23 ديسمبر، 2024 3:42 م

أصلاح الدولة والنظام السياسي في العراق التظاهرات السلمية خيار شعبي

أصلاح الدولة والنظام السياسي في العراق التظاهرات السلمية خيار شعبي

يا أيها الذين أمنوا أتقوا الله وأبتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون ” – 35- المائدة –
وما وجدنا لآكثرهم من عهد وأن وجدنا أكثرهم لفاسقين ” – 102 – ألآعراف –

.. ومن  لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ” – 45- المائدة –

.. ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون ” – 47- المائدة –

.. أن أريد ألآ ألآصلاح ما أستطعت وما توفيقي ألآ بالله عليه توكلت واليه أنيب ” – 88- هود –

لم يعد أصلاح الدولة العراقية ونظامها السياسي خيارا قابلا للتأجيل بعد أن تفشى الفساد في كل مفاصل الدولة حتى أصبحت عاجزة عن تقديم الوظيفة القانونية للمواطن العراقي بأنماطها : الخدمية العامة كالماء والكهرباء والهاتف , والنقل والتجارة , والمصارف والبنوك  ,  ورفع القمامة , وبأنماطها التخصصية : كالصحة , والتعليم , وألآمن , والثقافة وألآعلام والفن .

والحديث عن أصلاح الدولة والنظام السياسي لابد وأن يأخذ بنظر ألآعتبار : أصلاح المجتمع , وأصلاح المجتمع يبدأ من الفرد وألآسرة , والركائز الهرمية الهيكلية في المجتمع والتي تتكون من : القضاة والمحامون , الجنود والضباط والشرطة , المعلمون والمدرسون , أساتذة الجامعات , ألآطباء , والمهندسون , التجار والحرفيون , ألآعلاميون والصحفيون والمثقفون , ألآحزاب والنخب السياسية , العشائر , الحواضن الدينية .

والهرمية ألآجتماعية في أي مجتمع تبدأ بالفرد , والفرد العراقي تعرض لعملية أرباك لمنظومة القيم الموروثة والمكتسبة بفعل عوامل ضاغطة شديدة الوطأة من بينها الحصار ألآقتصادي الذي حرم العراقيين من كرامة العيش ومن رغيف الخبز وعن هذا المعنى قال ألآمام علي عليه السلام : عجبت لمن لايجد قوت يومه كيف لايشهر السيف في وجه الناس ” ؟ وقال عليه السلام : لو كان الفقر رجلا لقتلته ” ؟

ولم يكن ألآمام علي عليه السلام يدعو للعنف كما قد يتصور البعض , ولكنه كان مفسرا لسيكولوجية الجوع , وتأثير أنعدام الطعام قسرا عن بعض الناس حتى خواء المعدة وجوع البطن الذي رخص له الشرع أكل الميتة أنتصارا للحياة من أجل الحياة لا من أجل ألآكل لآجل ألآكل  , وبذله للبعض ألآخر أسرافا وطغيانا مما يجعل هذا البعض حبيس بطنته وشهوته ومن يأسره سلطان البطن يصبح بخيلا وجبانا ولئيما , بينما يكون المنتصر على سلطان البطن مشروعا للشجاعة والكرم والتسامح .

والمجتمع العراقي اليوم يعاني من أهتزاز القيم على مستوى ألآعمدة الهرمية في الهيكل البنيوي للمجتع العراقي وهم : كل من القضاة والمحامين حيث ثبت تراخي الكثير منهم عن معيار العدالة وموازينها لصالح الظلم وقساوته التي قال عنها الشاعر :-

 وظلم ذوي القربى أشد مضاضة .. على النفس من وقع الحسام المهند ؟

وقال الله تعالى في محكم كتابه الكريم : ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط .. ” – 25- الحديد – والقسط هو العدل , وعندما يهتز العدل , يظهر الظلم وبظهور الظلم ينتشر الفساد , قال تعالى ” أنتشر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيد الناس ” .

