مسألة (2) عملُ العامّي بلا تقليد باطل، لا يجوز الاجتزاء به، إلاّ أن يعلم بمطابقته للواقع أو لفتوى المجتهد الذي كان حجة عليه حال العمل، مع حصول نيّة القربة منه في ما كان العمل عبادياً.
——————————————————————————-
س/ ما هو موضوع الحكم في هذه المسألة ومتعلقه؟
ج/ الموضوع هوالعامّي(من لم يبلغ رتبة الإجتهاد) سواء كان مكلفاً أو صبياً ؛ لأن الحكم الشرعي الوضعي شاملٌ لهما، على عكس الحكم التكليفي الإلزامي (الوجوب والحرمة) فهو في الأغلب يختص بالمكلّف دون الصبي.أمّا متعلّق الحكم فهو العمل (المعاملة أو العبادة) الذي لم يستند إلى التقليد، وسيأتي الحديث عن التقليد في مسألة(4) ، فصبراً جميلاً.
س/ متى يكون عمل العامّي بلا تقليد صحيحاً؟
ج/ ذكرتُ فيما سبق أن الحكم الثاني في هذه المسألة هو صحّة عمل العامّي إذاعلم بمطابقته للواقع أو الفتوى الحجّة.
أمّا الواقع فإن الاطلاع عليه يُغني الفرد (العامّي والمجتهد) عن التقليد والاجتهاد، وهذا يؤكّد أن الاجتهاد غايته هو الاقتراب من الواقع بأقصى درجة ممكنة؛ ومن هنا نفهم اشتراط الأعلمية في مرجع التقليد التي سيأتي التعرض لها في محله, فإن الاقتراب من الواقع كلما كان كبيراً، كانت الفتوى أعظم حجة، فكيف الأمر لو اطلع الشخص على الواقع؟!
، والمراد من علم الفرد بمطابقة عمله للواقع يعني الأحكام الشرعية الواقعية، وليست الأحكام الشرعية التي قامت عليها الحجّة ـ الاستنباط ـ وهذا العلم يكون سبباً لصحّة العمل.
أمّا العلم بمطابقة العمل لفتوى المجتهد الحجّة حال العمل فهو التقليد بعينه، وإن اختلف الفقهاء في تعريف التقليد!!، وسيأتي الحديث عنه مفصّلاً إن شاء الله في مسألة (4).س/ ما المُراد من العلم الذي دلَّ عليه فعل المضارع (يعلم)؟
ج/ قد وردت كلمة العلم في مسألة (1) وفي هذه المسألة أيضاً, والمُراد من العلم هنا وفي أغلب مسائل الرسالة العملية هو العلم العرفي وليس العلم الدقّي، والفقهاء يستعملون لفظ العلم ويريدون به القطع دون سواه من المراتب الأخرى. والقطع: هو الانكشاف التام الذي لا يشوبهُ شك، وهو حجّة عقلاً وشرعاً، بل ولا تحتاج حجيّته إلى اثبات استدلالي ـ برهاني ـ بل إن حجّية القطع ضرورية وبديهية وإلاّ لزم الدور.
س/ ما هي مراتب العلم العرفي؟
ج/ هناك مراتب للعلم العرفي نبدأ بها من الأعلى نزولاً إلى الأدنى:ـ
1ـ القطع أواليقين:ـ وهي أعلى المراتب، وهي التي يقصدها الفقهاء عندما يستعملون لفظ العلم أو مشتقاته، كعَلِمَ أو يعلمُ أو معلوم…الخ.
2ـ الاطمئنان:ـ وهي مرتبة أدنى من القطع، وهي درجة كبيرة من الرجحان مع احتمال ضئيل للطرف الآخر .
3ـ الوثوق:ـ وهي مرتبة أدنى من القطع والاطمئنان، يكون فيها الخبر راجحاً بدرجة حصول وثوق النفس. إن الظن الذي لا يصل إلى درجة الوثوق أو الاطمئنان يكون ظناً غير راجح أو ظناً غير معتبر.
وفي هذه المسألة أن مطابقة العمل بلا تقليد لابد أن تكون معلومة، يعني بدرجة كاملة؛ لأن لفظ العلم يستعمل ويُراد منه القطع، وهذا يؤكد ما قلناه أن نسبة مطابقة العمل هي نسبة ضئيلة، فالعامّي لابد أن يقطع بأن عمله مطابق للواقع أو الفتوى الحجة حال العمل. وهنا لابد من إلفات النظر إلى التقيّد بمدلول الألفاظ من حيث معناها الاصطلاحي، إن صحّة عمل العامّي الذي لم يستند به الى التقليد متوقفة على القطع بمطابقته للواقع أو الحجّة دون غيرها من مراتب العلم، وهذا على حدِّ منطوق المسألة ومفهومها، ما لم تأت مسألة أخرى توسّع من دائرة العلم، بحيث يشمل الاطمئنان والوثوق والبيّنة وغيرها مما هو محل الاعتبار شرعاً.
((مع حصول نيّة القربة منه في ما كان العمل عبادياً))
—————————————————-
إن الضمير هنا في شبه الجملة (منه) يعود إلى العامّي؛ يعني لابد أن يقترن مع العلم بمطابقة العمل حصول نيّة القربة ((يعني نيّة قربة إلى الله تعالى)) في حال العمل العبادي، لأن صحّة العبادة متوقفة على حصول العمل بأجزائه وشروطه المعتبرة ومقترناً بالنية الخالصة من الرياء.
*********************************
وللحديث بقية إذا بقيت الحياة…..