لقد اعلن الاتفاق بين ايران والمجموعة 5 زائدا واحد مع التقدم الهائل في المفاهيم التي كان فيها اختلاف كبير بين الطرفين. وقد كانت المحادثات معقّدة الى الدرجة التي كان من المفروض ان يعلن فشلها يوم امس لولا الضغوط الاقليمية التي حالت دون ذلك. حيث الوضع السوري والضغط الروسي لاتمام صفقة الاتفاق والطموح الروسي المستمر والسياسة القوية والصريحة التي تعتمدها روسيا والرئيس بوتن بالذات. بالاضافة الى التدهور الامني في العراق والذي يشجّع على تخريب الوضع بقيادة سعودية (بندر بن سلطان تحديداً). لقد لعبت السعودية على وتر الرشى محاولة اغراء فرنسا بضغط اسرائيلي لوضع عصا في عجلة اتفاق مرتقب. ولكنّها فشلت لاسباب عديدة منها الاتفاق المبدئي بين روسيا والولايات المتحدة على الحفاظ على استقرار المنطقة ولو لفترة سنوات لانّ الارهاب ضرب الاستقرار بتشجيع السعودية والخط المتشدّد في نظام الحكم تحديداً. حيث ان العائلة الحاكمة في السعودية باقطاب شابّة تحاول تهدئة الوضع الذي اجّجه تيّار بندر ـ التكفيريين ـ تركيا ـ قطر. وبعد الهزائم التي مني بها التيّار في العديد من المواقع.
لقد كان المخاض الذي رافق العمل المضني متعبا الى الدرجة التي اثّر فيها على الوضع في المنطقة مباشرة حيث التفجير الذي ضرب السفارة الايرانية والذي تبنّته تيارات مدعومة من السعودية. والمحاولات المستمرة للضغط الميداني في سورية، وتوحيد بعض الفصائل الارهابية والتي تموّل من قبل السعودية(خمسة فصائل) وقطر(فصيل واحد). الا ان الاتفاق قد حصل للاسباب التي ذكرتها.
لقد شهد الاتفاق النووي اتفاقاً اخر غير ذلك، هو الرجوع الى التباحث في مسائل عديدة ليكون اتفاقا تأريخيا كما يسميه وزير خارجية روسيا السياسي البارع، سيرغيي لافروف. حيث ينصّ الاتفاق على ان هناك هدفاً لوضع حدّ للبرنامج النووي الايراني مقابل رفع جزئي للعقوبات الدولية والغربية على ايران. ويكون ضمن الاتفاق مراقبة دولية للنشاط النووي الايراني والزام الطرفين بالاتفاق. حيث يعتقد الكثير من المحللين ان هناك كبح لجماح البرنامج النووي الايراني(كما يصوّرون!)، ليشير الى بداية التقارب لتغيير قواعد اللعبة والتي يمكن ان تخفف من خطر نشوب حرب في منطقة الشرق الاوسط بشكل يكون خارج السيطرة للاعبين الاساسيين! كما يبيّن الاتفاق بداية انهاء الصراع والمواجهة المستمرة بين ايران والغرب والولايات المتحدة منذ عام 1979. حيث يلاحظ المرء ان الدول التي اتفقت، بيدها الكثير من الادوات التي تستطيع فيها الضغط على المنطقة (إيران والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والصين وروسيا)، والملفت هو الترحيب الذي لاقاه الاتفاق من قبل مرشد الثورة آية الله السيد علي خامنئي. بالاضافة الى تصريح الرئيس الامريكي اوباما على ان التوصل لهذا الاتفاق كان بعد ماراثون معقّد ومضني وكانت المباحثات مشحونة بالسياسة العميقة، بالرغم انّ (اسرائيل!) لا ترى تفاؤلاً في الامر ولاسباب معروفة. وينص الاتفاق على مايلي:
وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز %5 ( والمقصود ان لا تتمّ عملية التخصيب وفق الطموح الايراني الاخير الذي ارادت به الضغط على الدول الاخرى ليتمّ اتفاق ما، تنتزع به حقوقا لها، وهذا ماحصل بالفعل! حيث لم تكن عملية زيادة التخصيب طموحا واسعا لايران لانّها تعرف الصعوبة التي تؤدي بها الى خسارات كبيرة على النطاق السياسي والامني! في المنطقة وهي الطموحة الى حصولها على حقّ في فرض شروط على توجّهها الذي يتناسب مع حجمها السياسي والامني والاقتصادي كونها امّة لها هذا التأريخ المؤثّر والجغرافية المؤثّرة!).
