لي صديق، يعاني منذ أربع سنين، وجعاً مزمناً في الرأس، وإن كان العراقيون في الغالب يشكون من وجع الرأس المزمن، حتى أدمنوا على المسكنات من ” الباراسيتامول، والبنادول” ونحوهما، بل يكاد لايخلو بيت، أو جيب، منهما، لكن حالة صديقي تتعقد وتسوء، برغم مواظبته على مراجعة الأطباء الإختصاصيين، في عياداتهم الخاصة، وتحمله نفقات العلاج المكلفة، وزحام المرضى على عيادة الطبيب، ومواعيده المتباعدة، ومع ذلك الألم مستمر، وأخذ ينتشر في أجزاء أخرى من الجسم، ومن المضحك المبكي، أن ما من طبيب نطاسي تطرح عليه إسمه، حتى يفاجئك بأنه زار عيادته، وأجرى تجاربه عليه، وكانت النتيجة ” الفشل” في التشخيص!!،
ولما تسأله عن طبيعة التجارب التي يجريها عليك؟، يجيبك بإبتسامة تخفي وراءها حزن عميق : يملأ ” الراجيته”، بالأدوية التي أشتريها من صيدلية محددة يطلبها مني، ويلزمني بالإتيان بها قبل تعاطيها، وليس ذلك حرصاً منه، كما تتصور، يقول صاحبي، لكن لضمان أنني اشتريتها من الصيدلية التي تتعامل مع الشركة الموزعة لهذه الأدوية، والتي للطبيب فيها ” حصة”، و ” نصيب”، ويؤكد لي، ان كلامه هذا لم يأت إعتباطاً، وانما عن تجربة مريرة مع الأطباء، بدأت مع إختصاصيي الباطنية، ثم تدرجت الى إختصاصيي الجملة العصبية، فإختصاصيي الغدة الدرقية، وأخيراً إختصاصيي الدجل والشعوذة الذين لاتقل ” كشفيتهم عن كشفية أي طبيب مختص، ولا عن عدد مراجعيه”.وأمام علامات التعجب التي بانت على وجهي، قال : مم العجب؟، من طبيب يصف لي حبوباً تبين في ما بعد أنها ” مخدرات”، لتسكين الألم، أم من طبيب يطعن بسابقه، وأظن أنه إكتشف سر الوجع، لأجد بعد ذلك أن الأمر مجرد تنافس غير شريف، برغم أن عيادته مزدحمة بالمرضى، لكن ” البحر يحب الزيادة” كما يقول المثل المصري، وما فعله معي، هو ذاته الذي يفعله فتاح الفال، لكن بوصفة طبية، وشهادات تزغلل العين، وتغطي عين الشمس، الا أن النتيجة واحدة : لو تصيب لو تخيب.
الغريب، أن الأطباء الذين واكب صديقي على مراجعتهم لم يكتفوا بالفحص السريري، بل أجروا كل الفحوصات المختبرية، والشعاعية، وأجهزة التصوير المقطعي، المعروفة بـ ” المفراس”، والسونار، وعلى نفقته الخاصة، لأن طوابير المراجعين في المستشفيات الحكومية طويلة على هذه الأجهزة، ولعل يموت أحدهم قبل أن يصله ” السره”، كما أن نتائجها غير موثوق بها، ومع ذلك لم يشخص أحدهم حالته، فيما هو أعلن إفلاسه الا من ” وجع الراس”.
الطريف في الحكاية، أن أحد هؤلاء الأطباء الإختصاصيين، والزميل في أكثر من جامعة ، أراد أن يهون عليه، فقال له : هذا ابتلاء وعليك أن تصبر لتؤجر، لكن هذه النصيحة الغالية لم تعفه من أجرة الفحص.