# مقدمة:
في خضمّ الصراعات المتشابكة التي عرفها العراق بعد عام 2003 ؛ فضلا عن الاحداث المؤلمة والمجازر البشعة والجرائم الدموية والمقابر الجماعية والاعدامات الاعتباطية والطائفية والقومية التي وقعت قبل عام 2003 … ؛ لم يعد مفهوم “العدو” محصوراً في صورة نمطية خارجية، بل أصبح العدو كامناً في الداخل، يتحرك تحت قناع الوحدة الوطنية، ويتنكر في هيئة الشريك السياسي، ويتغذى من ضعف الوعي الجمعي.
هذا “العدو الداخلي” لا ينتمي بالضرورة إلى جنسية مختلفة – وان كان البعض منهم من ذوي الاصول الاجنبية – ، بل ينتمي إلى مشروع معادٍ لجوهر الأمة العراقية، ويستخدم الطائفية والانفصال أداة لتفتيت الوطن، وزرع الفتنة، وهدم ما تبقى من ذاكرة وطنية مشتركة.
وقد شهدنا في التجربة العراقية الحديثة نماذج متكررة لانخداع الأغلبية الصامتة بمَن كانوا بالأمس رموزاً للبطش والاستبداد، فأعيد تدويرهم كقادة وزعماء وساسة ومسؤولين وموظفين ، لتتكرر المأساة تحت مسميات جديدة وعناوين مختلفة .
في زمن تشظّت فيه الهوية الوطنية ، وتكسّرت فيه مرايا الذاكرة الجمعية ، لم يعد العدو مجرد غريب خلف الحدود، بل صار يسكن معنا، يبتسم في وجوهنا، ويقتات على غفلتنا… ؛ إنه العدو الخفي، عدو الداخل، الذي يُصفّق لآلامنا ويُسدل ستائر التعمية على فواجعنا ولا يعترف بمقابرنا الجماعية … ؛ عدو لا يُرفع عليه السلاح، لأنه يرتدي الأقنعة الرافدينية ذاتها التي نلبسها ويحمل الجنسية العراقية .
# من لا يعرف عدوه، وقع في فخ الطمأنينة الزائفة:
يخبرنا الأثر الاسلامي : (أكملُ المؤمنين إيماناً أعرفُهم بأهلِ زمانه)… ؛ فما بالك بمن لا يعرف حتى من يسكن معه على الأرض ذاتها، ويأكل من مائدته، ويستظل بظله، لكنه في قلبه حقد دفين وسمّ زعاف؟!
المعرفة ليست ترفاً، بل هي حبل النجاة من السذاجة، وسبيل الخلاص من النكبات المتكررة التي تحلّ بالشعوب الغافلة والجماعات الساذجة والاقوام الجاهلة .
لكن أكثر ما يثير الرعب، هو أن يكون العدو على هيئة صديق او مواطن ، وأن يتحول جلد الذئب إلى فرو حمل… ؛ هنا تبدأ الكارثة، وهنا تُولد الخيانة.
# العدو الهجين والمجرم المهجَّن: الوجه المزيّف والخنجر المخبّأ في الخاصرة:
أعداء الأغلبية والامة العراقية ليسوا محض خصوم سياسيين أو منافسين على الحكم، بل هم نتاج مركّب لتاريخ من الحقد، والتربية على الكراهية، والتحزّب العنصري والطائفي الذي يرى في كل صوت وطنيّ خطراً، وفي كل مشروع وحدويّ عدواً.
إنهم خصوم لا يتورعون عن ارتكاب أية جريمة وبغض النظر عن فظاعتها وبشاعتها … ، وهم يتقنون فنّ التمويه والخداع ، و يعرفون من أين تُؤكل كتف الوطن ، ويزرعون الألغام في كل زاوية من جسده الطاهر .
العراقي الأصيل عندهم هدف دائم، مشروع قتل مؤجل، يسير في حقل ألغام لا نهاية له… ؛ فإن نجا من الأول، كان الثاني بانتظاره، وإن نجا من الثاني، قتله الثالث… .
# الوجوه المتعددة… والمؤامرة المستدامة:
كم مرة خدع العراقيون أنفسهم؟ كم مرة ظنّوا أن اللعنة انتهت؟ وكم مرة صدّقوا المجرم حين أقسم بالوطن وبالله وبالتراب؟
رجعوا إلى قتلتهم ذاتهم، استجاروا بذئاب الأمس، واستأنسوا بكواسر المقابر الجماعية… ؛ فهم نسوا – أو تناسوا – أن من شبّ على الدم، لا يرعوي عند قسم، ولا يُراعي عهداً.
وهكذا… عاد مجرمو المقابر ليرفعوا راية الطائفية ، لكنهم ارتدوا ثوب المدنية، وتحدثوا بلغة الحقوق، وهم في داخلهم لا يرون في الآخر سوى “غنيمة” جديدة.
