23 ديسمبر، 2024 12:28 ص

أعيدوا لي قلمي الرصاص فقد احتجته

أعيدوا لي قلمي الرصاص فقد احتجته

عندما كنت في الصف الأول الابتدائي تشوهت صورتك لدي، كانوا يسمونك الماكر، بعد حادثة المول شعرت بظلامتك انت تسرق دجاجة واحده تسد بها رمقك من الجوع القاسي والمرهق لبطنك، أما غيرك فهم اكثر نهما وشهيتهم مفتوحة وانت تعديت على حقوق فقير واحد وضرره محدود وغيرك أدى فساده الى تراجع أمة باكملها فقد تفشت البطالة وزادت الأمية وهدد السلم المجتمعي، انت سرقت دجاجة واحدة وانت اعزل بلا سلاح سوى نابين حباك الله بهما، وغيرك محمي بمليشيات مسلحة وحصانة برلمانية وأعراف دبلوماسية ودولية، في اليوم الذي تسرق فيه دجاجتي اترحم على والديك الثعلبين الجملين لانهما علماك القناعة في السرقة!
اليوم حنت أناملي لقلمي الرصاص، كانت فيه خاصية ليت القدرأسعفني بمثلها في الحياة، فكنت أكتب فيه بطرف وأمحو ما أريد أن أصححه بطرفه الثاني، ولو كان عندي اليوم لمحوت نعتك في القراءة الخلدونية ولربما في كتاب كليلة ودمنة، ففي اللغة العربية مترادفات عدة تصف السرقة مثل الأختلاس والنشل والسلب والغصب وجحد الأمانة وغيرها، وبصراحة لم تعجبني جميعها، لأني لم أجد مفردة تصف الذي يسرق وهو لايجد ما يشتري به طعامه ويأخذ ما يأكله فقط، فكيف اساوي بينه وبين من سرق رواتب وارزاق الحشد الشعبي.
عندما كنا صغارا كنا نجيد اللعب وكنت حاضرا في إحداها، كنا نجلس حلقة دائرية ووجوهنا نحو مركزها ويمسك أحدنا بمنديل أو شاشية رأس أحدنا ثم يدور حول الحلقة وهو ينادي ( فات فات والثعلب سبع لفات) وبعدها يرميها خلف أحدنا ويركض مبتعداً عنه، وينبغي بمن ترك المنديل خلفه أن يلتقطه ويركض خلفه حتى يلحق به ويضربه بالمنديل أو الشاشية، وإذا لم يلحق به فسوف يجلس في محله وهكذا تستمر اللعبة في جو من المرح ورح الدعابة وبهجة الحياة, اليوم بدأت لعبة الكبار وهي غير تلك اللعبة الطفولية، فهي تبدأ كأي جريمة سرقة بالنصب وخيانة الأمانة والتدليس، والغش، والفجور والدعارة واختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر والتزوير، ثم تليها مرحلة التوظيف لهذه الأموال، بأحدى شركات الصيرفة في سوق بيع العملة أو تحويلها إلى عملة أجنبية وإيداعها بأحد البنوك الأجنبية أو شراء عقارات، ثم تبدأ مرحلة إطفاء طابع الشرعية والقانونية عليها لكى تبدو وكأنها عوائد أو مكتسبات طبيعية لصفقات تجارية، وعند هذه المرحلة يصعب التميز بينها وبين الأموال المشروعة، إلا من خلال البحث والتقصي الجاد والأستعانة بخبرات دولية.
عندما كنت تسرق الدجاج كان عالمنا مخمليّ ، مزدان بقلوبٍ كالدُرر ، وأرواح باذِخة الطُهر.. عندما كبرت إكتشفت أن هذه الحياة ما هي إلا سراب نعم سراب لأنك كلما كبرت .. تكبر معك همومك و أحزانك.