23 ديسمبر، 2024 5:51 ص

أعدام النخيل في قلعة سكر

أعدام النخيل في قلعة سكر

في واحدة من تظاهرات الجماهير في عموم العراق رفعت الاف اللافتات وكتبت عليها عشرات المطالب ، لكن لافتة صغيرة استوقفتني وقد كُتبت على ورقة مقوى في تظاهرة لأهل قضاء قلعة سكر الكرام وتقول : أوقفوا تجريف قراركم بتجريف 3000 آلاف نخلة.

حزنت لقرار أعدام النخلة ، وجلست عند رصيف دمعتي أتذكر يوم استجرت بها لتحمي العراق ، والآن قائمقام قلعة سكر يريد إعدامها .

لم يعد لنا أن نسترجي الساسة . ولا قواد الشرطة والجيش ، وامراء المليشيات . لم يعد لنا أن نستعطف رجال المرور وجباة الضرائب وعدادي قوائم الهاتف والكهرباء . لم يعد مجديا ان تقف على باب الوزير وتقول : لله درك افعل بروح القسم وقد الرجال الى حلم الناس وامالهم . لم يعد مجديا ان تقف عند تكية المؤمن وترجوه ان يقوم من صلاة التذكر والتفكر ليحول خطاب الجمعة الى فعل يمنع الدمعة .

البلاد تضيع . البلاد تذهب للقدر الذي لا يحسب عقباه . البلاد تصير خرائط .

ولكي يبقى الامل علينا أن نلوذ بالنخلة . عمتنا مالكة اقدم فيء واشرف نسب حين كرمها الرسول بقوله الشريف : اكرموا عمتكم النخلة .

وها نحن نلوذ بكرمها لأنها تمثل ابد هذه البلاد ، فعلى سعفها تمرجحت الهة بابل وسومر واشور ، ومن رطبها اكل فقراء اور ونينوى وبابل حتى قبل ان يهزها حلم مريم لتولد لنا يسوع .

نخلة شبعاد واور نمو ونبوخذ نصر وسنحاريب . نخلة الحسين والمتنبي والجاحظ والسياب . نخلة العراق الذي ما غفى إلا حين تهدئ فيه اجفان النخل .

والان الاجفان بها قرار اعدامها ورماد الموت والتهجير وفوضى غياب الحلم.

 فما ملكنا غير فوضى المسير الى الديمقراطية ، وما ملكنا غير الهجرات والتخندق والقطع المبرمج والامان المفقود والسُحت الذي صار التفكير به بشراء عمارة في بيروت افضل الف مرة من تعبيد طريق في العمارة .

علينا أن نلوذ بها لتجمع الشمل . لتوحد فينا فكرة توحيد بدن لا تهديم وطن . أن نجعلها قصيدة لنسيان الهم وهجر التصريح والتذبيح والفتن .

فهي جديرة ان تكون وسيط المحبة لأنها تجمع في ذاكرتها فقر العراق وغناه ، شعره وهواه . تاريخه واحلامه .

هذه الشاخصة منذ الابد فوق تراب الوطن الواحد تنظر بعيون خضرة الحقول وخواطر المسافرين والعشاق شاهد عيان لمسيرة وطن منذ ان كتب اللوح اسم العراق وحتى السقوط المبرمج لدار السلام .وربما هي الكائن الحي الوحيد من فصيلة النبات من تملك مشاعر البكاء لتدمع وهي ترى الاديم الذي تنمو فوقه تسقيه دماء الشهداء المغدورين ونواح امهات يقفن بجزع على ابواب المشارح وثلاجات الطب العدلي وفي مبازل الري حيث يرمى المغدور غير مأسوف عليه .

طرق جديدة لحزن العراق يدفع النخل ليبكي من خلال رغبتهم بتجريفه وإعدامه . وهذا يدفعنا لنتساءل : ما الذي يحدث بالضبط ؟

هل العراق دون قدريته هذه بيديه طائعا ، ام ان الامر جيء به بإرادة خارجية .؟

هل الداخل كان من الطبيعي ان ينتهي الحال فيه هكذا .ام ان فلسفة جديدة للعنف عبرت الحدود وخلقت هكذا نمط من التعامل مع الانسان البريء .؟

الانسان الذي لم يفكر يوم ما ان يرى في التمذهب علامة فارقة وقدر لموته على اساس ما مدون في بطاقته الشخصية .

تبكي النخلة . ونبكي نحن .

ولأنها اقدم جسد على التراب العراقي تقول : احتموا بي خيمة للمصالحة فأنا عمتكم .