متوهم من يعتقد ان (داعش) قدر داهم لا يمكن تلافيه، وقوة لا يمكن دحرها، وكابوس اسود سيطال حياتنا بطولها. وخائب من يعتقد ان الشعب العراقي سيستسلم لهمجيته. ومخطئ من يظن ان الانكسار الذي حصل في الموصل ومدن الانبار وصلاح الدين سيستمر. فدرس استباحة الموصل اصبح مفهوما، والمزاعم القائلة ان ما حدث فيها يوم 10 حزيران كان “ثورة” قادها ثوار على الواقع الفاسد من اجل احقاق الحق، هذه المزاعم وغيرها التي تبناها البعض في الايام الاولى من اجتياح الموصل، دحضتها الممارسات اللاانسانية والظلامية التي اقدمت عليها (داعش) وما زالت، بعد ان كشرت عن انيابها واوغلت في القتل والسبي والنهب، والاعتداء على الحرمات، والتطاول على الخصوصيات، ومصادرة الحريات وسلب الحقوق.
قصير النظر من يقارن إمكان استباحة بغداد اليوم من قبل (داعش) بدخول قوات الاحتلال اليها دون مقاومة في نيسان 2003. آنذاك لم يستقبل الشعب العراقي القوات الغازية بالزهور، وفي الوقت عينه لم يذرف الدمع على رحيل الطاغية. اما اليوم، فبرغم كل التحفظات والاعتراضات على منهج الحكم المبني على المحاصصة الطائفية والاثنية، والذي انتج الفساد ووفر المناخ الملائم لقوى الارهاب، وفشل في بناء مؤسسات الدولة على اسس الديمقراطية، وغيّب مفهوم المواطنة، وضيّق بقوانينه وممارساته على القوى والشخصيات المدنية الديمقراطية، فان المعركة التي تفرضها (داعش) على الشعب العراقي بكافة اطيافه وطبقاته وشرائحه، هي معركة وجود، يخوضها من اجل حاضره ومستقبله، ضد التخلف والجهل والهمجية والظلام.
ان شعبنا العراقي قادر على إلحاق الهزيمة بتنظيم )داعش) ودحره وإبعاد شروره، عبر استنهاض الروح الايجابية عند العراقيين، وتفعيل مشاركتهم في هذه المعركة ضمن خطة وطنية، تشترك فيها جميع القوى السياسية المناهضة للارهاب، ومنظمات المجتمع المدني، وكل مواطن يتوق للعيش بسلام وكرامة في وطن آمن ومستقر.
لذلك ستبقى بغداد عصية على احلام الداعشيين المريضة. فأهلها بكل طبقاتهم الاجتماعية، لا سيما من الكادحين والعمال والفقراء، ومن المثقفين ومنتسبي القوى المدنية الديمقراطية، ورغم ما يعانونه من صنوف الاهمال والتهميش وحتى الاقصاء، عيونهم ساهرة وقلوبهم متحفزة لحماية بغداد وصون عزتها وحفظ كرامتها. اذ ليس هناك حياد في هذه المعركة.