23 ديسمبر، 2024 10:00 ص

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد( 9 )

أضواء على كتاب اﻹجتهاد والتقليد( 9 )

مسألة (2) عملُ العامّي بلا تقليد باطل، لا يجوز له الاجتزاء به، إلاّ أن يعلم بمطابقته للواقع أو لفتوى المجتهد الذي كان حجة عليه حال العمل، مع حصول نيّة القربة منه في ما كان العمل عبادياً.

————————————————————-

بعد أن عرفنا فيما سبق أن الأعم الأغلب من الأحكام الشرعية تحتاج في معرفتها إلى بلوغ رتبة الاجتهاد (عملية الاستنباط) وحيث أن التقليد مرتبط بالاجتهاد، بل يمكن القول أن التقليد متوقف على الاجتهاد، ولا تقليد من دون اجتهاد، ففي هذه المسألة بيانٌ للحكم الشرعي في حال العمل بدون تقليد من قِبَل العامّي. 
س/ ما المقصود بالعامّي؟ 
ج/ العامّي هو منْ لم يبلغ رتبة الاجتهاد، سواء كان مكلَّفاً أم لا, لإن مفهوم العامي يشمل الصبي المُميز والمكلّف على حدٍ سواء، فالمكلّف الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد هو عامّي، والصبي المُميز الذي لم يبلغ رتبة الاجتهاد هو عامّي أيضاً، وسيأتي في مسألة (8) بيان المُراد من الصبي المُميز. 
س/ ما المقصود من عمل العامّي في هذه المسألة؟ 
ج/ بعد أن عرفنا في مسألة(1) أن التقليد يكون في جميع العبادات والمعاملات وسائر الأفعال والتروك، وهذه الأمور الأربعة هي من مصاديق العمل، ولكن المُراد من العمل في هذه المسألة هو العبادات والمعاملات فقط؛ لأنها هي التي يصح أن نصفها بالصحّة والبطلان دون الأفعال والتروك. 
وللتوضيح: 
إن للعبادات نوعين من الأحكامِ، أحدهما تكليفي والآخر وضعي، فالصلوات الخمسة مثلاً (الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء) فإن حكمها التكليفي الذي تعلّق بها هو الوجوب، والحكم الآخر الذي تعلّق بها هو الصحّة، وهو حكم شرعي وضعي، فإنَّ إتيان الصلاة بأجزائها وشرائطها مع النيّة الخالصة من الرياء ؛يؤدي إلى الحكم بصحة الصلاة,فالعبادات تتعلق بها أحكام تكليفية وأحكام وضعية، وكذلك الأمر بالنسبة للمعاملات، فهي أيضاً لها أحكام تكليفية ووضعية, فعلى سبيل المثال النكاح، فإن النكاح قد تعلّق بهِ حكم الاستحباب، وهو حكم تكليفي ترخيصي، وكذلك قد تعلق بالنكاح حكمي الصحة والبطلان وهي أحكام شرعية وضعية …
إذن المراد من “العمل” في هذه المسألة هو خصوص العمل العبادي والمعاملاتي لأنهما يوصفان بالصحّة والبطلان دون غيرهما أعني الأفعال والتروك,وفي منطوق هذه المسألة عدة قرائن تدل على أن المراد من العمل هو خصوص العبادات والمعاملات وليس مطلق العمل الذي يشمل الأفعال والتروك والعبادات والمعاملات! 
وهذه القرائن هي:-
القرينة الأولى: كلمة البطلان فإنها قرينة متّصلة على أنَّ المُراد من عمل العامّي هو العبادة والمعاملة.
القرينة الثانية: عبارة ((لا يجوز له الاجتزاء به)) وهي من آثار الحكم الوضعي، بمعنى أنَّ ترتيب الأثر يكون في حال صحّة العمل دون بطلانه، فالصلاة الباطلة تكون سبباً لإعادتها في الوقت وقضائها في خارجه، وبطلان المعاملة معناه عدم انتقال الملكية أو المنفعة أو الحق بين الطرفين. 
والقرينة الثالثة: عبارة ((مع حصول نيّة القربة منه في ما كان العمل عبادياً)). فمن المعلوم أن العبادة تبطل في حال الإخلال بالنيّة دون المعاملة. وللحديث بقية إذا بقيت الحياة…