22 ديسمبر، 2024 1:27 م

أضاءة عن هدم الكنائس في الأسلام

أضاءة عن هدم الكنائس في الأسلام

أن هدم الكنائس في بلاد المسلمين ، وأعادة بنائها أو ترميمها ، من أعقد المواضيع و أكثرها أشكالية ، وسوف لن أغوص بما جاء من أوامر بذلك ، من نصوص التراث الأسلامي ، ولكني سأقدم مجرد لمحة وافية عنها ، ومن ثم سأسرد قراءتي الخاصة لموضوعة الكنائس – التي لا زال المسلمين من عصر الأسلام المبكر ، لحد الأن يهدمون و يحرقون بها !.
الموضوع : بداية ، لا بد لنا من الأطلاع على أحكام بناء الكنائس أو هدمها من أمهات المراجع ، فقد جاء في موقع / الحركات الأسلامية ، التالي وأنقله بأختصار (( ذهب أبن القيم فى كتابه ” أحكام أهل الذمة ” ، إلى أن حكم بناء الكنائس أو هدمها يتوقف وفقا للبلد الموجودة فيها ، حيث قسم ابن القيم البلاد التى تفرق فيها أهل الذمة إلى ثلاثة أقسام : الأولى – بلاد أنشأها المسلمون فى الإسلام ، والثانية – بلاد أنشئت قبل الإسلام ، فافتتحها المسلمون عَنوة وملكوا أرضها وساكنيها مثل مصر والشام ، والثالثة – بلاد أنشئت قبل الإسلام وفتحها المسلمون صلحاً ، ثم يسترسل فيقول أبن القيم : (1)عن البلاد التى أنشأها المسلمون فى عصر الاسلام .. لا يحق له أن يسمح لهم ببناء كنيسة وإن اشترط عليه أهل الذمة ذلك يصبح العقد بينهم فاسدا . (2) أما عن حكم الكنائس المبنية فى البلاد التى فتحها المسلمون عنوة مثل مصر ، فلا يجوز أن يستحدث فيها شىء من الكنائس ، أما ما كان فيها قبل الفتح فاختلف الآئمة حول تركه أو هدمه ، فهناك قولان فى مذهب أحمد ابن حنبل الأول يوجب ازالة تلك الكنائس ، والثانى يجوز بناؤها . (3) وأما القسم الثالث وهو : ما فتح صلحاً ، وهذا نوعان : الأول أن يصالحهم على أن الأرض لهم ولنا الخراج عليها أو يصالحهم على مال يبذلونه وهي الهدنة ، فلا يمنعون من إحداث ما يختارونه فيها ، لأن الدار لهم ، كما صالح رسول الله أهل نجران ، ولم يشترط عليهم ألا يحدثوا كنيسة ولا ديراً ، أما النوع الثاني : أن يصالحهم على أن الدار للمسلمين ويؤدون الجزية إلينا ، وبالتالي يكون فيه الحكم بإحداث أو بناء كنيسة يعود للمسلمين في هذه الحالة بالمنع والرفض أو الإجازة بالبناء )) . أما في موقع / الدرر السنية – ومشرفه : عَلَوي بن عبد القادر السَّقَّاف ، يحدثنا عن هدم الكنائس من قبل خلفاء المسلمين ، فيسرد ( فقد روى عبد الرزَّاق في ” مُصنَّفه ” عن عمِّه وهب بن نافع ، قال : كتب عُمرُ بن عبد العزيز إلى عُروة بن محمَّد : أنْ يهدم الكنائس التي في أمصار المسلمين ، قال : فشهدتُ عروة بن محمَّد ركِب حتى وقَف عليها ، ثم دعاني فشهدتُ كتابَ عمر ، وهدْمَ عروةَ إيَّاها ، فهدمها . ورَوَى عن مَعمَر ، عن إسماعيل بن أُميَّة ، أخبره: أنَّه مرَّ مع هشام بحِدَّة ، وقد أُحدثت فيها كَنيسة ، فاستشار في هدْمها ، فهدَمها هشام . وروَى عن الحسن البصريِّ قال : من السُّنَّة أن تُهدم الكنائس التي بالأمصار القديمة والحديثة . ) . وحول فتاوى هدم الكنائس – بين الدكتور شوقي علام ، مفتي مصر ، أن دار الإفتاء المصرية اكتشفت وجود 3 آلاف فتوى تحرض على هدم الكنائس في مصر .. قال أبو الحسن الأشعريُّ : إرادة الكُفر كفرٌ ، وبناء كنيسة يُكفَر فيها بالله كُفر ؛ لأنَّه إرادة الكفر . الإمام محمَّد بن الحسن – صاحبُ أبي حنيفة ، قال : ليس ينبغي أن تُترك في أرض العرب كنيسة ، ولا بِيعة .. الإمام الشافعيُّ ، قال : ولا يُحدِثوا في أمصار المسلمين كنيسةً ، ولا مجتمعًا لصلواتهم . أي وجود أجماع تام بهدم الكنائس بين شيوخ الأسلام ( فقد قال أبو بكر الطرطوشي : وأما الكنائس ، فإنَّ عمر بن الخطاب أمَر بهدْم كلِّ كنيسة لَم تكن قبل الإسلام ، ومنَع أن تُحَدَّث كنيسة ، وأمَر ألاَّ يظهر علية خارجة من كنيسة ، ولا يظهر صليبٌ خارج من كنيسة إلاَّ كُسِر على رأْس صاحبه . وقال السُّبكي : إنَّ بناء الكنيسة حرام بالإجماع ، وكذا ترميمُها ./ نقل من موقع طريق الأسلام ) .
القراءة : 1 . ما ذكر غيض من فيض ، ولكن المهم أن ما جاء من فتاوى وأحاديث ومرويات حول هدم الكنائس لم يأتي من عدم ، لأن كل ما ذكر ، لا بد من أنه يستند الى نصوص قرآنية أو أحاديث نبوية ! . فمثلا : ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ 19 / سورة آل عمران ) و ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ/ سورة التوبة 29 ) . هذين النصين دليل على أن رب القرآن يوصي بألغاء أي دين عدا الأسلام . كذلك الحديث التالي يصب بهذا الأتجاه ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل./ الحديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبن عمر) . * وعندما يحرم الموروث أي دين عدا الأسلام ، فمن المؤكد أن تهدم أماكن العبادة الخاصة بهذا الدين ، ألا وهي الكنائس .
2 . من جانب أخر ، وفي نظرة لبعض النصوص القرآنية نلحظ ، هناك تضاددا وتقاطعا ومن ثم تناقضا ، مثلا : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ .. / 256 سورة البقرة ) و ( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ / 82 سورة المائدة ) و ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ .. / 48 سورة المائدة ) . فكيف لقرآن محمد أن ينص بانه لا أكراه في الأعتقاد ، وأن محمدا جاء مصدقا للكتب / للتوراة والأنجيل .. ، ويمدح كهنة المسيحية من القسس والرهبان ، وكيف له بذات الوقت أن يهدم أماكن عبادتهم ! ، فهذه أدلة دامغة على التغيير في النهج القرآني ، وعلى أن القرآن يكتب وفق وضع وحالة وقوة بأس محمد ، فعندما كان ضعيفا ، نراه مهادنا ، وعنما قويت شوكته ، كان معاديا ! .
3 . ولو تركنا كل الموروث الأسلامي جانبا ، ومنه ” حديث عبدالله بن عباس : ( لا تكون قبلتان في بلد واحد ) وفي لفظ : (لا تصلح قبلتان في أرض واحدة ) رواه أبو داود ، وحديث عائشة : ( لا يترك بجزيرة العرب دينان ) رواه أحمد ، وحديث أبي عبيدة ابن الجراح : ( لا يبقين دينان بأرض العرب ) رواه البيهقي . / نقل من موقع صيد الفوائد ” . وكل ما سبق ذكره من آيات وأحاديث وفتاوى ، أجمالا فهو موروث ماضوي مجهول ، كتب بزمن وظرف ومكان معين ، فهل يعقل ونحن في القرن 21 أن نطبق نهج ما نصت عليه نصوص غير متأكدين من كاتبها ، أو من أحاديث لم نتيقن من قائلها ! .
4 . ونحن في هذا المقام أود أن أسرد بعضا من أحداث هدم أو حرق الكنائس أو الأعتداء على المصلين في مصر ( في زمن العهد الملكي : حرق كنيسة الزقازيق في مارس 1947 م ، حرق الكنيسة القبطية بالحضرة بالإسكندرية فى شهر أبريل سنة 1947 م .. في زمن أنورالسادات : الاعتداء على جمعية النهضة الأرثوذوكسية بسنهور 1972 م ، قام المسلمين بحرق جمعية الكتاب المقدس فى 6 نوفمبر عام 1972 ، فى سنة 19/3/1979م حرقت كنيسة قصرية الريحان بمصر القديمة التى تعتبر من الآثار المسيحية الهامة لأقباط مصر حيث أتت عليها النيران بالكامل ولم يبق منها شيئا .. في زمن حسني مبارك : أحراق كنيسة بورسعيد .. أواخر شهر يوليو 1990 م ، إحراق كنيسة مار جرجس – مركز منيا القمح – محافظة الشرقية 15/4/1990م . حريق كنيسة الأنبا ابرام ، بالعزب الفيوم في 19/4/1996 م .. والقائمة تطول في زمن مرسي والسيسي ، نقل من / موسوعة تاريخ أقباط مصر ) .. هذا مجرد بعضا مما ذكر من أحدث الأعتداء على أماكن عبادة أقباط مصر .. وجهل المسلمين آية ( وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ / 190 سورة البقرة ).