# الإعلام المأجور وتزييف الوعي الجمعي:
لم يتوقف الأمر عند القتل والتفجير والتفخيخ والذبح والنفي والتهميش والاقصاء … ؛ بل امتدّ إلى الذاكرة العراقية ، إلى الحقيقة الواقعية الى التاريخ الوطني … ؛ فصار بعض أبناء الوطن أدوات بيد العدو، يُشككون في أصلهم، ويسخرون من مآسي أهلهم، ويدوسون على التاريخ كي يرضى عنهم “الجلاد الجديد”.
وما أشدّ خيانة القريب حين يتكلم بلسان عدوه، ويصفق للقاتل باسم التسامح!
الآلات الإعلامية الهجينة لا تقتل الجسد فقط، بل تقتل المعنى، وتُبدد الرواية، وتزرع الوهم وتُعمّق الاغتراب داخل الضحية ذاتها.
# سبايكر… درس لم يُفهم بعد:
سبايكر لم تكن مجزرة عسكرية فقط او جريمة ارهابية فحسب ، بل كانت درساً دامغاً في العمى الجمعي وتغييب الوعي الشعبي .
راح الالاف من شباب العراق، لا لأنهم أخطأوا الطريق، بل لأنهم وثقوا بالعدو، خلعوا عنهم الحذر، وأعطوا ظهورهم لمجرمي الأمس ؛ من بقايا الطغمة الصدامية والفئة الهجينة .
فكان الثمن حياتهم، ودموع أمهاتهم، والصفعة التي لم نتعلم منها شيئاً.
# العراق بين ذئاب الداخل وطيبة الأغلبية:
الخلل الأكبر أن بعض العراقيين لا يزالون يُنادون بالوحدة مع الذئاب الطائفية والضباع الاجرامية ، ويركضون خلف سراب المصالحة مع الكلاب المسعورة التي نهشت أطفالهم بالأمس.
يظنون أن ماء المستنقع يمكن أن يُغسل ويُشرب، وأن من تربّى على سمّ الكراهية يمكن أن يتحوّل إلى طائر سلام.
لكن الطينة الخبيثة لا تزهر، والشجرة الهجينة لا تُثمر إلا الخراب.
فالحقيقة التي يجب ان لا تغيب عن وعينا الجمعي وذاكرتنا الوطنية : لا سلام مع القتلة ولا مصالحة مع الارهاب , ولا حياة مع الطائفية , ولا مواطنة مع العنصرية المناطقية … .
فالمصالحة الوطنية الحقيقية تبدأ من الاعتراف بالجرم ثم انزال القصاص العادل بالمجرم ، لا من تلميع صورة المجرمين والجلادين وغض الطرف عن الذباحة والارهابيين .
ومن لا يعرف عدوه، لن ينجو من شره، بل سيكون ضحيته القادمة.
وكل من يمد يده إلى القاتل، عليه أن يتهيأ لقطعها يوماً ما…
الوطن لا يُبنى مع الكلاب التي نهشت لحمه، ولا مع الذئاب التي شربت من دمه…
بل يُبنى على وعيٍ جديد، وعلى حزم لا يعرف التردد، وعلى مبدأ صارم:(( اعرف عدوك… , وحاسب المجرم كي تنجو من الهلاك …)) .
لذا لا يمكن بناء عراق قوي من دون وعي حقيقي بالعدو الداخلي ومشروعه، ولا يمكن صناعة سلام حقيقي مع خصم يرفض وجودك أصلاً… ؛ إن ما يُطلب اليوم ليس شعارات وحدوية ساذجة، بل فرز دقيق بين الوطني والمندس، بين الشريك والصياد، بين المصلح والمتاجر, بين المجرم والبريء , بين الارهابي والمسالم , بين العميل والاصيل … ؛ ولا بد أن تتشكل لدى الامة ولاسيما الأغلبية العراقية مناعة فكرية ضد الخديعة والخيانة ، لأن من لا يعرف عدوه… يعانقه حتى يذبحه… ؛ لذلك يعمل مجرمو الطغمة الصدامية والفئة الهجينة وشراذم الطائفية على تجنيد أفراد أو جماعات من المحسوبين على الأغلبية العراقية ؛ اذ يُعاد تدويرهم من قبل الخصوم كأبواق لتبرير الجرائم السابقة والمجازر الارهابية التي حدثت بعد عام 2003 … ؛ وهؤلاء الانذال ( الدونية ) غالبًا ما يُستخدمون ضد مجتمعهم وابناء جلدتهم دون أن يعوا حجم التوظيف المنكوس الذي يقعون فيه وان كان الاكثر منهم يعي تلك الخيانة والعمالة وان رفعوا شعارات وطنية و قومية مزيفة .