23 ديسمبر، 2024 5:23 ص

أفرغ رأسك من النحل …

أفرغ رأسك من النحل …

الروائية مها حسن ومسرحة النص ..في – الروايات –الى الشاب الطموح حيدر الأسدي..
الكتابة الروائية: تشغل مرتبة السيادة داخل هذا العمل الروائي للروائية السورية الكردية المقيمة في باريس مها حسن وهذه السيادة معلنة في العنوان الرئيس وفي العنوانات الثلاثة الفرعية..وبشهادة ،،عليا،،..(الروايات تعمق إنسانيتنا، وتخفف وحشيتنا وميلنا غير الواعي الى العنف ،الروايات تهذبنا../167).. ويمكن اعتبار النصوص الثلاثة وجيز مراحل سرد الانثى . في الرواية الاولى (جلد الافعى) تكون سيادة الجنسوية (sexism) ولاتختلف الجنسوية عن التمييز العنصري (racism) فكلاهما يتصفان بالدونية ، والجنسوية (بحسب معجم النساء النسوي : علاقة اجتماعية للذكور فيها سلطة على الإناث ../ص19- زليخة أبو ريشة ) حيث يثبّت اسم الرجل الممول على رواية كتبتها روائية مجهولة !! في الرواية الثانية (حورالعين ) تبدأ نقلة نوعية فردية في التخلص من سلطة الجنسوية ، اما في …الاخيرة (شهرزاد) فيكون الاصطفاف التحرري الجماعي النسوي ، وينتقل التحرر من مرحلة التدريب ، اذا جاز القول الى مرحلة الفعل في الهواء الطلق وضمن حركات منظمات المجتمع المدني ..وتقنية السرد تشعرنا في النقلات الثلاث اننا نطوف حول المهيمنة الروائية نفسها ، وفي كل دورة نقترب من المركز ،وعلى مستوى تقنية السرد ثمة استفادة مشروعة من ،،ثلاثية نيويورك،، للروائي بول أولستر ، أقول ذلك ، لا لئن الخبير الروائي عزيز ، أسقط اعجابه بالروائي بول اولستر في ص81..بخصوص الأوراق المبعثرة ، التي كتبتها بتلقائيتها روائية مجهولة ، هذه الاوراق التي ستكون رواية بعنوان ،، الطبقة الثانية من العيش ،،بل لأن تقنية أولستر حاضرة، حضور رواية ملاك الجحيم للروائي ساباتو ، وكلاهما كتغذية نصية مشروعة .. وبحسب الدكتور فيصل دراج (فالثقافي في كونيته يمكن له ،وفي شروط محددة، أن يعثر على تمييزه ،وأن يتخلص من صفة الوافد ويندرج في الثقافة الوطنية / ص140 – دلالات العلاقة الروائية )

(*)

أكتبُ لأصيّرني ،فالكتابة هي المكان الذي تتموضع فيه ذاتي في اللغة أولاً وبالتالي في الذوات..(نكتب لأننا غير قانعين بمحدوديتنا الكونية /ص40- مها حسن – الروايات) في الكتابة تتحول الانا الى انوات تنبجس في انوات قابلة لإنبجاس لانهائي..إذاً وانا أكتب أكون آخري الذي أكتمل به ومن خلاله ..(نكتب ..لأننا لانكتفي بأن نكون في ذواتنا ..) ..نكتب لنستعيد وننظف المستعاد مما لحق به و نتمنى التماهي في التقانة ..(لو أنني وحيدة في هذا المكان ،لأعدت هذا المقطع من دون توقف .أدخل من الباب الكبير أتجه صوب الحاجز الحجري ،أضع حقيبتي نصف المفتوحة، بحيث يظهر منها غلاف رواية ساباتو أزيح شالي المرّقط عن عنقي، وأضعه ُ برفق فوق الحقيبة .أوّقع من دون توقف مستدرجة مجيء فتاي

في احد لحظات تكرار اللحظة ../30).. المستوى الثاني وهو الاهم في هذا الكلام : هو مسرحة الامنية وتقودنا هذه المسرحة الى منظومة تمسرحات منها :

*مسرحة حياة البطلة

*مسرحة علاقة الروائي العقيم روائيا مع الروائية المجهولة ..