التخلّص من كميات اليورانيوم التي تمّ تخصيبها بنسبة %20 بالمئة (وهي كميات قليلة جدا تعرفها روسيا بفعل المباحثات التي جرت في موسكو سابقا واعلمتها ايران بذلك، لانّ ايران لا تريد ان تخسر الحليف النووي الروسي الذي لا يوافق على التسابق النووي بالشكل الذي يصوّره الغرب عن ايران).
وقف التطوير المستمرّ للقدرات الايرانية لتخصيب اليورانيوم بنسب أعلى من %5.
وقف نشاطات مفاعل آراك، خاصّة فيما يتعلّق بعمليّة تخصيب البلوتونيوم.
الاكتفاء بمخزون اليورانيوم المخصّب بنسبة لا تتجاوز %3.5. كما ينصّ الاتفاق كذلك على السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش اليومي المستمرّ لمنشآت ايران النووية. وخاصّة اجهزة الطرد المركزي(حيث تتعلق هذه الاجهزة بعمليّة زيادة نسبة التخصيب لليورانيوم كلّما زيد في عدد هذه الاجهزة). في مقابل هذه النقاط المهمّة التي كانت لحساب الطرف الاخر، كانت هناك نقاط مهمّة في الاتفاق لصالح ايران، منها: ان تلتزم القوى الكبرى بتخفيف محدود ومؤقّت لنظام العقوبات على ايران والنظر في هذا النظام خلال الستة اشهر التي اقتضاها الاتفاق. تكون فيها الدول الكبرى ملزمة بعدم فرض عقوبات جديدة على ايران طالما التزمت هي بالاتفاق خلال هذه الفترة. وكذلك تعليق العمل بالعقوبات التي تتضمّن التعامل المتعلق بالذهب والمعادن وقطاع السيارات والبتروكيماويات التي تصدرها ايران والتي ستوفّر لايران مبالغ مهمّة لادامة اقتصادها وتشجيع زيادة قدرة العملة الايرانية والخزين المالي الايراني. وادامة الاصلاحات واعادة تأهيل خطوط الطيران الايرانية والتي ستجعل ايران في وضع جيد في الاتصالات بالعالم الخارجي. وقد تضمّن الاتفاق لايران الحق في تحويل اربعة مليارات ومئتي مليون دولار من صادرات النفط الايراني. بالاضافة الى اتفاقات جزئية اخرى تتعلق بديمومة الاتصال الايراني مع العالم الخارجي، خاصة فيما يتعلق بالمال والاقتصاد. كالتعامل مع البنوك العالمية، هذا التعامل سيوفّر لايران الكثير من الحركة في السيولة المالية لتنشيط اقتصادها.
وقد لوحظ انّ الاهمية تكمن في الثقة التي اوجدها الاتفاق لما بعد الاشهر الستة التي ستكون الاتفاقيات القادمة اكثر عمقا لتحقيق الاتفاق التاريخي الذي تسعى له روسيا والرئيس بوتن خاصّة للتفرغ للبناء في منطقة الشرق الاوسط الذي سعى اليه الرئيس بوتن نفسه لابقاء القنوات مع جميع الاطراف مفتوحة لتحقيق السلام في المنطقة(من وجهة نظره!)، وتطويق الارهاب المتنامي الذي استنزف الكثير من الدول والجيوش والممول من مشيخات النفط التي باتت في وضع لا تحسد عليه! لانغماسها في مشروع تدمير ممنهج لدول يطلق عليها دول الممناعة والمنطقة عموماً.
لا شكّ ان ايران نجحت في الحصول على شيء مهم وهو ورود النصّ بالاتفاق الذي يسمح لايران بالتخصيب على اراضيها ولا كما كان يراد ان تتم عملية التخصيب خارج الحدود كي يتسنّى السيطرة الكاملة على كمية التخصيب والى امور اخرى لا مجال لذكرها الان.