أضاءة : لو وضعنا كل ما سبق في جانب ، وجادلنا محور واحد ، ألا وهو ” أن معظم الموروث هو كلام الله – أي القرآن ، عدا الفتاوى / والتي هي أيضا مستندة على نصوص أو أحاديث ، وحتى أن أحاديث محمد هي من الله ، وذلك لأن محمدا : ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى / سورة النجم : 3، 4 ﴾ ، وتفسير ذلك ” على حجيَّة السنَّة ؛ لأنَّ الآية في نظرهم عامَّة لكل ما يَنطق به الرسول ، سواء كان قرآنًا أو غيـرَ قرآن .. / نقل من موقع الألوكة ” . نخلص من كل ذلك أن هدم أو حرق أو عدم تشييد الكنائس هي من الله ، وهنا أيضا نتساءل أن المسيحيين هم أيضا عباد الله ، وأن المسيح هو ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرَوُحٌ مِنْهُ / 171 سورة النساء ) ، فكيف يكون المسيح الذي هو كلمة الله وروح منه ، والله ذاته يلاحق أتباعه ويأمر بهدم وحرق كنائسهم .. أرى أن كل الموروث الأسلامي ، فيما يتعلق بموضوع الكنائس ، بعيدا عن المنطق ، لأنه موروث هش هلامي تكفيري ، غايته ألغاء كل ما هو غير أسلامي ! .