23 ديسمبر، 2024 1:48 ص

إن الأمم حين ترتقي لابد لها من استعادة الوعي والهوية، والعمل الجماعي بأيدي ثابتة وفكر ينهض بالقيم الأصيلة لتكون سندا لأي حراك تما كما السياج الذي يحمي العابر على مضيق على جرف عبر وادٍ سحيق
نهضة الأمم ليست مفكرا واحدا أو رجلا واحدا أو أفق لا يتسع لمتغيرات وتطلعات الآخر قل أم كثر، بل هي ميكانيكية وفن ومهارة جمع التعدد وتحويل سلبيات الاختلاف إلى إيجابية القناعة والرضا.
أحبب لأخيك ما تحب لنفسك، والأخوة كلمة شاملة الإنسانية ولا تنحصر بأخوة الدم أو باخ من أمك وأبيك وإنما هي أخوة الكرامة الإنسانية.
مشروع نهضة الأمم إذن هو للامة والأمة تحمله وترعاه وتُبرز نخبه وتهيئ ظروف عطائهم وتحمي الأمة بعضها وتكمل النخب بعضها بهدف واضح ومسار مستقيم، مشروع النهضة مشروع امه كالنهر مصدره ينابيع فروافد فتكون مجتمعة نهرا وليس من نهر ينبثق نهرا، لكن الانجرافات هي من تغير اللون وتلوث النهر بعد أن كان أصله ذاك النبع النقي الرقراق.
لا يمكن لمجموعة عاملة أن تقوم بذاتها ولا لشخص واحد أن يدير أنشطة منظومة في مسار وإنما الجودة الكاملة لأي منظومة عندما يكون كل شخص مهم فيها، من هو يديرها ومن يفكر لها ومن يحرس باب بناية اتخذتها مقرا لها أو ينظف المخلفات ويهيئ ما يشرب أو يؤكل… والاهم هو أن يحس كل هؤلاء أن المنظومة لهم وانهم مسؤولون فخورون بدورهم فيها، وانهم يؤمنون بجهود بعضهم في نصرة قضيتهم مهما كانت بسيطة سواء منظمة مجتمع مدني أو مصنع ملابس أو حراك اقتصادي أو سياسي.
لو أخذنا معملا للنسيج، سنجد أن هنالك من هو في الواجهة كالإدارة مجلس الإدارة والمدير، هنالك المصممون للزخارف والألوان، وهنالك مهندسون يدققون في المعدات، وهنالك مراقبون يراقبون عمل العمال والآلات، وحتما هنالك حرس للمعمل وخدمات، الجودة الكاملة هي أن يكون من حق حتى الحارس أن ينبه إلى خلل في المنتج فيعاد إلى أن يتحقق منه، الجودة الكاملة أن يكون المعمل بتخطيط عال بحيث تأتي المواد لتدخل المصنع وتخرج المواد إلى الأسواق وقليل من هذا وذاك يبقى في المخازن بدون معرفة توجهه إلى أين كمادة خام أو مادة مصنعة موجهة لاحد منافذ البيع أو التصدير.
هذا النموذج هو نموذج منظومة اتبعته شركات مشهورة كتويوتا، ووصلت مرحلة كادت أن تستغني عن مساحات تخزين المدى الطويل وأضحى المنتج ما بين المصانع والشحن أو السوق، ومازالت الشركات الرصينة تعيد منتجاتها حتى ولو بيعت لتصحح أي خلل قد يكتشف في منتجاتها.
إن المحافظة على نقاء نهر النهضة كإطار جامع للروافد لابد أن يكون ضمن عملية وفكرة الجودة الكاملة لان الينابيع دوما صافية لكن لا تغير عكوره النهر إذا ما تعكر، وقد ينتهي نهر النهضة إن توقفت الينابيع أو لم تشحن بماء عذب وتلك من أسباب تخلف الأمم أو بقائها في حالة التخلف رغم وجود الطاقات.
الأنا والاستحواذ لا يدل على غباء وإنما على فقدان سيطرة المنظومة العقلية على غريزتي حب السيادة والتملك والنجاح هو بإدارة الطاقات وتصنيفها ومعرفة مسارات تؤدي إلى دروب النهضة فتتعاظم الحاجة إلى التخطيط والتنفيد والمتابعة المرافقة للتنفيد ثم تقييم ما بذل من جهد من اجل التهيؤ للتصحيح في موازنة قادمة ترتقي وتتجاوز الإخفاقات.
أما العشوائية والأنانية والنظر القصير فهو كمن ينسى أن يطعم الدجاجة التي تبيض ذهبا أو يذبحها متصورا انه سيأخذ البيض دفعة واحدة.
الأفكار والمنظومات عموما تبقى عائمة مالم تدعمها خطوات مدروسة وآليات محسوبة وبيئة تتقبلها وتعتبرها منها ونحن نرى أن كل منظومة ناجحة، هي التي روافدها في اطر صحيحة وتكون تلك الروافد بأناس تبذل جهدا وآخرين يفكرون فنظام المنظومة واحد سواء كان في المصانع أو التجارة أو السياسة أو كل نشاط بشري مخلص يؤدي إلى غاية كالنهضة فلا تنسب هذه الأمور إلى أشخاص وإنما تتحقق بالمجموع وتقتلها الأنا.
أنا الأفضل! ……حتى لو كنت الأفضل فلن تجعل منك(الأنا)أداة نهضة وإنما طريدا من جنة النجاح معرضا لعقوبة؛ وان الاستقامة بان تسال وتتفق على الفعل والنجاح عندها ليس بان هذا ما أريد ومن يشاء إن يتبعني، بل ماذا تريدون كي نتعاون على تحقيقه، فان الناس لا تقاد بالصدارة ورغبة البعض بها، لان القيادة ليست الصدارة وإنما هي فن جمع اكبر عدد من المشاركين لك في فاعلية النهضة فيكونون جزء من منظومة الجودة وليس من التحديات التي تعرقل أعمال النهضة والتقدم نحو الغاية بإعاقة هؤلاء الناس طريق الوصول إلى الأهداف المرحلية أو ترفض وجود المنظومة أصلا
خلاصة القول إن إدارة أي عمل ناجح هو أن يكون الجميع ناجحا في دوره فيه وليكف البعض عن تكبير الصغير فالمنتج لأي مصنع مثلا يشجعه الجمهور وليس براءة الاختراع التي يباهي بها البعض لأمر لم يخترعه أصلا.
إن صمت العالم ليس جهلا، وان توقفه عن مناقشة امر أو التسليم لمحدثه ليس عجزا، فرب مُتسائل مُستفهم هو اعلم ممن يُسأل أو يُستفهم منه.