ربما تعيش صاحية الجلالة هذه الايام عهد شيخوختها، بعد ان سخر البعض من تسميتها، وبدلا من ان يطلق عليها السلطة الرابعة، صار البعض يسميها تندرا الشرطة الرابعة، مع الإعتذار لهذه المنطقة وأهاليها الطيبين التي تجاور الشرطة الخامسة ببغداد!
ولو تطلعت فيمن يمتهنون السلطة الرابعة في عالم الصحف والفضائيات العراقية، لوجدت أن أغلب أعمدة الصحافة هم خارج هذه المنظومة، لأن الكثير من صحفيي الانترنيت والأكلات الجاهزة ممن لم تمكنهم الاقدار من صياغة جملة مفيدة ربما ، هم من سيطروا على هذه الامبراطورية بأساليب وأشكال غريبة من العلاقات غالبا ماتكون غير شريفة أو لنقل ببساطة بمراوغات غير نزيهة!!
وأغلب جهابذة الصحافة وكبار الكتاب والشعراء وفي مجالات الفن والابداع في مختلف ميادينه فضلوا الاعتكاف او ممارسة هذه المهنة عن بعد، حفاظا على بقية كرامتهم من الامتهان.
أعرف كتابا كبارا وصحفيين بارعين ممن يمتهنون الكلمة الشريفة المسبوكة المصقولة تركوا العمل في مؤسسات اعلامية كبيرة، بعد ان شعروا ان هناك صعاليكا من اصحاب العلاقات العامة،مع بنات الهوى وعلب الليل ، ليس لديهم اية خبرة تدير أغلب مؤسسات الاعلام وعالم الفضائيات على وجه التحديد!!
واذا ما وجدت بعض هذه الشخصيات التي كان لها الحضور والبريق اللامع في عالم الصحافة والتلفزيون ، فتراها تمارس عملها في بعض هذه المؤسسات من خلف الاضواء، ولا تشارك في الكتابة او اعداد الخطط والمناهج والتوجهات الاعلامية لأنه ليس هناك من يسمع لها او يقدر جهدها الثمين!!
واصبح الاعتكاف المهنة المفضلة لدى اغلب العاملين في الحقل الاعلامي الذي راح فيه كل من هب ودب ليؤسس له امبراطورية صحفية وهو لايفقه من عالم الصحافة شيئا، ويريد من خلاله ان يسلك عالم الشهرة والاضواء، بالمال الذي اغدغقته عليه الصدفة ، ولا أحد يعرف من أين أتى بهذا المال وهو الذي كان يطلب السيجارة من فلان وعلان، واحدهم يدفع له حتى اجرة الباص الذي يركبه لأنه ربما لايمتلك حتى دفع أجرة باص كانت لاتتعدى درهما او بضعة دنانير، اذا كان يريد ان يسافر الى خارج العراق على حساب بعض المتفضلين عليه!!
واحد هؤلاء الذين يمتلكون قناة تلفزيونية وسياسي معروف يترنح بين اليمين وبين الشمال ، ويوجه الاتهامات على بني جلدته ، ما زال ( مديونا ) بخمسة دنانير لسيارة مسكوفيج اشتراها في نهاية السبعينات من احد الزملاء المرموقين في عالم الصحافة وهو من محافظة بابل، ما زال الرجل يحتفظ بوصل مبلغ ( الدّين ) حتى الان!!
سبحان الله ، وفي عهد الديمقراطية الجديدة وفي عقدها الاخير، اصبح اصحاب الملايين ممن امتلكوا صحفا وفضائيات كثيرين، وياليت لو بقيوا في العراق يديرون مهمة السلطة الرابعة او عالم الصحافة، لكنهم فضلوا الاقامة في دول الجوار او في بلاد العام سام، وقد يزورون العراق بالسنة مرة واحدة، ان لم يكن مرة كل اربع سنوات !!
حتى الابتسامة فقدناها في العراق، لكن عالم السخرية والفكاهة انتشرت كثيرا..والسلطة الرابعة أحد هذه الواجهات التي نالت من ذلك الفن الرائع..حتى ان أحدهم أعد مشهدا تمثيليا يضحكني كثيرا ، لأنه وصف السلطة الرابعة بالشرطة الرابعة!!!
المصيبة ان صاحب هذه الوسيلة الاعلامية المرموقة لايعرف معنى السلطة الرابعة وعندما جاء احدهم الى جريدته قال له انا من السلطة الرابعة، فقال له من اين أنت؟ من الشرطة الرابعة، قال له بل من الشرطة الخامسة!!
ومع هذا فأن اصحاب ( الشرطة الرابعة ) هم من يتسيدون جمهوريات الصحافة في العراق، وتجد انهم قد اصبحوا من اصحاب الملايين ومن يكتنزون المال في البنوك الغربية وفي دول الجوار، أما اعمدة الصحافة وكبار مشايخها ومثقفيها الكبار فهم في حالة مزرية، والبعض منهم ربما ليس لديه القدرة على اقامة عيد ميلاد لاحد بناته او جلب هدية لها، لانه حرم من نعمة ان يكون له موردا في مهنة الشرطة الرابعة!!
والبعض من المؤسسات الاعلامية حرم منتسبيها منذ أشهر من رواتبهم ، لأن صاحب هذه الامبراطورية، لايريد ان يعطي حقوق موظفيهم من رواتبهم، تحت تبريرات شتى، اقل ما يقال عنها انها بسبب الموازنة!!
وفي هذه المؤسسات يطالب بعض الكتاب وهم من شخصيات صحفية مرموقة اكاديميا عن اجور مقالاتهم، وكأنه ينطبق عليهم القول: لقد أسمعت لو ناديت حيا..!!
والغرائب كثيرة ، وما يقال بين الاروقة عن أعمدة السلطة الرابعة وعمالقتها وممن اسهموا في بناء منظومتها ووضعوا أسسها وعاشوا بالحلال، هم الان من فضلوا الاعتكاف بعيدا عن الأضواء، لكي يحافظوا على بقية كرامتهم وسمعتهم الصحفية من الامتهان!!