22 نوفمبر، 2024 9:50 م
Search
Close this search box.

أعصاب!

دائما ما نسمع بأن فلانا عصبي وسريع الغضب بل أنه كتلة من أعصاب يصعب التفاهم معه، والعصبية قد تظل في آحايين كثيرة ملازمة لصاحبها طيلة حياته ومماته، ولذا قيل في أمثالنا الشعبية( الطبع اللي بالبدن ميغيرة ألأ الجفن).
والعصبية طبيعة تدخل ضمن ما يكتسبه الأنسان من طبائع وصفات كثيرة من والديه جسدية كانت أم نفسية أم عقلية وحتى صحية، والبعض يرى العصبية بأنها مرض حالها حال الكثير من الأمراض، حتى أنها اكثر خطرا!
لكونها تورث لصاحبها الكثير من المصاعب والمهالك والمصائب وتوقعه في الكثير من المواقف المحرجة. ولكن دائما ما يكون الشخص العصبي طيبا في داخله وسرعان ما يندم على ما صدر منه من أنفعالات لحظة الغضب لذا يوصف العراقييون بالطيبة رغم سرعة غضبهم وعصبيتهم المفرطة.
والشخص العصبي طالما يضيع حقه حتى لو كان هو صاحب الحق، والعصبية هي نقيض الحلم ولذا يوصي الأمام علي (ع) في أحد أقواله على ضرورة التحلي بالحلم(أن لم تكن حليما فتحلم) أي تعلم الحلم.
ومن الطبيعي أن حياة الأنسان اليومية والبيئة التي يعيش بها والناس الذين يتعامل معهم والمجتمع بشكل عام له أثر كبير في جعل الشخص عصبي المزاج ثائرا حتى على أتفه الأسباب أو بالعكس من ذلك تجعل منه أنسانا هاديء الطباع
فمثلا لاتوجد مقارنة بين الشخص الدنماركي أو النرويجي أو السويدي وبين العراقي من ناحية الشخصية والطباع فأثر الحياة والبيئة يظهر واضحا على كلا الشخصيتين ، وكثير ما نسمع عبارة(هنيالة شكد بارد) بشيء من التعجب، وهي تأكيد على عصبية العراقيين، لكونها صفة تلازم غالبيتهم.
أما الشعوب في المجتمعات والدول الأوربية المتمدنة والمتحضرة نراهم هادئي الطباع والأعصاب لكون حياتهم أساسا هادئة وغير معقدة وأمور معيشتهم اليومية منظمة ومرتبة وتسير كالساعة كما يقال
فكل شيء يحيط بهم يتسم بالهدوء والأستقرار والسكينة والجمال من مساحات خضراء وحدائق غناء ومتنزهات جميلة ونافورات المياه وملاعب ونوادي ونظافة مستمرة فقد لا تجد حتى عود ثقاب أو عقب سيكارة مرمي على الأرض
أضافة الى البشر الذين تطفح وجوههم بالبشر والجمال واناقة الملبس ولا تفارق وجوههم الأبتسامة والأهم لا يوجد لديهم سياسيون وصحف وفضائيات تستفزهم وتثير أعصابهم كما موجود عندنا.
وكثير ما نسمع عبارة(يا اخي أتعوذ من الشيطان وأذكر الله وهدي أعصابك شوية) في الأسواق في الشارع في وسائط النقل
ولكن بربكم كيف تهدأ أعصابنا وكيف تهدأ نفوسنا وسط أنقطاع الماء والكهرباء في عز الصيف العراقي اللاهب أضافة الى فوضى الحياة وأضطرابها وصخبها منذ خروجنا من البيت لتبدأ فوضى الشارع وكراجات النقل وزعيق السواقين وهوستهم
أضافة الى مطبات الشوارع وكثرة الحفريات وزحام المرور وكثرة السيطرات غير المجدية ومنظر الأزبال المكدسة أينما ولينا وجوهنا وروائح المجاري الطافحة التي تزكم الأنوف وخاصة في هزيع الليل
ناهيك عن أجواء الرعب والخوف والقلق الذي صار جزء من حياتنا اليومية منذ الحرب العراقية الأيرانية في ثمانينات القرن الماضي اضافة الى العمليات الأرهابية المستمرة وتفجير السيارات المفخخة بين الحين والآخر ومشاهد الموت والجثث المتفحمة، وأخبار جبهات القتال في الفلوجة وباقي المنطقة الغربية.
أضافة الى أخبار الفضائيات المملة والمقرفة التي تزرع في نفوسنا اليأس والأحباط الخوف والترقب بأن قادم الأيام لا يحمل بشائر الخيرللعراق.
ومن الطبيعي أن الحكومة والسياسيين في أي بلد لهم دورهم الكبير والمؤثر في جعل حياة شعوبهم جحيما لا تطاق أو ربيعا دائما
وقد يتفق معي الغالبية العظمى من العراقيين أن حكومتنا و ساستنا هم أساس بلائنا وما نحن فيه من عيشة وحياة مضنية، فالحكومات وسياسيوا البلد هم الذين يصنعون الحياة الحلوة والسعيدة والمستقرة لشعوبهم
فلا تلوموا أنفسكم أن فقدتم أعصابكم في لحظة، ولا تلومونني أن فقدتها أنا أيضا في لحظة قهر وألم وأضطراب نفسي بسبب صخب الحياة اليومية التي نحياها والتي أعبرعنها في بعض الأحيان عند كتابتي لهذا المقال او غيره!.
فما مر بنا من ظروف سياسية وأمنية وأجتماعية وأقتصادية وحروب وحصار وما نمر به من وضع لا نحسد عليه وما ينتظرنا من مجهول في قادم الأيام قد يدفع
البعض منا الى الجنون هذا أذا ما دفعتنا الى الأنتحار للخلاص من هذه الحياة التعيسة!.
سأل احد الصحفيين امبراطور اليابان( أوكوهيتو يوهارا) عن سبب تقدم اليابان في هذا الوقت القصير فأجاب: لقد اتخذنا الكتاب صديقا بدلا من السلاح وجعلنا العلم والأخلاق قوتنا وسندنا وأعطينا المعلم راتب وزير وحصانة دبلوماسي وجلالة أمبراطور. واخيرا نقول: بهكذا سياسيين وبهذه العقول الجبارة والروح الوطنية تبنى الأمم والشعوب.

أحدث المقالات