مسألة (2) عملُ العامّي بلا تقليد باطل، لا يجوز له الاجتزاء به، إلاّ أن يعلم بمطابقته للواقع أو لفتوى المجتهد الذي كان حجة عليه حال العمل، مع حصول نيّة القربة منه في ما كان العمل عبادياً.
((لا يجوز له الاجتزاء به))
————————–
هنا في هذه العبارة ضميران متصلان (لهُ) و(بهِ) فالضمير الأول في شبه الجملة (له) يعود على العامّي والضمير الثاني في شبه الجملة(به) يعود على العمل بلا تقليد.
والاجتزاء هنا بمعنى ترتيب الأثر على صحّة العمل، وحيث أن العمل باطلٌ فلا يجوز ترتيب الأثر عليه، سواء كان العمل عبادة أم معاملة، بقي الحديث عن مصطلح (لا يجوز)
س/ ما المُراد من عبارة (لا يجوز)؟
ج/ وبمناسبة هذا السؤال أود التعرض إلى مصطلحي الجواز وعدم الجواز، يعني يجوز ولا يجوز، ومن ثمَّ يتبين للقارئ الكريم وطالب العلم جواب هذا السؤال.
قد عرفنا فيما سبق الحكم الشرعي وأنواعه، أقصد التكليفي والوضعي. س/ ما هو الجواز؟ أو ما المُراد من كلمة يجوز، التي هي كثيراً ما نجدها في الرسائل العملية؟ج/ للجواز معنيان اصطلاحيان في الفقه:ـ المعنى الأول: الجواز بالمعنى الأخص والذي يشمل الحكم التكليفي الترخيصي (الاستحباب والإباحة والكراهة)، يعني الجواز الذي يقابل الوجوب،.
المعنى الثاني: الجواز بالمعنى الأعم، وهو أيضاً معنى اصطلاحي يستعمله الفقهاء، ويقصدون به ما يشمل (الوجوب والاستحباب والإباحة والكراهة) وحتى بعض الأحكام الوضعية كالصحّة والملّكية.
وبعد أن عرفنا الجواز يسهل علينا أن نعرف ما المُراد من عدم الجواز؟ إن عدم الجواز يشمل فعل الحرام وترك الواجب؛ فيصح أن نقول لا يجوز ترك الصلاة، ويصح أيضاً أن نقول لا يجوز شرب الخمر، وهذا هو المعنى الأخص لعدم الجواز. أمّا المعنى الأعم فهو يشمل ترك الواجب وفعل الحرام وبعض الأحكام الوضعية كالبطلان، وكثيراً ما يكون عدم الجواز بسبب أحكام وضعية، وخير مثال على ذلك هذهِ المسألة : قال قدس سره ((لا يجوز له الاجتزاء به)) لأن بطلان العمل ـ وهو حكم وضعي ـ سبباً لعدم جواز الاجتزاء، فالموضوع هو البطلان، والحكم هو عدم الجواز والاجتزاء بالعمل، وعدم الجواز هذا هو بطلان الملكية إذا كانت المعاملة بيعاً أو إجارة…الخ وهكذا. إمّا بالنسبة للعبادة فإن عدم الجواز يعني الإعادة والقضاء أو غيرها مما هو مفصّل في الرسالة العملية، وقبل الختام بخصوص الجواز وعدم الجواز لابد أن نستعرض محتملات هذين المصطلحين، وحيث أنهما يشملان الحكم التكليفي والوضعي، وحيث أن العمل العبادي والمعاملاتي يتعلق بهما نوعان من الحكم الشرعي هما التكليفي والوضعي؛ فيكون العمل بحسب المحتملات حاصل ضرب 2×2، يعني الجواز وعدم الجواز من جهة، والتكليفي والوضعي من جهةٍ أخرى، فيكون العمل (العبادة أو المعاملة) لا تخلوا من أربعة محتملات:ـ
1ـ يجوز تكليفاً ويجوز وضعاً.
—————————
يعني أن العمل يجوز من ناحية الحكم التكليفي، ويجوز من ناحية الحكم الوضعي، ومثال هذه الصورة صلاة الظهر، والوضوء، والصوم، فصلاة الظهر من ناحية تكليفية جائزة على نحو الوجوب العيني التعبدي النفسي التعييني، وكذلك تكون جائزة وضعاً من ناحية صحتها في حال القيام بأجزائها وشرائطها مع حصول النيّة معها. وعلى هذا المنوال بالنسبة للكثير من الأمثلة.2ـ يجوز تكليفاً ولا يجوز وضعاً.
——————————
مثال ذلك: الأعمال السفهية مثل ممارسة الرياضة فهي مباحة، يعني جائزة، ولكنها غير جائزة وضعاً؛ بمعنى بطلان أخذ الأجرة عليها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى عروض السرك ومرقّص الأفاعي فإنها إذا لم يقترن بها محرّم جائزة تكليفاً وغير جائزة وضعاً؛ بمعنى بطلان المعاملة وأخذ الأجرة عليها. 3ـ لا يجوز تكليفاً ويجوز وضعاً.
——————————–
مثال ذلك: الظهار فهو لا يجوز تكليفاً على نحو الحرمة، ولكنه يجوز وضعاً بمعنى صحّته؛ فالزوجة تحرم على زوجها الذي ظاهرها. ولولا صحّة الظهار لما احتاج الزوج إلى كفّارة من أجل رفع الأثر الشرعي الوضعي الذي ترتب من جواز الظهار وضعاً. 4ـ لا يجوز تكليفاً ولا يجوز وضعاً.
———————————
مثاله: الزنا، فهو لا يجوز بالحكم التكليفي وهو الحرمة وتكون المعاملة على هذا الفعل كالإستئجار معاملة محرمة تكليفاً، وهي معاملة لا تجوز وضعاً بمعنى بطلانها.إن العمل بلا تقليد لا يجوز تكليفاً ولا يجوز وضعاً، أمّا من حيث عدم الجواز تكليفاً؛ لأن التقليد واجب على المكلّف العامّي. وأمّا عدم جوازه وضعاً؛ لأن العمل محكوم عليه بالبطلان كما نصّت عليه المسألة (2) ((عمل العامّي بلا تقليد باطل)). إن هذه المحتملات الأربعة منبسطة على كل أجزاء الرسالة العملية، بل هي مفيدة ونافعة لطلبة العلوم الدينية، وتساعد المدرس كثيراً في إنجاح الهدف التربوي؛ وهو التعليم، وتنمية الملكة.وللحديث بقية اذا بقيت الحياة….