23 ديسمبر، 2024 3:13 م

كان بودي الكتابة عن الأطباء في منظمة بلا حدود , وهي منظمة طبية إنسانية دولية تقدم الرعاية الطبية عالية الجودة إلى الشعوب المتضررة من الأزمات بغض النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء السياسي. كل يوم، ويعمل فيها أكثر من 27 ألف متطوع ميداني في جميع أنحاء العالم لمساعدة الشعوب المتضررة من العنف أو الإهمال أو الأزمات، ويعود ذلك أساسا إلى النزاعات المسلحة أو الأوبئة أو سوء التغذية أو الحرمان من الرعاية الصحية أو الكوارث الطبيعية.

ولكن الضرورة هي التي اقتضت الكتابة عن بعض (ونشدد على كلمة البعض) من الأطباء وليس جميعهم بالطبع , ونتمنى أن يكون هذا البعض قليل وحالة غريبة وطارئة عن الأطباء ومهنة الطب لاسيما في بلدنا , المشهود له بكفاءة أطبائه وتفانيهم في تقديم أرقى الخدمات للجمهور في أوقات الحرب والسلم , ولمواقفهم المهنية المشرفة فقد بات البعض منهم هدفا للعمليات الإرهابية أو التهديد لإجبار من تبقى منهم على ترك المهنة والوطن ولكنهم رضوا بتقديم التضحيات وتحمل الخسائر لكي لايكون المواطن بدون طبيب .

إذن فالبعض الذي نعنيه هو من حول مهنة الطب خارج إطارها الإنساني ليحقق منها مكاسب مادية فحسب , ومثلهم تجدهم في المستشفيات الحكومية وبعض المؤسسات الصحية الأخرى , فيتعاملون بفوقية مع المرضى , وغالبا ما يتأخرون عن مواعيد الدوام ويجعلون المرضى يتكدسون بطوابير أمام غرفهم , وحين يدخل إليه يجد الطبيب لايرتدي الصدرية ولايمسك سماعة الفحص ويقيس الضغط والمريض واقفا دون أن يتكلف بإراحته على سرير الفحص ,ويسجل العلاج فورا دون تقصي أعراض المرض والتشخيص الدقيق .

وغالبا ماتكون أجهزة الفحص والتشخيص من السونار والايكو والدوبلير والمفراس وغيرها , التي وصلت لمستشفياتنا بأحدث التقنيات , مكرسة لمرضاه الذين يراجعوه في عيادته الخاصة , والأكثر من ذلك فان عددا من هؤلاء لديهم أشخاص يتحدثون مع المراجعين وينصحوهم بمراجعة الطبيب في عيادته الخاصة وأحيانا يوزعون عليهم الكارتات الشبيهة بتلك التي يوزعها المرشحون لانتخابات مجلس النواب , والعهدة على من نقل بعض مأساة الواقع , فان هناك عمليات في المستشفيات الحكومية يتم استيفاء أجورها في العيادات الخاصة لهؤلاء الأطباء .

أما في العيادات الخاصة , فان هناك أشكالا متعددة من اللعب على الحبال , فأجور الفحص لاحدود لها وقد وصلت لأكثر من 50 ألف دينار , ناهيك عن أجور تخطيط القلب أو السونار بأجهزة بالية وباتت وجوبية لكل مراجع , ويحكى إن هناك اتفاقات بين الأطباء والمختبرات وعيادات الأشعة والصيدليات , وأحيانا عندما تسمع بان الطبيب مسافر فانه تمتع بهدية من وكلاء شركات الأدوية لأنه قد وصف العدد المتفق عليه من علب الأدوية وكأنه نظام جديد للحوافز , وهذه الهدايا والسفرات أو النسب من المبيعات يتم تسديدها من جيوب الفقراء .

وقبل أيام , أخبرتني إحدى الأخوات بأنها راجعت طبيبا عديم الضمير فاخذ منها كشفية 50 ألف دينار ودفعت 10 آلاف دينار إكرامية للسكرتيرة , وقد أرسلها الطبيب لإجراء فحص السكر التراكمي لدى مختبر معتمد كوكيل للطبيب , وقد استوفى منها 150 ألف دينار كما أرسلها لإجراء فحص الهرمون فدفعت 200 ألف دينار وإجراء التصوير الشعاعي بكلفة 100 ألف دينار والسونار بكلفة 50 ألف دينار وأنفقت 560 ألف دينار , وقد بشرها الطبيب بأنها لاتعاني من شيء وربما هي حالة نفسية أو وهواس وصرف لها علاج كلفها 110 ألف دينار وبذلك صرفت 700الف دينار رغم إن راتبها الشهري لايتجاوز 450الف دينار.

لقد أودع هذا (البعض) ضمائرهم في جيوبهم , ونسوا أو تناسوا بأنهم درسوا ست سنوات في كليات الطب من موازنة الشعب , وحين درسوا الدبلوم العالي في باب المعظم أو الماجستير أو البورد العراقي هو أيضا من موازنة الشعب , وحين ذهبوا إلى بريطانيا اوامريكا أو غيرها لجلب التخصصات هي أيضا من موازنة الشعب , وكل مايدينون به من فضل هو حصولهم على معدلات عالية عند تخرجهم من الإعدادية , ولكن

الذنب لايقع عليهم فحسب, وإنما على الأجهزة المعنية في الدولة التي غيبت الرقابة عليهم والنقابة التي تسمح لمن يسيء لسمعتها والى المؤسسات الصحية التي ربما لاتدار بشكل كفء .

ومن المبتذل حقا , أن تتعرض أدوية المرضى الحكومية التي تصرف بالمجان إلى السرقات باتفاقات بين ( بعض ) الأطباء و( بعض ) الموظفين العاملين في الصيدليات من خلال غزو الأدوية والمستلزمات المهمة أو الثمينة منها بطريقة الإضافة على ( الباص ) بعد مغادرة المريض أو شراء بطاقات المراجعة من مسجلي التذاكر, وإدراج كل مالذ وطاب منها , وعندما يحتاجها المريض الحقيقي يوصفون له علاجا ويقولون اشتريه من الصيدلية الفلانية , والطامة الأكبر أنها ذات الأدوية المهربة من المستشفيات , ونكرر بان هذه الحالات موجودة ولكنها تشمل فقط الأطباء بدون ضمير .