19 ديسمبر، 2024 2:11 ص

واحدة من روائع القصيد التي نسجت في وصف ماجرى في واقعة كربلاء الشهيرة التي قتل فيها سيد شباب الجنة الحسين بن علي وأهله، وبنو عمومته وأصحابه، وتصف حال شاب قريب للحسين أصر على نصرته، وقطعته سيوف الأعداء، وهو شاب كان مقبلا على الزواج، لكنه تلقى السهام بدلا من القبلات، ومطلعها:

يـمـه ذكـريـنـي مـن تـمـر زفـة شـباب

مـن الـعـرس مـحـروم … حـنتي دم المصاب

شــمــعـة شـبـابـي مـن يـطـفـوهـا

حـنـتـي دمـي والچـفـن ذاري الـتـراب

هناك طيفان من البشر عبر تاريخ البشر، طيف منتفع يبرر للحاكم فعله، ويشاركه فيه، وطيف معترض رافض متمرد باحث عن الخلاص وعن التغيير، فيصدمان في القول، وفي الفعل، فيتجاذبان رداء الحقيقة، ولابد أن يكون الحق مع أحدهما دون الآخر. فليس معقولا أن يتناجز إثنان بالسيف، وكلاهما على الحق.

مرت بالعراق نوائب ومحن، وكان الناس يعترضون على ظلم الحاكم وفساد الحاشية، وكان الحاكم يبرر، ويريد منهم أن يستسلموا ويطيعوا، ولايعترضوا على شيء لأن الحاكم يحكم بأمر الله، وهو رجل لايأتيه الباطل لامن بين يديه، ولامن خلفه، وهو يرى مالايراه الناس، وقد قالها الفرعون القديم لقومه: لاأريكم إلا ماأرى.

مثلما إعترض العراقيون على ظلم من سبق من الحكام هاهم يعترضون على فساد حكامهم في هذا الزمان، وهذا أمر ليس بالغريب، وإذا ماكان من حقيقة فهي إن الناس يعانون، وليسو مدعين، ولاباحثين عن مناصب ومراتب، وهم يتحدثون عن كرامة، وعن وطن ووجود ومستقبل، ولابد من رعاية مصالحهم وحمايتها من مؤسسات الدولة المسؤولة عن ذلك وفقا للقانون الدستوري والإنساني.

ماقدمته الناصرية من شهداء، وماسقط في النجف من نجوم، وفي مدن غيرها يشير الى إن الأمر ليس تحديا عابرا، بل هو رفض لواقع لايلائم حياة الناس وكرامتهم، وهم يريدون واقعا مختلفا يتطلعون من خلاله الى غد مشرق يستحقونه لأنهم أهل للغد، ولايتوسلون أحدا لذلك، بل هو حق، وعلى من يتصدى للمسؤولية أن يلبيه.

هولاء الشهداء هم الذين في الغالب لم يتزوجوا، ومازالت أمهاتهم يأملن بأن يكون ذلك كابوسا عابرا، وأن يحتفلن بهم في أعراس لاتنتهي، ولكن شاء قدر الناصرية أن يكون عرسها وحشيا تسيل فيه الدماء، وتذرف الدموع.

أحدث المقالات

أحدث المقالات