*مسرحة الازياء..والمكان

(*)

المكان الوحيد المضاد للمسرحة : هو المكان الذي لايتعامل مع تلفزة الحياة ولايتنفس هواءً مكيفاً ولايمس الكحول أو يتقوّت بالمعلبات : بقعة نائية فيها كل شيء طازج وبشهادة الروائية في مفصل ،،حور العين ،،..(نحن لانأكل الخضار المصنّعة ولاتلك التي يزرعونها في بيوت بلاستيكية ولا اللحوم التي تتدخل فيها الآلآت والمواد الاضافية، كل شيء طبيعي وحقيقي ،هنا النسخة الأصلية من العيش ،لامكان للتزييف ../107)..لكن هذه النسخة من الحياة، لايمكن ان تكون جنة عدن ،فهي مهددة بالانكماش ، وقد تتلوث سياحيا، أو نوويا ..كما ان مثل هذا العقد الاجتماعي الروسوي (جان جاك روسو) صيرته تقنية قرننا الحالي، ضربا من الكاريكتير ..!!

(*)

ولامسرحة للأسلوب ،ليس الرجل هو الاسلوب ،، بل الانسان هو الاسلوب ، ولكل منا بصمته في اسلوبه، الخبير عزيز وهو يقرأ المخطوطة المكتوبة بخط اليد ،يسأل ويكرر السؤال (ولكن من هي المؤلفة ؟ /81)..ثم يؤكد الخبير على استفادة المؤلفة من تقنية السرد عند بول أولستر ،ويكتشف تعددية أصوات في نص المخطوطة ويؤكد ثانية (أعني المؤلف الرئيسي إمرأة ../82)..في (حور العين ) الرواية الثانية من كتاب (الروايات ) تستروح القارئة مؤنث السرد وتعلن (لاأستطيع أن أثبت أن كاتبة الرواية إمرأة لكنني أحس بهذا / 107)

(*)

تمسرح الروائية المجهولة زيها وفق فيلم (جاكلين السعيدة ) : (لقد اشتريت الشال بعد مشاهدة الفيلم كنت أحب الحركة البطيئة التي تنزع فيها جاكلين شالها المرّقط بالبيج والبني ..أنا أفعل مثلها تماما .أحببت تلك الحركة في الفيلم ،حين لمحت الشال في ،،المخزن ،، أشتريته ووضعته ُ على عنقي حتى أقبل أن أدفع ثمنه تماماً كما تفعل جاكلين حين تضعه . أنا أفعل هذا وكأنني هي ../31-32)..وستمسرح لحظتها بتوقيت غيابه وهي تبدأ دوامها (نزعت شالي ببطء، كما لو أنني أنزعه وقبل ان يهجر عنقي ، أتركه ، ثم أحاول سحبه ببطء ../33) ..هو يمسرّح غيابه بمهارة مسرحية مؤديا دوره في تشويقها ..– في الصفحات الاخيرة سيكشف لنا النص ان المسرحية من إعداد صديقتها ميريام ، وتمثيل المسمّى ساباتو )..سيقترح عليها مساعدتها في تحقيق حلمها السردي : التفرغ لكتابة الروايات ..والمقترح مدروس من قبله وفق تعليمات صديقتها مريام ، فهو يقترح رواية بلا نشاط جنسي ..ويقدم ذريعة نصية مقبوسة من سيناريو اعدته له عشيقته / صديقتها : ميريام (الجنس سيدخل علاقتنا في

تفاصيل الواقع ،أريد أن أرسم كل مابيننا في فراغ من الافتراض الجمالي ،لااريد للواقع أن يفسد الحلم /50) .