ولآن ألآنسان هو خليفة الله في ألآرض , وهذه الخلافة ميسرة وملزمة برسالة السماء دون غيرها , لذلك فأي تقصير أو تراجع عن تطبيق رسالة السماء أنما هو أفساح المجال لآنتشار الفساد والفساد مصحوب بالفتنة , والفتنة ينطوي عليها تكوين ألآنسان الفسلجي , فاللذة موجودة في الطعام والشراب والمناكح , ولاتختلف في أيقاعها من حيث الحلال والحرام , وهذا ما يجعل الناس الذين لايستخدمون عقولهم فيما يقدمون عليه لايفرقون المعنى الكامن وراء لذة الحرام التي يعقبها ندم حتى أذا حلت السفاهة وأسود بياض القلب لم يعد للندم وجودا في النفوس المريضة كما هي نفوس عصابات داعش التكفيرية ألآرهابية الذين يتلذذون بألآنتقام بقطع الرؤوس وشق البطون وحرق ألآجساد وتخريب المنشأت , وهي حالة من السادية والسايكوباثية المرضية التي يصبح صاحبها يجد لكل مايفعله سببا ومبررا وأنه رفضه ألآخرون وأستنكرته شرائع السماء , ومثل عصابات داعش هناك الكثير من البغاة كما نشاهد في قتل اليمنيين العزل بطائرات السعودية ومن معها , وهناك الكثير من حالات التجبر والغطرسة تظهر بشكل فردي كالحكام الطغاة , وكألآزواج المتهورين  , وأرباب العمل المتجبرين , وألآحزاب الشوفينية ذات الشعارات المتناقضة مع واقع سلوكها , والعقلاء يقولون مليون شعار خطأ لايلغي حقيقة واحدة؟ وأحزاب العراق أصيبت بهذا الداء لآنها قامت على أنقاض كتل بشرية أفرادها مصابون بداء أهتزاز القيم بحيث لايختلف رئيس الحزب عن أي تابع للحزب من حيث أزدواجية المعايير وأهتزاز القيم الذي يسمح لرئيس الحزب أن يحيط نفسه بالحواشي أينما حل حتى ولو ذهب لزيارة العتبات المقدسة ظاهرا وهو ليس من زوارها الحقيقيين ؟

وهؤلاء نسوا قول ألآمام علي عليه السلام محذرا أشباههم وحالهم عندما قال : هلك الرجل أذا كثر خلفه خفق النعل ” وخفق النعل هو الحواشي التي نراها اليوم تتكاثر حول من هم ليسوا أرقاما سياسية ولا أجتماعية ولا علمية سوى أنهم جعلوا من ثقافة الصورة عبادة تغزو المعمورة .

ونتيجة هذا الغزو المصحوب بتخمة العواطف والشهوات ضاعت المقاييس , وأصبح العلم مضمحلا ودياره موحشة , والعلماء مهجورون , بينما تحظى مرابع المغاني ومنازل العهر والدعارة بحشود بشرية مخدرة بألاثم كما قال الشاعر :-

شربت ألآثم حتى ظل عقلي .. وأن ألآثم تذهب بالعقول ؟

وقال ألآخر :-

مساكين أهل الحب حتى قبورهم .. عليها غبار الذل بين المقابر ؟

وهؤلاء الذين فقدوا توازنهم نتيجة المال وتكديس الثروة كما هو لدى من سرقوا مال العراقيين حتى أن رجلا واحدا من النكرات التي تسكن خارج العراق جاء مع ألآمريكيين الذين أغروه بالمال تعمدا وهي سياسة أمريكية لمن عمل منهم داخل العراق يسمونها بالبراكماتية تضليلا وتسويفا , هذا النكرة فتح له شركة في ألآردن برأسمال ” 2000 ” دولار ومن خلال هذه الشركة التي سماها ” فلوينك سبرنغ ” سحب من وزارة الدفاع دفعة واحدة ” 100 ” مليون دولار ثم عين أحد أصدقائه وهو بائع هبمبركر بعنوان مسؤول المشتريات والعقود العسكرية والذي صرح لمجلة أمريكية أنه بحياته لم يبع رصاصة واحدة وأذا به يتحول نتيجة الفساد وغياب الرقابة الى موقع على عقود تسليح بمئات الملايين من الدولارات , وأخيرا هذا وصاحبه سرقوا وهربوا ثلاثة مليارات من الدولارات من المال العراقي وفقراء العراق لايجدون طعاما ولا كساء ولا دواء ؟

