23 ديسمبر، 2024 10:07 ص

أعلام الشعر الروسي

أعلام الشعر الروسي

أعلام الشعر الروسي بقلم نزار محمود كنعان
اسرع بالقول , ان كتاب د. نزار محمود كنعان الموسوم – ( أعلام الشعر الروسي ) , الصادر في موسكو عام 2021 ( والذي يقع في 437 صفحة من القطع المتوسط) – هو محاولة شجاعة جدا ومتميّزة جدا وبارزة جدا في هذا المجال بالنسبة لكل القراء العرب قاطبة, الذين يتابعون ( ويعشقون !) الشعر الروسي في عالمنا العربي الواسع , واسرع بالقول ايضا ,ان هذا الكتاب سيجد حتما مكانته اللائقة والجديرة به بين المصادر العربية الاخرى ( و ما اندرها مع الاسف ) في الشعر الروسي من حيث التعريف العلمي السليم و المتكامل بالشعراء وموقعهم ومكانتهم في تاريخ الادب الروسي ( وهذه مسألة في غاية الاهمية ) , وكذلك من حيث ترجمة نماذج (مختارة بدقة وبعناية) من قصائدهم عن الروسية الى العربية مباشرة , ومن الواضح ان اختيار تلك القصائد وترجمتها ( حسب اجتهاده الشخصي ) قام به فنان يمتلك عين خبير في الشعر الروسي وعاشق لهذا الشعر حتما . وأظن , ان هذا الجهد العلمي الكبير والاجتهاد الترجمي للدكتور نزار محمود كنعان يمكن ان يكون (كتابا منهجيا مساعدا) في اقسام اللغة الروسية وآدابها في جامعات عالمنا العربي كافة , كي يرجع اليه الطلبة العرب الذين يدرسون الشعر الروسي , وذلك من اجل تثبيت معرفتهم الصحيحة والدقيقة لهؤلاء الشعراء ومقارنة قصائدهم المترجمة مع النص الروسي , ومناقشتها تفصيلا وعمليا (اي دراسة الشعر الروسي وترجمته في المختبر!) , والوصول الى استنتاجات محددة بشأن ذلك , وكذلك يمكن لهذا المصدر المهم ان يكون (كتابا منهجيا مساعدا) في اقسام اللغة العربية وآدابها في الجامعات الروسية ايضا , كي يرجع اليه الطلبة الروس الذين يدرسون الترجمة الادبية من الروسية الى العربية وبالعكس , ليطلعوا على هذا الاجتهاد الترجمي الابداعي , الذي قدّمه لهم د. نزار محمود كنعان , هذا الاجتهاد الشخصي الذي يجسّد عصارة تجربته الفنّية الغنية وعمق معرفته بدقائق اللغتين العربية والروسية ومكامن الجماليات في ثنايا تلك اللغتين الجميلتين والعريقتين معا .
يتناول الجزء الاول من كتاب ( أعلام الشعر الروسي ) أبرز شعراء العصر الذهبي في مسيرة الادب الروسي , وهم – جوكوفسكي و بوشكين وليرمنتوف ونكراسوف وتيوتشيف وفيت . هذا الجزء وحده يتطلب من كل باحث يكتب عنه ان يتوقف عنده طويلا , اذ ان تلك الاسماء اصبحت الآن معروفة جدا في مجال الشعر العالمي وليس الروسي وحسب , ولهذا , فاننا لا نقدر في هذا العرض السريع ان نتكلم عنهم تفصيلا , ونكتفي بالاشارة الى تلك اللوحات التي رسمها د. كنعان بالكلمات الملوّنة لترجماته , فهل يمكن مثلا الا نلاحظ عند جوكوفسكي ( وهو الاب الروحي للرومانسية في الشعر الروسي ) هذه اللوحات المدهشة الجمال , والتي ترجمها لنا د. كنعان , مثل – ( جدول يتلوى فوق الرمال البيضاء ) , او – (…يتأرجح النسيم على صفحة الماء , /// وتتمايل الصفصافة الميساء !), او هذا المقطع من قصيدة (انشودة عربي على قبر حصانه) – ( …انه نائم ..في فراش من الرمال …دائمة الترحال ..) , أما بوشكين ( شمس الشعر الروسي ) , فنود ان نتوقف عند قصيدة ( الى تشادايف ) فقط , اذ انها قصيدة شهيرة ومترجمة عدة مرات الى العربية . لقد حاول د. كنعان ان يقدّم لنا اجتهاده الخاص بترجمته لتلك القصيدة , واستطاع فعلا ان يقدّمها باطار عربي شاعري جميل , انطلاقا من مفهوم- (الترجمة بتصرّف) , وهو اسلوب شائع استخدمه المترجمون العرب للشعر الاجنبي عموما , ويثير هذا الاسلوب نقاشات متنوعة جدا بين القراء , فمنهم من يؤيده ومنهم من يعارضه , أمّا أنا , فأقول لهما – ( … المجتهد اذا أصاب فله أجران , واذا أخطأ فله أجر واحد… ) . ولا يمكن لي الاستمرارهنا حتى في هذه التأملات السريعة , وهذا يعني ( فيما يعنيه ) عدم التوقف عند ليرمنتوف الرائع ( شاعر الحزن الجميل ) , ولا نكراسوف بمواقفه الفكرية الشجاعة , ولا توتشيف ( الذي كان تولستوي دائما يترنم بمقاطع من قصائده ) , ولا فيت , الذي قرأت باعجاب ترجمة د. كنعان لقصيدته الرائعة – (يا لها من سعادة انا وانت والليل …) , وتذكرت ردود الفعل (الشبابية!) لطلبتي في كلية اللغات بجامعة بغداد عندما كنّا نقرأ تلك القصيدة معا اثناء دراستنا للشعر الروسي…
الجزء الثاني في الكتاب أوسع من الجزء الاول, اذ انه يتحدث عن خمسة عشر شاعرا , ومن بينهم اسماء لامعة مثل بلوك وماياكوفسكي وباسترناك ويسينين وأخماتوفا وتسفيتايفا …ويتطلب حتى العرض السريع لهذا الجزء كتابات واسعة , والتوقف التفصيلي عند الاجتهادات الجديدة لترجمات قصائدهم كما جاءت في هذا الكتاب, ولكن العين بصيرة واليد قصيرة كما تعرف ايها الفنان التشكيلي والشاعر والكاتب والمترجم (والمتخصص في علوم الفلك والتصوير الفلكي!!!) د. نزار محمود كنعان …
كتاب ( أعلام الشعر الروسي ) – لوحة رشيقة وجميلة رسمها فنان موهوب اسمه نزار محمود كنعان , لوحة تحمل خصائصه واجتهاداته الذاتية طبعا, ولكن بفضل هذه اللوحة اصبح يسير جنبا لجنب مع رواد الترجمة العربية للشعر الروسي , اي مع حياة شرارة وحسب الشيخ جعفر وابراهيم استنبولي وايمن ابو الشعر وثائر زين الدين و برهان شاوي و..و..و..و..و..و..و..و…..