23 ديسمبر، 2024 6:35 ص

-1-

روى (ابن المزرع) عن خاله (الجاحظ) أنه قال :

” رأيتُ بالبصرة رجلاً يروح ويغدو في حوائج الناس ، فقلتُ له :

قد أتعبتَ بّدّنَكَ ،

وأَخْلقَتَ ثيابَك ،

وقَتَلتَ غَلامَكَ ،

فما لك راحةٌ ولا قرار ، فلو اقتصدتَ بعض الاقتصاد ،

قال :

سمعتُ تغريد الأطيار في الاسحار ، في أعالي الأشجار ، وسمعتُ محسنات القيان على الأوتار ، فما طربتُ طربي لنغمة شاكر أوليتُه معروفاً ، أو سعيتُ له في حاجة ” مروج الذهب /ج4/ص156

-2-

هناك نفوسٌ جُبلت على الكرم والأريحية ، واتخذت من الاحسان الى الناس ، ومن السعي في قضاء حوائجهم ، وما تُسدي اليهم من معروف، مساراً ثابتاً لها لاتحيد عنه ، لاتكل ولا تمل …، وتتحمل الأتعاب والأوصاب ….متلذذةً بصنيعَتِها ، مسرورةً بآثارها الايجابية ومردوداتها النفسية والاخلاقية والاجتماعية …

ان مَثَلَ تلكَ الذوات الطيّبة الصافية ، مَثْلُ الغيث ،يُحي الأرض بعد موتها. إنّ المساحات التي يحتلها المعروف من وجدان ذوي الحس الانساني العالي ، لكبيرةٌ وفسيحة للغاية .

وإنَّ كلمة شكر واحدة، يسمعها اولئك الناهضون الساعون لاسعاف حاجات الآخرين، كفيلة بايصالهم الى حالة الطرب والنشوة ..

ان كلمة الشكر تلك تفوق في تأثيرها ومفاعليها أعذب النغمات …

-3-

وللامام الصادق (عليه السلام) حكمة ذهبية تقول :

{ لايتم المعروف الاّ بثلاث خصال :

تعجيله

وتصغيره

وستره }

والروّاد – في مضامير البر والاحسان والمعروف، هم أشدّ الناس حرصا على اغتنام الفرص، والمبادرات للانجاز والحسم السريع …

وهم حين يُشكرَون على ما يفعلون ، يُصغّرون ما قدّموا ،فضلاً عن كونهم لايُذيعون بين النس أخبار ما قدّموه من خدمات وانجازات .

-4-

إنّ شكر المحُسن ليس (نافلةً) محمودةً فحسب ، بل يرقى الى مستوى (الفريضة) ومع ذلك فان الشكورين قليلون ..!!

-5-

انّ الذي يبخل بكلمة شكر، على من يُسدي اليه إحسانا ، انما يكشف عن لؤم فظيع ، وافلاس مريع …

وبالتالي فانه يضر نفسه ، ولا يضر من اصطنع اليه المعروف …

وما أروع المتنبي في قوله :

اذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَه

وإنْ أنتَ اكرمتَ اللئيمَ تمردا

وشتان بين الكريم واللئيم

فالكريم يشكر اليد ويحفظها ،

ويتحيّنُ الفرص للخروج من عهدة رد الجميل – كما يقولون –

أما اللئيم

فهو يجحدُها بَدلَ أنْ يشكرَها

وقد يتحيّن الفرص للردّ العكسي ..!!

ومن هنا جاء القول المأثور :

( اثق شرَّ مَنْ أحسنتَ اليه )

-6-

و(المنتخَبون) لتمثيل الشعب في مجلس النواب ، هم أولى الناس بتقديم الشكر ل(منتخِبيهم) من المواطنين، ولا يكون الشكر الاّ عبر التفاني في خدمتهم، والعمل الجاد الحثيث، من أجل تأمين الحياة الكريمة لهم عبر الوسائل المتاحة .

أما التسلق على أكتافهم للوصول، وتركهم بعد ذلك يعانون المواجع والفواجع فانه جحود وعقوق لايرضاه الدين ، ولا تستسيغه الأخلاق..

وهو حنث باليمين ، وتضييع لكلّ الموازين .

*[email protected]