-1-
روى (ابن المزرع) عن خاله (الجاحظ) أنه قال :
” رأيتُ بالبصرة رجلاً يروح ويغدو في حوائج الناس ، فقلتُ له :
قد أتعبتَ بّدّنَكَ ،
وأَخْلقَتَ ثيابَك ،
وقَتَلتَ غَلامَكَ ،
فما لك راحةٌ ولا قرار ، فلو اقتصدتَ بعض الاقتصاد ،
قال :
سمعتُ تغريد الأطيار في الاسحار ، في أعالي الأشجار ، وسمعتُ محسنات القيان على الأوتار ، فما طربتُ طربي لنغمة شاكر أوليتُه معروفاً ، أو سعيتُ له في حاجة ” مروج الذهب /ج4/ص156
-2-
هناك نفوسٌ جُبلت على الكرم والأريحية ، واتخذت من الاحسان الى الناس ، ومن السعي في قضاء حوائجهم ، وما تُسدي اليهم من معروف، مساراً ثابتاً لها لاتحيد عنه ، لاتكل ولا تمل …، وتتحمل الأتعاب والأوصاب ….متلذذةً بصنيعَتِها ، مسرورةً بآثارها الايجابية ومردوداتها النفسية والاخلاقية والاجتماعية …
ان مَثَلَ تلكَ الذوات الطيّبة الصافية ، مَثْلُ الغيث ،يُحي الأرض بعد موتها. إنّ المساحات التي يحتلها المعروف من وجدان ذوي الحس الانساني العالي ، لكبيرةٌ وفسيحة للغاية .
وإنَّ كلمة شكر واحدة، يسمعها اولئك الناهضون الساعون لاسعاف حاجات الآخرين، كفيلة بايصالهم الى حالة الطرب والنشوة ..
ان كلمة الشكر تلك تفوق في تأثيرها ومفاعليها أعذب النغمات …
-3-
وللامام الصادق (عليه السلام) حكمة ذهبية تقول :
{ لايتم المعروف الاّ بثلاث خصال :
تعجيله
وتصغيره
وستره }
والروّاد – في مضامير البر والاحسان والمعروف، هم أشدّ الناس حرصا على اغتنام الفرص، والمبادرات للانجاز والحسم السريع …
وهم حين يُشكرَون على ما يفعلون ، يُصغّرون ما قدّموا ،فضلاً عن كونهم لايُذيعون بين النس أخبار ما قدّموه من خدمات وانجازات .
-4-
إنّ شكر المحُسن ليس (نافلةً) محمودةً فحسب ، بل يرقى الى مستوى (الفريضة) ومع ذلك فان الشكورين قليلون ..!!
-5-
انّ الذي يبخل بكلمة شكر، على من يُسدي اليه إحسانا ، انما يكشف عن لؤم فظيع ، وافلاس مريع …
وبالتالي فانه يضر نفسه ، ولا يضر من اصطنع اليه المعروف …
وما أروع المتنبي في قوله :
اذا أنتَ أكرمتَ الكريمَ ملكتَه
وإنْ أنتَ اكرمتَ اللئيمَ تمردا
وشتان بين الكريم واللئيم
فالكريم يشكر اليد ويحفظها ،
ويتحيّنُ الفرص للخروج من عهدة رد الجميل – كما يقولون –
أما اللئيم
فهو يجحدُها بَدلَ أنْ يشكرَها
وقد يتحيّن الفرص للردّ العكسي ..!!
ومن هنا جاء القول المأثور :
( اثق شرَّ مَنْ أحسنتَ اليه )
-6-
و(المنتخَبون) لتمثيل الشعب في مجلس النواب ، هم أولى الناس بتقديم الشكر ل(منتخِبيهم) من المواطنين، ولا يكون الشكر الاّ عبر التفاني في خدمتهم، والعمل الجاد الحثيث، من أجل تأمين الحياة الكريمة لهم عبر الوسائل المتاحة .
أما التسلق على أكتافهم للوصول، وتركهم بعد ذلك يعانون المواجع والفواجع فانه جحود وعقوق لايرضاه الدين ، ولا تستسيغه الأخلاق..
وهو حنث باليمين ، وتضييع لكلّ الموازين .