(*)

على أي حلم يخاف الرجل/ الممثل / اللامسمى ؟ على حلمها وهو يعرفها من وجيز السيرة الذاتية التي قدمتها له عشيقته / صديقتها ميريام ، بدون علم المرأة / الروائية وبشهادتها عن نفسها..( أنا الكائن الأكثر أحلاما على وجه الارض ربما ../35) ؟ لا ..بل هو يخاف على حلمه الذي تجسد فيها هي ..ألم يخاطبها (أنت ِ امرأة أحلامي ) وهي فككت الشفرة بمفتاح مكبوتها وهو التقط تفكيكيها فأرسل شفرة ماكرة عائمة المعنى ( أنت امرأة تجعلنني أحلم. أنا بحاجة الى هذا الحلم / 35) ..وهذه الشفرة عائمة حتى على القارىء وستفكك الشفرة نفسها ذاتيا في النهاية .فهذا الرجل الذي يخاف على اسمه الشخصي منها ،مصاب بثراء تسبب بإصابته بعنة جفاف المخيلة ادى الى لانكاح بين قلمه واوراقه ..بشهادة الامام الصادق عليه السلام (أن الله خلق الحروف أولاً وما أودع في اللوحة من الأثر الحسي : إنما هو ماء المعرفة../ ص15- فاطمة الوهيبي – المكان والجسد والقصيدة / المركز الثقافي العربي/ ط1/ بيروت/ 2005) وهكذا سيقوم هذا الثري مقابل توفير كل شروط الكتابة للمرأة المتغربة في حياتها بسبب قسوة الشرط الاقتصادي ،بأستغلال جهدها المعرفي ايضا ومصادرته كأنها تلك الأجيرة التي يتزوجها الثري وبموافقة زوجته الثرية / العاقر ،لتنجب لهما طفلا فقط ، ثم ينتزع الطفل منها وتطرد الاجيرة من القصر..بالنسبة للمرأة / الروائية أو آبدون كما سيطلق عليها الثري ،المسمّى ساباتو..من خلال الاسماء الوهمية ندخل علاقة ممسرحة / منبجسة من (ملاك الجحيم ) رواية أرنستو ساباتو..،وثمة تجاور ثان بين شخوص ساباتو في روايته (موتى بلا قبور ).وبين شخوص المرأة الروائية في( جلد الأفعى) وهو تجاور إجناسي أطلق عليه النقاد (رواية ضد الرواية)..حيث تنتقل الشخصية من كينونتها اللغوية لدى ساباتو (لتتحول الى كائنات حية تصنع المشاهد الدرامية العنيفة../ ص9/الدكتور خالد محي الدين البرادعي ) بالنسبة لشخصية الروائية في مفصل (جلد الافعى)..تخبرنا عن شخوص روايتها كيف يساعدونها في الكتابة ..وبشهادتها (يعيشون تحت جلدي ،يتنفسون تحت بشرتي ، أحك جلدي فيظهرون ،أقشرني ليظهروا، أصل البيت ، أخلع قشرتي الخارجية ،وأتركهم يتجولون بحرية ،يتشاجرون ، أحيانا أصالحهم ،أغضب يصالحونني ،أفيق على مزاجهم ..لايرغبون في النوم ،ولايتركونني أنام ../76)

(*)

هذه المرأة المقهورة في حياتها وبشهادتها تذكرني من بعيد بشخصية الكونت المشطورفي رواية إيتالو كالفينو ،فهي ..(تعيش حياتين ،حياة شكلية خارجية سطحية هي العمل والعيش البراني .وأخرى حقيقية عميقة الحياة التي أصنعها في مخيلتي والتي تشبهني وتجعلني أعيش كما أرغب ../35) وكذلك في / ص151.. إذا هي امرأة بين قوتيّ الإنتباذ – الضرورة / الانجذاب – الحرية المتخيلة وبأعترافها ..(تكره شروط العيش ،العمل ، الحاجة الى الطعام ،فواتير الكهرباء والماء ،والضرائب ،والمواصلات ،كل هذه شروط تجبرها ، على مغادرة قصصها لتعيش وتأكل وتشرب وتدخن وتستحم مع انها تفضل ان تتحول الى قصة الى شخصية محلوم بها بدلا من وطأة العيش اليومي ../ 83-84)

