلك سيارة بيكب كبيرة وسيسحب سيارته العالقة ببساطة . وعندما رجعت ماشيا الى داري تسائلت مع نفسي عن العفوية التي دعتني للخروج في هذا الليل البارد لمساعدة هذا الرجل فتذكرت ان طيف الرجل الطيب الذي ساعدني في مدينة لندن قد لاح لي وانا ارى امامي إنسانا بحاجة لمساعدة… حينذاك ادركت معنى الحكمة الإلهية الأزلية ” سيكون الرب في عون العبد مادام العبد في عون أخيه ” .
أرسل لي احد الأصدقاء قبل يومين مقطع فيديو تم تصويره عن بعد يظهر فيه رجل سائح مسن وقد علق هو وزوجته الى الخصر في الطين… ربما قد فوجئا بموجة مد البحر وهو يقوم بالتصوير . أتى احد الصيادين وحاول مساعدتهما فأخذ عدة التصوير وحقيبة السيدة وأبعدها عنهما ثم حاول بجهد ان يخرج الرجل من الطين بشتى الوسائل فلم يفلح فما كان منه الا ان تمدد قرب الرجل العالق وجعل من جسده عتبة لكي يطأه الرجل كي يخرج من هذا المأزق. وما ان خرج الرجل وزوجته من محنتهما عاد الصياد باتجاه قاربه الصغير من غير ان ينتظر منهما حتى كلمة شكر.
أصدقائي الأعزاء وقرائي الكرام … كم يسعدني وانا اقرأ هذه الأيام على الفيسبوك تهاني البعض للبعض من مسلمين ومسيحيين بمناسبة تزامن المولد النبوي الشريف مع أعياد الميلاد المجيد والسنة الميلادية الجديدة… مشاعر تفيض بعبق المودة والإنسانية والإيمان المطلق ان الدين لله والوطن للجميع…. نعم لقد تعمدت عنوان هذا المقال تماماً.. فأن خير ما نبدأ به عامنا الجديد …ميلاديا كان ام هجريا… ان نتذكر قصة الرجل الشهم الذي ساعدني واخرج سيارتي من الجليد المتراكم او الصياد الفقير الذي انتشل السائح المسن وزوجته من الطين … كل منهما فعل ذلك حبا بجوهر الانسانية وليس حبا بالمال او توقع جني فائدة ما .
لقد علمتني الحياة وأؤمن به كيقين راسخ ان من يهب لنجدة محتاج بدون انتظار مقابل سيبعث الله سبحانه وتعالى يوما من سيقضي كربته ويعينه في محنته.
سيكون هذا اخر مقال لي في عام ٢٠١٥…أتمنى لكم جميعا عاما جديدا سعيدا ملؤه المحبة والتآخي تهتدي فيه قلوبنا ببوصلة الخير نحو الطمأنينة وراحة البال.
للتواصل مع الكاتب يرجى الكتابة على البريد الالكتروني[email protected]