خرجنا من عام 2011 كما لو اننا غادرنا حفلا صاخبا , فشمسه التي أشرقت على المنطقة الهادئة الآمنة غربت على عالم مضطرب ,ملؤه الضجيج والفوضى !!
حين دخل علينا 2011 هجم هجمة خاطفة وكان كمن استل سيفه من غمده ولسان حاله يقول ” أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها ” فقطف الكثير من أحلام البسطاء وجعل دولا كانت غارقة في فقرها تدخل في مشاكل عويصة لا أول لها ولا آخر لتزداد فقرا وبؤسا , ويكفي أن “الربيع العربي” , أكبر أبناء العام2011 النجب!! , كلف العرب 75مليار دولار كما كشف محمد التويجري الأمين العام المساعد للشئون الاقتصادية في جامعة الدول العربية، بسبب الاضطرابات السياسية التي حدثت بها , مؤكدا ” أن هذا الرقم مرشح للارتفاع خلال العام الجاري،في ظل تعطل المشاريع وانسحاب المستثمرين الأجانب والمحليين،وتزايد المظاهرات والاعتصامات” , وجعل دولا أخرى تدخل في مواجهات مع الغرب وجيوشه التي جيشها ليكون ضحيتها المواطن البسيط والبنى التحتية لتلك الدول ومؤسساته , وصارت الآثار نهبا للصوص , تباع في “سوق الحرامية” وأبواب التاريخ مخلّعة
ليدخل بيته كل من هب ودب في غفلة من عينه المغلقة بفعل قوة الأضواء الكاشفة !!
وصار كل يوم جمعة يوم استنفار عام في الكثير من المناطق التي تنطق بالضاد
واليوم حين نراجع شريط الأحداث التي مرت بنا خلال العام المنصرم ونبحث عن وصف مناسب له أجد أن أنسب وصف هو إنه عام الأوهام !
الأوهام التي انطلقت في الدائرة الكبرى التي هي المحيط العام , وانعكست على الدائرة الصغرى التي هي كل فرد منا , فما يحدث في العام ينعكس على الخاص , وصرنا كأفراد وجماعات أسرى لسلسلة من الأوهام التي بدأت مع هبوب نسائم “الربيع العربي” فقد توهمنا أن” الربيع “الذي انطلق مع دخان “محمد البوعزيزي” جاء ليضع نقطة على مرحلة في التاريخ العربي في لحظة مفصلية , ويبدأ سطرا جديدا مضيئا في حياتنا , ويجّمل الواقع فرحبنا بقدومه واستبشرنا خيرا وإذا به يحيل أخضر الحياة يابسا , دول عديدة أصبحت بعد حين بلا حكومات وظلت الى يومنا هذا وإن بدت تدار من قبل مجالس ووووو أمن المواطن في دول عديدة تراجع وتعطلت مؤسسات كثيرة ووزارات وجامعات ومدارس وصارت تلك الدول مثل سفن تسير في بحر متلاطم الأمواج ولاندري الى أين تسير! ومتى ترسو ؟فرحلة الأوهام مستمرة !
والأمر لم يكن مفاجئا لنا , حتى وإن نعتنا البعض بالسوداوية والتشاؤم , ذلك لأننا بعد كل ما مر بنا صرنا نستهدي بقول الشاعر الراحل أمل دنقل في نصه “كلمات سبارتاكوس الاخيرة قائد ثورة العبيد في روما”:
يا أخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الاسكندر الأكبر
لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر
…..
لاتحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت
قيصر جديد”
وهكذا صرنا نهرب من “قيصر” لنجد أنفسنا أمام “قياصر” وقد علمتنا تجربتنا في العراق الا نتفاءل كثيرا, وهذا لا يعني أن نهادن أو نستكين للعسف والتنكيل , لكن الا نثق ب”الآخر” , فله نواياه وأجنداته وأهدافه , فلم يجيش جيوشه لسواد أعيننا !
واليوم ونحن نلج بوابة عام جديد علينا أن نواصل حلمنا ب” عالم سعيد” وجميل , وأن نسعى لتحقيق أحلامنا ونغادر منطقة الأوهام , تلك التي وجدنا أقدامنا غاطسة في بركها , فكلما فكرنا بواقعية ,تراجعت مساحة الأوهام في حياتنا وتفكيرنا , فلكليوم منطقه الذي تفرضه أحداثه , ومتغيراته , فلنجعل تلك المتغيرات تصب لصالحنا اذا أردنا أن نفكر بطريقة أكثر ايجابية.