22 ديسمبر، 2024 7:42 م

أفاق معركة عين العرب وانعكاساتها الستراتيجية على دول المنطقة

أفاق معركة عين العرب وانعكاساتها الستراتيجية على دول المنطقة

مدينة كوباني ( بالكردية ) أو عين العرب ( بالعربية ) ، وعين الاسلام ( حسب تسمية اعلام الدولة الاسلامية على مواقع الانترنت ) ، اصبحت محط انظار العالم ، واصبحت تداخلاتها الستراتيجية التي تتاثر بها بلدان المنطقة من العراق الى تركيا وسوريا وايران بالاضافة الى الاكراد اكبر من كونها مجرد مدينة صغيرة قد تقع في يد داعش كحال مدن اكبر منها مثل الرقة ومنبج ودير الزور ، وذلك بسبب تشابك الحسابات الاقليمية وتأثيرات سقوط المدينة في تلك الحسابات .

تقع عين العرب على بعد 150 كم شمال شرق حلب على الحدود مع تركيا ..وهي احدى مناطق الانتشار الكوردي الثلاث في سوريا : منطقة الجزيرة ومركزها محافظة الحسكة وتضم مناطق رأس العين والدرباسية وعامودا وقامشلو والقحطانية والمالكية ..(ولكل هذه المناطق تسميات كوردية اخرى ) ، ومنطقة عفرين في الشمال الغربي ، ومنطقة عين العرب ( كوباني ) التي يعيش فيها زهاء 200 الف نسمة ( احصاء 2004 ) و450 الف وفق التقديرات الاخيرة ( معظم الزيادة بسبب لجوء عشرات الاف السوريين من مناطق القتال الاخرى ) .

هذه المناطق الكوردية غير متصلة مع بعضها ويفصل فيما بينها مناطق واسعة تسكنها اغلبية عربية ولها امتدادات داخل تركيا حيث تم شطرها الى قسمين وفق اتفاقية سايكس بيكو عام 1916.

تعتبر كوباني اكبر مدينة ذات غالبية كردية في سوريا تتبعها 284 قرية صغيرة تنتشر على مساحة 3000 كم مربع ، وهي امتداد لسهل ( سروج ) في تركيا . وتنبع الاهمية الستراتيجية لكوباني بالنسبة لداعش من انها تشكل حاجزا بين المناطق التي تسيطر عليها في الغرب ( جرابلس ومنبج ) ، وتلك التي تسيطر عليها في الشرق والجنوب في محافظة الرقة. وسقوط المدينة وماحواليها سيؤدي الى :

– اكتمال الامتداد الجغرافي الواقع تحت سيطرة داعش من الموصل في الشرق مرورا بالرقة ودير الزور وصولا الى حلب .

– وصول داعش الى الحدود التركية مباشرة مما يسهل عليها الدعم اللوجستي والوصول الى مصادر الدعم الخارجي…كما ان محاذاتها لتركيا يصعّب من اندفاع تركيا في الالتحاق بالتحالف الدولي ضدها خشية الاخيرة من قيام التنظيم بتنفيذ عمليات داخل تركيا ، خاصة وان الاستطلاعات تشير الى ان 15% من الاتراك لا يرون في داعش تنظيما ارهابيا ، وان هناك تعاطف شعبي معها يتمثل بوجود من 500-1000 مقاتل تركي داخل صفوفها ( وفقا لمصادر الاستخبارات التركية).

أما أهمية كوباني للاكراد فتتمحور حول الاتي :

– انها ثالث اكبر تجمع كردي في سوريا بعد منطقتي الجزيرة وعفرين .

– يسيطر عليها حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري ( قوات الحماية المحلية ) ، وهو قريب من حزب العمال الكردستاني ( الذي تضعه تركيا واميركا والغرب في قائمة الارهاب ) . وكانت المدينة مقرا لعبدالله اوجلان عند هروبه من تركيا عام 1979 ، وهي مسقط رأس اكبر زعماء الحزب ( شاهين جيلو – شيلان كوباني – زوهات كوباني ) ، وبما أنها المعقل الرئيسي لحزب العمال فأن الدفاع عنها مسألة كرامة وشرف للحزب كما لعموم الاكراد .

