18 ديسمبر، 2024 11:40 م

أعلانُ الغديرِ ومسرحُ التنصيب !

أعلانُ الغديرِ ومسرحُ التنصيب !

لعله سيُبدعُ أكثرَ مني مَنْ له مخيلةُ القاصِ أو المسرحي ، أو روادُ هذا المجال ، ولكنَّه قلمي الذي يتشرفُ بأنْ يخطَّ المناسبةَ ما يقرُّ نُبلهُ يومَ تُعرضُ الخطوطُ والصحائف  ..
وعليَّ نقلكم عِبرَ بثٍّ حيّ خيالي إلى مسرحِ الغديرِ ، وأدواتُ ذلك الزمانِ الذي كانتْ فضائياتهُ نوعاً أخرَ ..
المناسبةُ قد هُيئَ لها قبلَ فترةٍ من ذهابِ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يومَ أخبرَ عشاقهُ بأنَّ هذا الحجَُّ هو آخرُ حجٍ له في الدنيا وبعدها سيغيبُ هذا الجسدُ المباركُ والذي مُلأَ طعناتٍ وجراح  ..
مَنْ يتأخرُ ومحمدٌ أنفاسُ رئةِ المتنفسين الصعداء ، هُرعَ له من كلِّ مكانٍ يريدون نظرةَ وداعٍ تختمُ بها العيونُ جمالَ نظراتها  ..
قافلةٌ تشقُ الصحراءَ ، وأبلٌ تنوءُ بأحمالها ، مختلفةُ الثقلِ والسيرِ ..وقد تبعثرتْ في صحراءٍ طويلةٍ عريضة ، حتى أمتدَّ حبلُ مسيرها طولاً أستدعى بأنْ يرسل الخاتم المصطفى( صلى الله عليه وآله وسلم) وفداً للمقدمةِ ، وفترةَ أنتظارٍ يتكاملُ بها ممَنْ هم خلفُ ظهرِ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ..
لم يكنْ الوقتُ سهلاً ولا قصيراً ، والدهشةُ تلفُّ عيونَ من وصله الخبرُ لماذا وماذا حصل؟ ، ونحن نحاولُ الوصولَ فهل الرجوعُ للخلفِ أمرٌ ضروري ..؟
تجمعتْ الناسُ وكلٌّ في قلبه طمعٌ يعرفُ ماذا سيقولُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ أيُّ خبرٍ تحمله السماءُ لهم ..لكن الأستعدادات لم تكنْ كافيةً حتى يبدأ ذلك الأعلانُ العصموي والمهم ..
حتى يرى النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّ الحديثَ الأفقي مع الشخوصِ لا يفي غرضهُ الخطير ..فطلبَ من المؤمنين أنزال أقتابَ الأبلِ وصفها بعضها جنب بعض ، حتى تكونَ منبراً ومرقاتاً ترفعُ من سعةِ تأثير صوتُ التبليغ الذي يغلي بلاغهُ في قلب محمد الخاتم المصطفى( صلى الله عليه وآله وسلم)  ..
والدهشةُ تزدادُ والحيرةُ معها ، لِمَ كلُّ هذا التحضيرُ للخبر !؟وكلُّ هذا الوقتُ الطويل الذي لو كنا نسيرُ به كنا وصلنا مسافةً طويلة ..لكنَّ القضيةَ جبرائيلُ ورائها وصحفٌ تنتظرُ مَنْ يتلوها ليبلغها  ..
أكتملَ المنبرُ ومسكَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يدُ ” عليا ” تلكَ اليدُ التي كانتْ تشبعُ حرارتها الدافئة نفسُ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يشبكُ أصابعه بها بحنانٍ لا مثيلَ له قط ..كمَنْ يشبكُ يومَ المصيبةِ نفسه وقلبه الذي بقيَ وحيداـً ..
سارَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بخطواتٍ نحو المنبرِ والمسرحِ الذي كانتْ فكرة أعداده تُنبئُ عن الخبرِ المهم والطارىء  ..
وصلا إلى مكان الأعلانِ ألتفتَ النوران نحو الناسِ وكانتْ الهيبةُ سلطانٌ يحكي قدرَ خطرهما ..
فقالَ والأنفاس تتقطعُ من زفيرها ، فقال :أنّ جبرئيلَ نزلَ بأيةٍ وعليَّ تنفيذها وهي من أياتِ المفصلِ ومفترقِ الطرق .قال :قال الله تعالى  ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) !
أدواتٌ : جبرائيلُ ، قرارُ توقف ، صناعةُ منبرٍ ، تلاوةُ صحفٍ ، وفي مضمونها كلامٌ يحملُ خطرَ المضمون  ..
العربُ تعرفُ معنى الأية وتفاصيلُ تفسيرها ، ومع ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينَ ذلك ..فقالَ: ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا :بلى : فقالَ : فمَنْ كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه اللهم والِ مَنْ والاه وعادِ من عاداه وانصرْ مَنْ نصرهُ واخذلُ مَنْ خذلهُ وأجعلْ الحقَّ معه حيثُ دار ..
وهنا خبرٌ ليس من السهلِ هضمه فهو يكادُ يحولُ ملكُ محمد( صلى الله عليه وآله وسلم) بيدِّ عليّ عليه السلام ، بشهادةِ الأيةِ ” وأن لم تفعلْ فما بلغتَ رسالته ” والعقلُ العربي يفهمُ قيمةَ المفهومِ والمنطوق  ..
من هنا عرفَ القومُ لماذا هذا الأستعداد فالخبرُ ليس على قدرِ بسيط بلْ صعبٌ بالغُ الصعوبةِ  ..لكنّه الرسولُ المؤَيد والمسدَّد على خطِّ التبليغِ ألم يثلجُ اللهُ تبارك وتعالى فؤاده ُالطاهر ” واللهُ يعصمكَ من الناسِ ” لعلمه أنَّ الأمرَ يحتاجُ جبلاً من أنصافٍ يقفُ معه جبلُ أيمانٍ بمحمد وما ينطقُ به !إلى أن تمَّ مسرحُ الأعلانَ العصموي ، نقلتُه كلُ الكتب المعتبرةِ لدى الفريقين ..
و ما لبثَّ أنْ أنهى النبي محمد (ص) خُطبته حتى نزلت عليه من سورة المائدة في الآية ٣:((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا))
فنباركُ للأنسانيةِ عظيمَ هذا الأعلانُ الذي مثلَّ كلِّ كمالِ رقي النفسِ يومَ يحيطها قانون الرعاية الربانية  ..