لقد حاولت الولايات المتحدة الضغط بشكل كبير خاصة في الاشهر الاخيرة كي تنتزع من ايران حق التخصيب على اراضيها لكنّها فشلت بعد ان سيطر على المنطقة الوضع الميداني الجديد والذي ساهم بشكل كبير على حصول الاتفاق.
بعد الاتفاق الجديد والذي سيكون نواة لاتفاقات اخرى وعلى كافّة المستويات، ماهو دور الدول المجاورة لدولة الاتفاق(ايران)؟
والجواب على ذلك: نقول انّ هذه الدول سعت بكافة قدراتها على الدخول الى حلبة النقاش الا انها قد ابعدت لانها لا مكان لها في ذلك الاتفاق! ومنها العراق والسعودية. حيث كان العراق بحكومته الحالية فاشلاً بشكل واضح في التأثير على الوضع (لا كما يزعم البعض العراقي في الحكومة انّه كان للعراق وزن في الدفع لانجاز مثل هذا الاتفاق من خلال تقريب وجهات النظر، وهو موضوع مثير للسخرية حقّاً!!)الا انه صار شائعا بين الارجل كالكرة التي تتلاعبها مجاميع اللاعبين والفضل يعود الى سياسة السيد المالكي ومجموعة مستشاريه! من صولات سياسية على المستوى الاقليمي ادى بالعراق الى ان يكون او ربّما سيكون لاعبا احتياطاً ان صحّ التعبير ولاعب قد اصيب بركبة لا يستطيع الا التفرّج على ما يحصل حوله!
لقد دعوت في اكثر من مناسبة الى عقد اتفاق او حلف او تشكيل منظمة تضمّ دول الاقليم من العراق وسوريا ومصر ولبنان والاردن وايران وتركيا والسعوديّة بالاضافة الى دول أخرى يمكن لها أن تستفيد من بعضها البعض لوضع خطة التغطية الكاملة لانتاج الطاقة الكهربائيّة، ومن هذا ينتقل العراق وتلك الدول الى التعاون للحفاظ على مصالحها بعيدا عن التوترات التي تخلق بسبب سياسات خاطئة من هنا او هناك. وحلّ مشكلة مهمة هي مشكلة الطاقة والمياه والموارد الطبيعية والتي تساهم في بناء واستمرار تلك الدول بعيدا عن التجاذبات العالمية التي باتت تسيطر على مقاليد الوضع في منطقتنا. وقد ذكرت مثالا على نسب الاحتياجات في دولة من تلك الدول(حيث تحتاج ايران مثلاً من الطاقة ما مقداره 75% من الطاقة الكهربائيّة التي تغطيها من توليد الغاز و18% من النفط بالاضافة الى 7% من الطاقة المائيّة لغاية عام 2006. وعدد نفوس البلد تبلغ 75 مليون وفق احصاء العام 2009). لذلك نلاحظ ان ايران تسعى الى بناء اقتصاد مهم لاجيالها القادمة ببناء مفاعلات مهمة لاغراض سلمية من انتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وغير ذلك وهي في تصورات البعض لا حاجة لها للطاقة النووية! بينما نلاحظها تسعى الى ذلك، للسبب الاقتصادي الذي ذكرته لا مجال لابعاده عن الاهداف الاقتصادية وان استفيد منه لاغراض اخرى. ونلاحظ ان الاتفاق الجديد سيساعد على بناء مفاعلات جديدة بقدرات بسيطة لانتاج يصل الى 1000 ميغاواط بعد عدّة اشهر. اما للدول الاخرى من قدرة على النهوض للحصول على الطاقة النووية للاغراض السلمية؟! علما انّ هذه الطاقة باتت مهمة بل لا تقل أهمية عن أي مهام اخرى، فلو تمّ تشكيل منظمة من تلك الدول بعد الدراسات الجدية، ما الذي تعتقد سيحصل اذا علمنا ان تلك الدول تعدّ من الدول التي لها وزن اقتصادي على المستوى العالمي برصيدها الطبيعي لا رصيدها السياسي الذي لم يعدّ يساوي شيئاً يذكر مع تلك الحكومات البائسة!