(*)

الثري العقيم روائيا ،يمسرح خطابه كبلهوان على حبل مسموت ويتعمد تغريب المرأة / الحبلى بروايتها (أنا حبلى بملايين البشر وليس لدي الوقت لولادتهم /86)..(أشعر بأنني حبلى بملايين البشر ،الكتابة هي فقط محاولة تدوين لمساعدة هؤلاء على الخروج الى الحياة / 87) لكي ينأى عنها وهو قربها ..(أريدك ان تبقي أمرأة من حلم ، أمرأة حلم ،لاأريد أن تعرفيني واقعيا، لاأسمي، ولامكان سكني ولاأي شيء عن هويتي الفعلية ،أريدك ان تحلمي وتجعلينني أحلم ، أريد أن احلم../52) وبشروطه هذه يثبتها في إطار مسرحي تؤدي دورا مرسوم لها وفق اخراجه ،هو حصريا خلال الاشهر الثلاثة..

(*)

الروائية التي لاتكترث لحياتها وتعيشها بضغوطات اليومي الذي يستلب حياتها منها، وهي تكتب وفق شروط ، الثري اللامسمّى ، ستتحول مؤثرية المسرحة في سرودها من التلقائية الى قصدية الإنهمام الآيروس..في التلقائية : كانت سرديتها لها كمعادل موضوعي لملء فراغ وحشتها وعوزها المادي (ليس لديها جهاز تلفويون ،ولانقود لشراء الكتب أو الذهاب الى السينما ،ليس عندها أصدقاء تخرج معهم أو تزورهم ..ليس لديها إلاّمتعة وتسلية الروي ،لتمضية الحياة وتمريرها بسلام حتى النهاية ../ 83) وحتى تذهب الى غفوتها ،تنسج رفقة من سردياتها ، ثم تحوكها حكاية وتتوسد حضنها يتحول الحضن زورقا يتهادى فوق مياه النوم المحلوم بها..في قصدية الانهمام الآيروسي : استحال سردها ضوءاً :

*(كلما توغلت في الكتابة ، شعرت أنني أكتب من أجله ،شعرت بأنني أقترب منه أكثر عبر الكتابة ، ألمس بشرته ، أتحسس جلده ، أشم رائحته / 59)

*(..كل ما أكتبه هو تعبير عن رغبتي به، أكتب تحت ضغط إيروسي قوي ، أكتب ثم أنزلق مرهقة في الفراش متصورة أنه يحتضنني، سعيداً بي، بكتابتي ، أكتب لأنال رضاه ، لاشيء يهمني سوى رضاه ../61)..

*(حبه والكتابة يمنحاني معنى جديداً للعيش ../76)

(*)

شقتها : محض حيز بصيغة غرفة ، وهو يزورها للمرة الاولى يرى الحيز كله وهو واقف في إطار الباب ، يستفزه بؤس المكان ، يستفزها بوقاحة الاسئلة : (ماهذه الفوضى ؟ ماهذه الرائحة ؟ كيف تعيشين هكذا ؟/ 46) ترد على اسئلته بإجابة توازي وقاحته ( من قال لك إنني سيدة منزل أو مهندسة ديكور؟)..

