يقول الشيخ سبحاني:قد أدرج كُتاب السيرة والمؤرخون النص الكامل لهذا المعاهدة في كتبهم.
ونظراً لأهميتها الخاصة،ولأنها تعتبر مستنداً تاريخياً حياً،قوي الدلالة، ولكونها تكشف مدى التزام رسول الإسلام صلى الله عليه وآله بمبادئ الحرية والنظم والعدالة،ومبلغ مراعاته واحترامه لها في الحياة،ولأنها تكشف لنا كيفية أنها أوجدت جبهة متحدة قوية في وجه الحملات الخارجية،نذكر هنا نقاطها الحساسة، ونسجلها كواحدٍ من أكبر الأنتصارات السياسية،التي أحرزتها الحكومة الإسلامية الناشئة في العالم ذلك اليوم.
بسم الله الرحمن الرحيم:هذا كتاب من محمد النبّي صلى الله عليه وآله بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم،فلحق بهم،وجاهد معهم.
البند الأوّل بعض ما جاء فيه:
١-إنهم أمّة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم( أي على الحال جاء الإسلام وهم عليها)،يتعاقلون بينهم( أي يدفعون دية الدم)،وهم يفدون عانيهم( أسيرهم)بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
٢-وإنّ المؤمنين المتقين(يد واحدة) على من بغى منهم،أو أبتغى دسيسة (عظيمة)ظلمٍ أو إثمٍ أو عدوان أو فساد بين المؤمنين،وأنّ أيديهم عليه جميعاً ولو كان وَلدَ أحدهم.
٣-وإنّ سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل إلا على سواء وعدل بينهم(فلا يجوز لأحد أن ينفرد بعقد معاهدة صلحٍ مع أحدٍ من غير المسلمين إلا بموافقة المسلمين).
٤-وإنّه من أعتبط مؤمناً(أي قتل من المؤمنين مؤمنا بلا جناية منه توجب قتله)قتلاً عن بيّنة فإنّه قِوَدهُ(أي يقتل بقتله قصاصاً)إلاّ ان يرضى وليّ المقتول،وإنّ المؤمنين عليه كافة،ولا يحلّ لهم إلاّ قيام عليه.
٥-وإنّه لا يحلّ لمؤمن اقرّ بما في هذه الصحيفة،وآمن بالله واليوم الآخر،أن ينصر محدِثاً(صاحب بدعة)ولا يؤويه وأنه من نصرهُ،وآواه فعليهِ لعنة الله وغضبه يوم القيامة،ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
٧-وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده الى الله عز وجل والى محمد صلى الله عليه وآله.
البند الثاني بعض ما جاء فيه:
٨-وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين(ودفاعاً عن المدينة).
٩-وإنّ البّر دون الإثم(أي أن يغلب حسناتهم على سيئاتهم).
١٠-وإنّه لا يخرج منهم أحد(من هذه المعاهدة)إلا بإذن محمد صلى الله عليه وآله.
١١-وإنّه لا ينحجر على ثأر جرح(أي يضيع دم حتى الجرح)،وأن من فتك”بأحد” فبنفسه فتك،وأهل بيته إلاّ من ظلم(أي إلاّ إذا كان المفتوك به ظالماً).
١٢-وإنّ بينهم النصح والنصيحة(أي أن تكون العلاقات على هذا الأساس) والبر دون الإثم.
١٣-وإنّه لا تجار قريش ولا من نصرها.
البند الثالث بعض ما جاء فيه:
١٤-وإن بينهم(أي بين اليهود والمسلمين)النصر على من دهم يثرب(فعليهم معاً أن يدافعوا عن المدينة ضد المعتدين).
١٥-وإذا دعوا (أي دعي المسلمون اليهود)الى صلح يصالحونه، ويلبسونه،فإنهم يصالحونه ويلبسونه. وإنّهم اذا دعوا(أي إذا دعى اليهود المسلمين) الى مثل ذلك(الصلح)فإنه لهم على المؤمنين إلاّ من حارب الدين.
البند الرابع:
١٦-وإنّه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم.(فلا يمكن لأحد أن يتستر وراءه ليتخلص من العقاب إذا ارتكب خطيئة وجناية).
١٧-وإنّه من خرج(من المدينة)آمن،ومن قعد آمن بالمدينة إلاّ من ظلم أو أثم.
ثم ختمت هذه المعاهدة بالعبارة التالية:((وإن الله جارٍ لمن برّ واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله)).
إنّ هذه المعاهدة السياسية التاريخية التي أدرجنا هنا أهم مقاطعها تعدّ نموذجاً كاملاً لرعاية المسلمين،وحرصه على مبدأ حرية الفكر والأعتقاد،ومبدأ الرفاه الأجتماعي العام، وضرورة التعاون في الأمور العامة،بل وتوضح هذه المعاهدة-فوق كل ذلك-حدود صلاحيات واختيارات القائد،ومسؤولية كل الموقعين عليها،وعلى أمثالها.
سنأتي في الجزء الثالث،على محاولات وممارسات اليهود لإجهاض هذه المعاهدة،والتنصل منها،وهل نجحوا بذلك أم فشلوا؟