23 ديسمبر، 2024 10:51 ص

أغاني ام كلثوم،،المعَتّقة

أغاني ام كلثوم،،المعَتّقة

ذلك الرسوخ في الاذهان والذاكرة والذائقة شعرا ولحنا ونغما وصوتا، هذه القلائد التي صُرف على كل واحدة منها جهدٌ وزمن ومواهب متلاقحة ، كيف اجتمعوا جميعهم لاتدري ، ولماذا،،؟ لاتفهم !
نعم،،أغاني أمّ كلثوم ولانقول ام كلثوم ،،فعندما تسال احدا ، سمعتَ فيروز هذا الصباح ، ولن تسأله مرة اخرى اية اغنية ، او لمّا يخبرك عما سمع سيذكر اسم المطرب ، فسماع فيروز هو سماع فيروز بصوتها ثم بما معه. لكنك لاتقول دعنا نسمع او هل سمعت أم كلثوم ، بل تقول دعنا نسمع (الحب كله) ، او أسمعنا (فات الميعاد) ، او امس سهرنا على (حسيبك للزمن )، او يقول لك احدهم: هل تدري صادف في الراديو امس (الاطلال)؟! أو ان القناة التلفزيونية الفلانية عرضت (فكروني) او (أغدا القاك) ،ولا حاجة لذكر المطرب.
فام كلثوم اغاني ، وليس (مطربة) ، ام كلثوم جيل ، جماهير ، سهرات شهرزادية،، أغاني تُقلَّد ، اعمال تعاد كل جيل ، وتُجدَّد كلّ عصر ، واعمال يقاس عليها -في هذا الفن -المبدعون ويختبر بها المحترفون ويُمتحَن بها المطربون ، والحان يحلم ان ينالها الملحنون واشعار يتحسر على كتابة مثلها الموهوبون.
أغان ٍتعزف مرةً على كمان منفرد ومرة تغنيها طفلة ومرة تعزف على ناي، اغاني تُتّخذ للترديد دون موسيقى ودون مطرب مابين اصدقاء جلسة السمر .
اذا ادّعى رجل دراية عزف العود قيل له أسمعنا شيئا لام كلثوم ،،اي (اغانيها) ، لان معرفتها-في بابها- من البديهيات واتقانها من الضروريات ، فهل تَقْبل من شاعر عربي انه لايعرف المعلقات !
أغاني لها ذكريات ، تدخل في تاريخ حياتك ، أغاني يُقتبس منها كلام الحب ومراسلات الغزل ، اغاني ام كلثوم (حياة) لاتُنسى وجيلٌ خالد ، كخلود الكتب العظيمة والمقالات البارزة ، رغم فرق الفائدة الذي لانغفله ، ولكن للمزاج والوجدان غذاء ايضا.!
انت تسمع الأغاني الاخرى للمطربين وتطرب وتمتع ولكنك تسمع اغاني ام كلثوم فتنسيك الكل ، فهي اغاني تنسخ ماقبلها ولاتقبل منافسا معها ، هل سمعتم بأحدٍ تجرّأ بالقول : انا عملت او ساعمل اغنية افضل من أغنية ام كلثوم ؟!
سيُصغّر من نفسه ويستهجنه الناس من اهل الفن والذوق ، لماذا ،،؟ انا اقول لك لماذا ، لان هذا مستحيل وغير ممكن ، فيمكن لك ان تعمل لحنا جميلا وممكن ان تكتب نصا غنائيا عاليا ويمكن ان يغنّيه صوت رائع ،! وهذا حدثَ ومازال . ولكن ان تاتي بكلام مثل ذاك وتجمعه بلحن كذاك ويعزفه موسيقيون كاؤلئك ويغنيه صوت كأم كلثوم ويسمعه جمهور في كل بلد عربي كجمهور أغانيها ،وبنفس الرقي؟ فهذا ضرب من خيال امكانية عودة الشعر العباسي في الجو البغدادي وفي خلافة الرشيد او المأمون واجتماع القمم في كل شيء ، تلك الحقبة .
فنقول أغاني ام كلثوم ، ولانقول ام كلثوم كقولنا صباح فخري او ناظم الغزالي او محمد عبد المطلب او وديع الصافي او ابو بكر سالم ، هؤلاء اصوات غنت بعذوبة واحتراف وحس حيثما وجدَت نصا او لحنا وافق مزاجها وخامتها فابدعت ، وكان يمكن ان يتبادل احدهم المواقع في الاغنية المعينة مع غيره ، وكان سيبرع بها الاخر ولم نكن سندري او نحس الفرق، أما في امرها فان هناك (اغاني صُنعت وصيغت ولُحِّنت) وصارت (عمل إبداعي) متكامل لم يعد يناسبه ان تغنيه الا ام كلثوم ، لذلك ملأ صوتُ هذا العمل وصداه الاصقاعَ في كل بلاد العرب.
ولأغانيها مستمعون مدمنون ينتظرون ، أعينهم على ساعة البث يترقّبون ، ومع رفاق ذوق يجتمعون ، فقد خصصت لها الإذاعاتُ اوقاتٍ لاتتغيّر ،ولم تترك أذهان منتظريها تجزع او تتحيّر .
وصارت أغاني ام كلثوم طقوسا كادَ يُنسى معها اسم ام كلثوم نفسها وصار كما في اللاوعي ، لا حاجة لذكره فهو مرتبط ذهنيا ،وجدانيا ، حسيا وذوقيا بتلك الاغاني، فلتوصيف الحب أغنية لاتنتهي ولاتمل ، وللسهر اغنية لاتُكرر ولايستعاض بغيرها عنها ، وللفراق اغنية لاتنسخ كلماتها ونغماتها ، وللذكريات اغنية تعيدك اليها وللماضي اغنية تاخذك اليه ، وللروح وحديثها أغنية، وللثورة اغنية تغليها وتمجّدها وللوطنية أغنية.
ثمّ لمدح النبيّ العظيم اغنية تُغنِيك ، وللحج أغنية تطوف بك فيه خيالا وتُبكيك ، بل ولقدوم العيد أغنية تُبهجكَ وتهنّيك.
31 تموز 2020 ، عيد الاضحى المبارك