*قبل زيارته الثانية لشقتها ستخبرنا الساردة كيف مسرحت سردا جديدا للمكان نفسه :

(رتبت ُ الغرفة ،منذ أيام نسيت عددها، لم أر غرفتي مرتبة هكذا .فتحت النافذة المطلة على الحديقة لاأعرف منذ كم شهر، لم أفتح النافذة ! أستسلمت غرفتي لترتيب مباغت لنسائم هواء منعشة لإمرأة أنيقة ../ 61)..ثم تسرد لنا التمسرح الثالث لغرفتها :(أشتريت ُ ستائر شفافة ، كأنها من حرير بألوان

أرجوانية، تشبه لون الستارة التي تظهر خلفه في صورته المنشورة على غلاف الرواية .ستائر متماوجة، متدرجة ، من الاحمر الى البرتقالي الى الوردي، وتركت صوره تبدو خلف الستائر المتهدلة على جدران الغرفة .أشتريت شموعا معطرة ً، ملونة ً أصبحت الغرفة مكاناً اسطوريا، مكتسية بستائر ملونة بتدرجات الارجوان ومضاءة بشموع ومعطرة .مكانا يليق بأبتسامة الرجل المعلّق في كل مكان من الغرفة ،على الباب وضعت ُ أكبر صورة له، صورة بحجم الباب .صورة تغطي الباب ،صورة هي الباب، كل شيء جاهز لأستقباله في كل لحظة ../ 76).. هنا يتم سرد الغرفة بالتعاضد بين الستائر والوانها وسرد الصورة الفوتو المتعدد ..وهناك مسرحة بالمفهوم المسرحي المتداول ، من قبل الكائنات اللغوية المخزونة في النص الذي تكتبه الشخصية الروائية في الرواية بنسختها المطبوعة بين يديّ كقارىء ..(ينصبون منصة مسرحية في الغرفة ،يلصقون الفرشة جوار الباب تصبح الغرفة أوسع ، تتحول الفرشة الى خشبة مسرح .يمثلون شخصيات وحوادث مبتكرة .بل يصنعون شاشة سينما في غرفتي ،أستلقي قبالتهم ، اتفرج عليهم وأسرق منهم لقطة أحيانا فأكتب مايقدمونه على الشاشة أو الخشبة../79)..

(*)

في المفصل المعنون (شهرزاد ) تنتقل فاعلية مسرحة الفضاء من الخاص الى العام المؤنث وبتقنية متقدمة وبتضامن أممي للجندر في حانة شهرزاد وبتوقيت ليلي متأخر يتم تحرير الانوثة من عنف الجنسوية واستعادة اللغة الغائبة ،في هذا الفضاء المؤنث لاتجبر الانثى على (استعمال لغة ليست من صنعها../13- زليخة ابو ريشة/اللغة الغائبة / نحو لغة غير جنسوية/ دار نينوى / 2015)..هذه الحانة مكان خارج المكان، ظاهرها في باريس الآن، وباطنها موغل في العصر العباسي، بشهادة الساردة ،في الداخل ، تتنوع سرود المكان : رسومات وبخور وأزياء شرق الحكايا الشهرزادي، شرق الدخول هو التماهي في سيكلوجيا الزي الشهرزادي ..(أنبثقت أمامي صبية فاتنة الجمال ،مرتدية ملابس طويلة مطرزّة وواسعة ،من تحت ضيقة عند الخصر،تضع مايشبه القبعة ،تتدلى منها أقمشة ملونة شفافة وقفت أمامي منحنية بأبتسامة ساحرة ،وبحركة من يدها طلبت مني أن ألحق بها فأنصعت ُ../139) وهنا نكون في مرحلة العتبة مع الساردة ثم يبدأ سرد الزي في مكان يليه سرد الزي في جسد الانثي ..(دخلت ُ غرفة كبيرة مليئة بملابس كثيرة وطلبت مني أن أختار الثوب الذي يناسبني ،كل الملابس تعود الى القرن التاسع عشر على الاقل ،أثواب أميرات وسيدات الزمن الفائت ../139)..بمؤثرية سرد الزي في جسد الانثى تخبرنا الساردة المشاركة بصناعة الحدث ..( بشكلي الجديد ،وكأنني أمرأة قادمة من عصر آخر ،ثوبي المختلف ،حذائي، أقراطي وعقدي دخلت المكان ..)..هاهي تدخل المكان وتتقهقهر في الزمن ،بمؤثرية مسرحة المكان ، الوحدات السردية الصغرى لمسرحة المكان قادمة من تلك الحضارة التي أفلت (آرائك ملونة ،وسجاجيد ومزهريات، ولوحات على الجدار، ومفارش طاولات ومخدات .ألوان ألوان ألوان عالم ملوّن بإضاءة ملونة والكثير من الروائح الغريبة ،أراكيل ،مفروشات ،موسيقى وراقصة ترتدي ملابس راقصات العصر العباسي .لم أكن في أوربا ذلك الزمن، كنت في العصر العباسي في تركيا، أو العراق، أو إيران../)..نلاحظ ان المسرحة هنا تعاني من لوثة الاستشراق ،والتي تجسد في لوحات الرساميين الاوربيين لجواري الرقص أو لحمامات نسوة الشرق !! فأقترن الشرق عند المستشرقين بهذه الصيغة وهم في ذات الوقت كانوا يتعمقون في قراءة حضارتنا العربية الاسلامية ويشسيدون بها يكتبون المجلدات عنها ويحققون تراجم اسلامية أمثال : بندلي جوزي، كولد تسهير ، بروكلمان وغيرهم ..وكلاهما الرسام والمستشرق انتجا شرقا هو شرق الاستشراق وليس الشرق بنسخته الحقيقية.