– ان سيطرة داعش على المدينة يوجه ضربة قاصمة لمشروع ( كردستان الغربية ) الذي يعمل عليه برزاني وبعض القادة الاكراد ، ومنع الاتصال الجغرافي بين كردستان الشرقية ( العراق ) والغربية ( سوريا ) يقوض احلام كردستان الكبرى .

– يعتبر حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي حلفاء للدولة السورية ، لذا فسقوط كوباني سيعزز موقع داعش في معادلة المعارضة السورية ، وسيمهد ذلك لسقوط باقي المناطق الكردية او في احسن الاحوال نزوح الاكراد منها باتجاه تركيا فيؤدي الى اضعاف الوجود الكردي في سوريا .

أما تركيا ، فهي بحكم موقعها وامكاناتها تعتبر الطرف الاكثر تأثيرا وتأثرا بنتائج المعركة للاسباب الاتية :

1- تعتبر تركيا كلا من داعش وحزب العمال الكردي اعداءا لها . فان انتصرت داعش فذلك سيزيل نقطة ضغط كردية من حدودها ، ويضعف قوة حزب العمال وتجعلها الطرف الاقوى في مباحثات السلام الجارية الان معه ، وبالتالي فرض شروطها عليه او على الاقل اجباره على تقديم تنازلات . من ناحية اخرى لن يؤثر انتصار داعش في الموقف الستراتيجي التركي ، لكن هناك مخاوف من ان تمدد داعش على الحدود سيقيد حركة تركيا الستراتيجية في اي تعاون مستقبلي مع الحلف الدولي ضد داعش خوفا من تحرك الاخيرة في الداخل التركي حيث توجد حواضن جاهزة لها بشكل يضرب الاستقرار والامن التركيين .

وان سمحت تركيا بانتصار حزب العمال الكردي فهذا سيقوّي موقف الحزب ونفوذه داخل المناطق الكردية داخل سوريا وداخل تركيا ، وسيدفع باميركا والغرب الى الانفتاح عليه وشطبه من لائحة الارهاب الدولي ، وقد يتم استخدامه في الحرب ضد داعش باعتباره فصيلا مقاتلا موثوقا ، فيقوي ذلك موقعه وتعاطف العالم مع مطالبه ، وهذا اخر ماترغب به تركيا . لكن اذا ماوضعنا ترتيبة لاعداء تركيا حسب وفق ماتراه فستكون : النظام السوري اولا وحزب العمال الكردي ثانيا وداعش ثالثا ( اي في اخر القائمة لذا فهي غير متلهفة لقتالها ولن تقاتلها دون ثمن يدفعه الغرب لها تعويضا) .

2- مع ازدياد ضغوط الحلف الدولي على تركيا للتدخل ضد داعش فان تركيا تريد ان تقايض تدخلها بضمانات تؤمن لها التخلص من تهديدات داعش و حزب العمال والتخلص من النظام السوري في أن واحد . والثمن الذي تريده هو ان يحارب الحلف الدولي داعش والنظام السوري ( الذي يتحالف معه الاكراد ) وذلك باقامة منطقة عازلة على طول حدودها مع سوريا بعمق 30 كم ومناطق حظر طيران ، حيث سيكون لمقاتلي المعارضة السورية الموالين لها اليد الطولى فيها تمكنهم من العمل من مناطق امنة ضد الدولة السورية . وفي نفس الوقت ستقضي هذه المناطق على حرية عمل الاحزاب الكردية داخل سوريا وقطع تماسها مع مناطق نفوذها في تركيا ….فكيف السبيل الى ذلك ، واميركا اعلنت ان ليس لها مخططات في الوقت الحاضر للمناطق العازلة حيث الجهد مركز الان ضد داعش …امام تركيا خيارات :

1. فهي ان تدخلت ( وهذا ماحسبت حسابه مسبقا واخذت تفويض البرلمان بدخول الجيش الى سوريا والعراق ) بدون موافقة اميركا والناتو ستواجه بمقاومة الاكراد وداعش ، وقد عرضّها دخولها الى شمال العراق في عام 2008 الى خسائر فادحة أرغمها على اجراء مفاوضات سرية مع حزب العمال الكردي في النرويج والانسحاب بسرعة من العراق ….كما ستتعرض الى ادانة سورية وايرانية وروسية ( مع مايعنيه ذلك من جر تركيا الى المستنقع السوري فغالبا مايكون الدخول سهلا ولكن الخروج دونه مشاق كبرى ) .

