19 ديسمبر، 2024 12:45 ص

أعقلوها برأسه.. وأخرجوا منها صاغرين!

أعقلوها برأسه.. وأخرجوا منها صاغرين!

أسوأ ما يشجي الحياة، ويملأ الأفئدة ألماً، عندما تقطر القلوب وجعاً، وتشق الصدور سكاكين الحسرة وزفرة الندم، فترى مصيرك بيد تافه! أسكره الفساد حد الثمالة! لا هو من الرجولة شيء، ولا ممن يعي نفسه بأنه أمعة أحمق! تركته باغية المجتمع لقطة عارية، وحملته صدفة السياسة من مستنقع الدناءة، ليلف بخرقة التملق صغيراً، ويتجمل بقميص المسؤولية كبيراً، وربطة عنق يحسبها من مدلولات الثقافة في المجتمع!
رحم الله ” نبي الشعر” إذ يقول:
إنّــي نَـزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ عَـنِ – القِــرَى وَعَــنِ التـرْحالِ محْدُودُ
جودُ الرّجالِ من الأيدي وَجُـودُهُمُ – منَ اللّسانِ، فَلا كانوا وَلا الجُودُ
ما يَقبضُ المَوْتُ نَفساً من نفوسِهِمُ – إلاّ وَفـي يَـدِهِ مِـنْ نَـتْـنِـهَا عُــودُ
ولأنهم عبيدٌ لغير الله، طلبا لإرضاء أسيادهم، يتعبدون على دين ملوكهم! فحرموا من أدنى مستلزمات الحياة، ولعل الإستحمام من درن الفساد، معجزة لا يدركها إلا من له شأن عظيم، ولأن المثل ضُرب بنتانة العبيد، فحكاية الأبيات تصفهم! في حين أن نتانة أبدان العبيد من مشقة العمل، أجل وأرفع من قدر عروشهم، وعلى هذا أكمل “المتنبي” قائلاً:نَامَتْ نَـوَاطِيرُ مِصرٍ عَـنْ ثَعَالِبِها – فَـقَـدْ بَـشِـمْـنَ وَما تَـفـنى العَنَاقيدُالـعَـبْـدُ لَـيْـسَ لِـحُـرٍّ صَـالِـحٍ بـأخٍ – لَـوْ أنّـهُ فـي ثِـيَـابِ الحُـرّ مَوْلُودُ
لا تَـشْـتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ – إنّ الـعَـبـيـدَ لأنْـجَـاسٌ مَـنَـاكِــيـدُ
ما كان قاسياً في هجائهِ، إذ يرى تفكك الدولة العباسية بات وشيكاً! رغم ما عانته الأمة من ويلات دولتهم! إلا أن سقوطها، فتح مجالس السياسة لمن هب ودب! حتى لمن كان لا يقوى على رفع رأسه أمام الناس، تزاحمت على دكاكين السياسة الذكور والإناث! وغيبت رجال السياسة من “آهل البيت” بين طوامير “بني العباس” وزهد المجتمع بهم!.
(ما أشبه اليوم بالبارحة)،ما أشبه العباسيين بالبعث! تساقطت أركان دولة “الصداميين” وتزاحمت على العراق الأكف، كان للسياسة رجال “صدقوا على ما عاهدوا الشعب عليه في الجهاد” بأي صورة يتدافع على الحكم غيرهم؟! ومن كان ليعرف فلان؟ ومن كان يتصوره رئيساً للوزراء؟ ولطالما كان حلمه منصب قائممقام في مدينته! أليس الصدفة باغية؟ والعبيد تجملت بثياب سادتها؟لا نوبخ القدر فيما نحن فيه، بقدر ما نوبخ أنفسنا فيما صرنا عليه، صغيراً وكنت أسمع “العباسيين” بلسان صدام يلعنون آل “الحكيم”! كما فعلها أجدادهم بسب “علي”، ولطالما عرفت ويعرف الجميع، أن صدام كرسي فساد، ولأنه صراع الخير والشر، إذن “الحكيم” منبر إصلاح، فهل حفظنا أنفسنا بالحكيم؟ كما حفظ “أباذر” نفسه بعلي! أم طاشت ألسنتنا سهاماً تضربهم، كما ضُربت خيمة علي في صفين؟!.
وراء سياسيِ الصدفة، وزعماء الجهل، وأشباه الرجال، إنحرف المجتمع! كم يوسف غُيب؟ وكم بئر ألتهم يوسف؟! وكم من ذئب يتفرج من خارج الحدود ضاحكاً! يرى إصرار القوم على الذنب، واللائمة تُلقى عليه، وكأنه أخذ ريعه وتكفل نزعه، بلا مشقة أو تعب، وأيقن أن العراق بين فكي حزب حاكم! يخضم المال كنبتة الربيع! وبين عمامة تقلدها زعيم السذاجة!
أما وبعد إن تولوا عن الحق، فيا أسفي على العراق، ورقة ربيع يتقاذفونها بخريفهم! كلما تيبست وكادت أن تلامس الثرى لحداً، رفعها الحكيم بكفه! وأرجعها حدائق الحكومة، فمتى يعي المجتمع أن السياسة لا تدار بالعمامة الخاوية؟ ولا القميص المتمدن؟ إن لم تكن هناك (رؤية وروية, وتجربة)، فلا نتوقع نجاح للعملية السياسية، وأخيرا قالها الحكيم “كتلة وطنية,عابرة للطائفية” فعقلوها برأسه، وأخرجوا من السياسة صاغرين.