ليس من محرك فكري وحياتي وأنساني ، كالخطاب الأسلامي ، ليس لدى المسلمين فقط بل لدى المجتمع بكل فئاته ، وذلك لأن للدين دورا محوريا وأساسيا في خلق وتنشئة شخصية الفرد ، وهذا الدور ينصب تأثيره بالمجمل في خلق ثقافة مجتمعية معينة ، ثقافة ذات طابع ديني محدد ، هذه الثقافة أساسها الكلمة ، والكلمة ممكن أن تكون زهرة وممكن أن تكون سيفا ، وممكن أن تكون مسكا وممكن أن تكون دما ، وهكذا فعل الخطاب الديني أيضا ، وبصدد الخطاب ، أيوجد خطابا دينيا متشددا أو متزمتا أو متطرفا / سمه ما شئت ، وخطابا دينيا أخر معتدلا أو وسطيا أو متسامحا ! ، هنا السؤال ! ، شخصيا أرى أن الخطاب الديني واحد ، لا يتجزأ ولا يتقسم ، وذلك لأن الأسلام بعقائده وأركانه ونصوصه ، أياتا وسننا وأحاديثا ، هي نفسها لا تتغير / أي ثابتة ، فهل بالأمكان تغيير الأيات ، كأية ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ / 29 سورة التوبة ) ، أو تغيير السنن في أتباع هدى الرسول ، مثلا ( وفي صحيح مسلم يقول النبي : ” فلا نجاح ولا فلاح ، ولا قبول ، ولا نجاة ، إلا باتباع النبي في كل صغير وكبير ودقيق وجليل . ) ، وهل ممكن تغيير أحاديث الرسول ، كقوله : ( لقد جئتكم بالذبح ) ، الجواب على كل ما سبق هو : لا ، أذن الخطاب الديني الأسلامي هو واحد أيضا .
أن القواعد والثوابت والعقائد والأركان واحدة في الأسلام لا تتغير ، أنما الذي يتغير هو طريقة توظيفها وتكييفها وتفعيلها بالخطاب ، وبنفس الاتجاه والنهج ، قال الراحل الدكتور علي المبروك : ( .. أنه لا يوجد ما يسمى بخطاب ديني متشدد وآخر معتدل ، فكان يعتبر ذلك خرافة وتزييف للحقيقة ، فالثوابت الأساسية التي يقوم عليها الخطابين واحدة ، والفرق بين الوجهين يكمن في أن أحدهما يصل إلى النهايات القصوى ، والآخر لا يصل إلى تلك النهايات ، لكن بذور التشدد والتطرف موجودة في الخطابين / نقل عن موقع البديل ) ، التساؤل الأخر ، هل من جدوى في تجديد الخطاب الديني ! وهل أن التجديد يأتي نتيجة أمر حكومي رئاسي مثلا ، كما يسعى رئيس مصر ، ” والذي لا يمكن أن يحدث خاصة بدولة مثل مصر ” / وذلك لوجود عقليات خرافية لشيوخ لا زالت تؤمن بأن الرسول محمد سيتزوج من مريم العذراء في الجنة (*) ، وكانت أخر مطالبة للرئيس المصري السيسي لتجديد الخطاب الديني في أحتفال المولد النبي : ( السبت 10 ديسمبر 2016 / .. وكثرة مطالبات الرئيس بتجديد الخطاب الديني والتى كانت آخرها بمؤتمر الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بحضور الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ، يدل على إخفاق الأزهر فى القيام بدوره على أكمل وجه فى ملف تجديد الخطاب الديني وعدم رضا الرئيس عن الأداء الذى يقوم به الأزهر والأوقاف . / نقل عن موقع الوفد ) ، وللعلم ليس من اليسير أن يحدث أي تغيير للخطاب الديني في مصر !! ، وذلك لوجود جذور لخطاب أسلامي متعمق مجتمعيا أوجده الأزهر ، وساعد في تجذره الجماعات الأسلامية ، كجماعة الأخوان المسلمين وغيرهم ، هذه الجماعات مع مؤسسة الأزهر غسلت الأدمغة وغيرت الثقافة العامة للشعب المغيب الى التزمت والتدين ، ولكن هذه الثقافة المتزمتة لم تستطيع الأقتراب من قامات المثقفين والمتنورين المصريين ، أمثال الراحل فرج فودة ، الراحل نصر حامد أبوزيد ، الراحل علي المبروك ، سيد القمني وأسلام بحيري وغيرهم العديد ..
نرجع الى تساؤلنا ” هل من جدوى في تجديد الخطاب الديني ! ” ، شخصيا لا أرى هناك أي جدوى من تجديده ، وذلك لثبات ما يقوم عليه الخطاب من مرتكزات وأسس وعقائد ، فيجب بالأحرى تغيير هذه الثوابت حتى يتغير الخطاب المنطلق منها ، وهذا فعل لا أرى من أمل به من خلال فكر وعقلية رجال الأسلام / شيوخا وأئمة وفقهاء .. ، القائمين على نشر هذا الخطاب ، كما أرى ، أن مقولة تجديد الخطاب الديني ، ترمي بالأساس الى دفع الخطاب الى مواكبة التحضر والتمدن والحداثة ، وهذا أمرا لا يعقل أسلاميا ، لأن الثوابت الأساسية للخطاب الأسلامي هي ماضوية ، برزت منذ أكثر من 14 قرنا ، فهل للصنمية الماضوية أن تواكب الحداثة !! ..
أذن وخلاصة ، هناك تقاطع وتضادد بين ” الخطاب الأسلامي و موضوعة التجديد ” ، فلا يمكن أن يكون هناك من أمل بالتجديد ! ، وأن من يسعى الى هكذا مجال فكري ، يجب عليه ” نسف ” الأساس ليستقيم بناء الخطاب ! .
(*) وكيل وزارة الأوقاف في مصر : يقول في برنامج تلفزيوني ، وعلى الهواء ، أن الرسول محمد سيتزوج مريم العذراء وآسيا زوجة فرعون في الجنة / يرجى الأطلاع على الرابط http://mufakerhur.org/?p=62191