2. ان اجبرت اميركا والغرب على مساندتها في سعيها لاقامة المناطق العازلة من خلال عدم تحركها في وقت تزداد فيه المطالبات الدولية بعمل لمساندة الاكراد المحاصرين في كوباني ، فان المنطقة العازلة داخل سوريا بحاجة الى ارادة دولية وقرار من مجلس الامن …وعندها سيكون الفيتو الروسي – الصيني حاضرا لاجهاضه ….لذا فان موقف الانتظار وقتل الوقت لحين حسم معركة كوباني هو الستراتيجية الامثل لتركيا الا اذا وافق حلف الناتو على عمل منفرد في سوريا خارج اطار المنظمة الدولية وهو الامر المرجح وحينها ستكون تركيا قد حققت ماتريده لانها لا تريد الذهاب الى سوريا منفردة وانما بغطاء واسناد دولي .

افاق المستقبل

تقدّر مصادر الاكراد عدد مقاتلي داعش المهاجمين بـ 10000 عنصر ( قد يكون العدد مبالغ به والعدد الحقيقي نصفه ) فيما عدد المقاتلين الاكراد المتبقين داخل كوباني بـ 2000 ، الا انهم يتحلون بميزة الدفاع داخل تحصينات المدينة وهم مصممون على خوض معركة شوارع طويلة اطلقوا عليها من الان اسم ( معركة القلعة ) ، خاصة وان المدينة خالية من كل المدنيين… وتستخدم داعش في هجومها الدبا بات والمدفعية التي استولت عليها من الجيش العراقي في الموصل ومن الاسلحة السورية بعد سيطرتها على اللواء 93 في تل ابيض والفرقة 17 في الرقة .

ان المعنويات والحصار الذي تفرضه داعش من الجنوب والشرق والغرب منذ سنة، واقفال تركيا للحدود من الشمال، منع الاسناد عن الاكراد ، ويعتبر سقوط المدينة امرا مفروغا منه ، ولكانت قد سقطت من ايام لولا ان غارات التحالف ضد قوات داعش التي دخلت المدينة وعلى خطوط امدادها من الرقة وجرابلس وتل ابيض قد اخرت دخول داعش الى وسط المدينة .

فك الحصار عن المقاتلين الاكراد ممكن فقط عبر منفذين :

الاول عبر تركيا ، وهو الان مقفل وقد يفتح اذا حدثت صفقة بين اميركا وحلفائها مع تركيا يتم من خلالها ادخال المساعدات والمقاتلين او بواسطة التدخل العسكري التركي المباشر . واذا طال حصار داعش ولم تحقق اقتحام المدينة بسرعة فان هذا السيناريو هو المرجح الذي تعمل عليه اميركا على ان يتم تنفيذ باقي الخطة التركية في المناطق العازلة فيما بعد .

اما المنفذ الثاني فيتمثل في فتح ممر من تل ابيض شرقا الى رأس العين ، وهو أمر قد يثير حربا كردية – عربية لانه يعني الاصطدام بالعشائر العربية التي تمثل الاغلبية في هذه المنطقة .

وهكذا نرى ان معركة عين العرب ( كوباني )لم تعد معركة اخرى من اجل مدينة صغيرة ، بل هي معركة ستراتيجية بامتياز ستعّقد الموقف الستراتيجي في المنطقة وتعيد تحريك الموقف في سوريا وتفتح الابواب لتغييرات ديناميكية سيكون لارتداداتها تأثيرات كبرى تمتد من العراق الى سوريا الى تركيا الى ايران وروسيا والناتو وتعيد ترتيب الاوراق او خلطها من جديد .