وبشهادة إدوارد سعيد (ليس في وسع أي باحث أن يقاوم ضغوط أمته، ضغوط التقليد البحثي الذي يعمل في سياقه

../ ص273- الاستشراق )

(*)

في حانة شهرزاد ،لم تكتشف مسرحة المكان فقط ، بل بمؤثرية وسائل المكان وسردت ماهو جديد عليها ،فقد أكتشفت (أجزاء خفية عني كتبتها البارحة ، أشياء لم أكن اعرفها عني ولم أقلها لصديقة ولاحتى لمحللتي النفسية ../143).. هنا تحول السرد حبلا ودلولا من خلالهما نزلت الساردة في بئرها المهجورة ومتحتها..في زيارتها الثانية للحانة، ستفشل فاعلية السرد ..وربما اكتشفت الساردة ان للسرد خطوات السلحفاة وعزلة الراهب ، فأتخذت الطريقة الاسرع والجماعية ،أعني اسلوب الحكي المباشر مع جمهور الحانة المنتخب …ستحكي وجيز سيرة عائلتها وسيعرف القارىء انها احدى حفيدات سيزيف ،فكل ليلة يقذفها والدها في غابة نائية، وتقضي الليلة بحثا عن الطريق الى البيت ، وستصل للبيت وهي مسكونة بالخوف والارهاق والكوابيس…ومن خلال الانصات الجمعي ستمزق الساردة شرنقة وحدتها وتناضل ضد الجنسوية ..وهكذا تتخلص من مصالحة العالم وتسهم بالحراك الجماهيري، لكن الحراك للأسف جاء ممسرحا في جسد سرد الرواية الجميلة!! .. الاهم ،نجحت حانة شهرزاد في نقل حفيدة شهرزاد من ظلام الانا الى نهارات أنصار السلام ..نجحت بتوفير المنولوغ السردي للحفيدة

(خفتُ ان أكون ما أريد، صرت شخصاً سطحيا، سهل العبور، يعيش كما الآخرون مندمج ،مبتسم، كل هذا من الخارج، وكلما فكرت بي بعمق ، خرجت تلك المرأة التي حلمت ان أكونها وعاتبتني فقررت ان أقتل نفسي ،لأني لست جديرة بي ،بتلك التي لاتزال في داخلي وتحلم بفرصة أن تكون ، متى وقد بلغت الخمسين ../143)

*مها حسن / الروايات / دار التنوير/ لبنان / ط1/ 2014

*أرنستو ساباتو/ ملاك الجحيم / ترجمها عن الاسباني عبد السلام عقيل / المقدمة بقلم الدكتور خالد محي الدين البرادعي/ منشورات وزارة الثقافة / دمشق /1996