تتباين الشعوب في نظرتها للفساد والمفسدين فبعض الدول تتميز بمنظومة اجتماعية فاعلة في مكافحة الفساد، فليس سهلاً أن يقوم شخص بمخالفة قوانين المرور وليس سهلا أن يرمي القمامة في غير محلها، كما أن المجتمع لن يتساهل مع اولئك الذين لا يحترمون البيئة ولا يحافظون على السلامة العامة، والفاسد فيهم غير محترم ونظرة المجتمع للأشخاص المتورطين في حالات فساد نظرة سلبية وتنخفض علاقات الأفراد معهم. في حين نظرة المجتمع العربي للحالات المشابهة فيها تقييم كبير وتشجيع، فالقاتل حين يخرج من السجن لشموله بعفوٍ أو لاكماله مدة محكوميته ترى الناس تتوافد عليه من كل صوب وحدب وكأنه حقق منجزاً كبيراً، والفاسد فيهم محترم وسيد قومه وله تأثير كبير في المجتمع الذي يعيش فيه، والناس تقدر فيه الأموال التي سرقها والبيت الذي يسكنه والسيارة التي يركبها والمشاريع التي يحصل عليها من جراء معاملاته المشبوهة وعلاقاته المتشعبة بمافيات المال والجريمة.
والتقديس والاحترام عندنا أنتقل للأشياء والأدوات فأغلى مضخات المياة تلك التي تسمى( حرامي) والسيارة الحرامي لنقل الاثاث هي الافضل بين نظيراتها والرجل الحرامي في مجتمعه مقدم على الآخرين وفي التاريخ القريب كان ( الحرامي) صفة تعبر عن الرجولة والشجاعة والمنزلة الرفيعة في المجتمع والمرأة التي يخطبها شيخ الحرامية هي اسعد حالاً من نظيراتها، وباتت اللصوصية من أهم موروثات الشعب العراقي وهي موضع فخر بين الناس.
وأصبح (للحرامية) أعراف وتقاليد باتت هي الفيصل الذي يقطع في المشكلات التي تحصل بينهم كما أنهم ينتقدون الحرامي الذي يخرج عن هذه التقاليد ويحملونه أقسى العقوبات المادية وهذه القيم المتوارثة هي محط فخر للكثير ممن لا يزال يمجد هذه الأفعال السيئة التي تعبر عن جهل مركب وأبتعاد عن الله سبحانه.
أن الشعب العراقي يتميز بمحاكاته لأفعال أهل السلطة فهو يقلدهم ويقتفي أثرهم في مخالفتهم للقانون وتجاوزهم على المال العام بل حتى القوانين التي تصدرها الحكومة فيها مخالفات واضحة للمنطق وتعمل على شرعنة الفساد والسرقة فعندما تعفو عن المزورين وسراق المال العام فهذ اشارة للآخرين بأن من يسرق يشمله العفو وعليه أن يستمر في فعله ولا سبيل لتقويض الفساد مادامت أعرافنا تحييّ اللصوص.