لذلك نقول لآبنائنا وأخواننا من المتظاهرين أمام هذا الواقع الذي نحن فيه من فساد ينخر مفاصل الدولة العراقية , ومن أهتزاز قيم أغلب الناس ولا نقول كل الناس , فالشاب عثمان الذي دفع حياته ثمنا في سبيل أنقاذ ضحايا جسر ألآئمة في ألآعظمية قبل سنوات , وأم قصي من ناحية العلم في محافظة صلاح الدين التي أنقذت حياة مجموعة من شباب سبايكر  ومعها النسوة ألآتي لم يستسلمن لعصابات داعش , وعوائل مدن الفرات ألآوسط والجنوب الذين فتحوا بيوتهم ومساجدهم لآخوانهم النازحين قسرا نتيجة أرهاب عصابات داعش من الموصل وصلاح الدين والرمادي وديالى , كل هذه النماذج هي مثال الوطنية العراقية التي نريد لتظاهراتنا أن تجعل منها محورا ومنطلقا لآعادة الهوية العراقية بعيدا عن العنصرية والفئوية والطائفية وليكن هذا هو المطلب ألآول للتظاهرات , أما المطلب الثاني فهو :

محاربة الفساد والفاسدين لابعنوان شخصي , وأنما بعنوان عام دعت اليه المرجعية الدينية في النجف ألآشرف , فمن تلبس بالفساد علينا أن نعطيه فرصة للتراجع والندم أن كان لايزال لم يتلوث ولم يصر على الخطأ على القاعدة القرأنية : ” أنما التوبة على الله للذين عملوا السوء بجهالة ” هذا أولا حتى يكون عمل المتظاهرين مدعوما بقواعد شرعية وقيم أخلاقية وأنسانية , وثانيا قوله تعالى : أن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك ” .

أما الذين مردوا على النفاق والسحت وأكل المال الحرام والتنكر لحقوق العراقيين , فهؤلاء لم يعودوا يصلحوا لخدمة عامة , ومثل هؤلاء يعرضوا على القضاء الذي نريده هذه المردة عادلا من خلال المعروفين بنزاهتهم وأخلاصهم من القضاة .

وعلى المتظاهرين كل في محافظته أن يكونوا غير منتمين للآحزاب الموجودة , لآن كل ألآحزاب متورطة بالفساد العام وهي شريكة بالمحاصصة وهؤلاء على قاعدة : المرء حريص على مامنع ” سيكون بعضهم حجرة عثرة , فعلى المتظاهرين أن يتمتعوا بالمزيد من الصبر والتوازن والهدوء حتى يفوتوا الفرصة على المتصيدين في الماء العكر , وعلى المتظاهرين أن يتبعوا خطة تدريجية في أصلاح الفساد , فلا يطرحوا كل ما في جعبتهم دفعة واحدة حتى لايتم ألآلتفاف على برنامجهم , لآن ما خرب وأفسد فس عقود وسنين لايتم أصلاحه في ليلة وضحاها

وعلى المتظاهرين أن يكونوا موحدين متحابين قبل البدء بالعمل ألآصلاحي , وعليهم أن ينتشروا بين الناس ويستثيروا هممهم بهدوء وعقلانية ويصعدوا غضبهم ضد الفساد والفاسدين حتى يصنعوا حاضنة شعبية واسعة لهم وهذه الحاضنة الشعبية ستكون مصدر رعب وخوف للفاسدين .

ثم على المتظاهرين أن يكون لديهم أهل رأي ومشورة ممن يمتلكون بصيرة ملمة بشؤون الفساد والفاسدين , وأهل الرأي الثقاة هؤلاء سيكونوا مراجع فكرية يعتمد عليها لآدامة زخم التحرك الشعبي المدني .

وعلى المتظاهرين أن يحصوا ويعدوا الفاسدين في دوائر الدولة كل في محافظته كدوائر التربية والعقار والجنسية والصحة والمرور والقضاء والبيئة والتجارة والحج والعمرة والضريبة ودوائر ديوان المحافظة ومجلس المحافظة , وأن تنظم جداول في ذلك دون أعلانها , وهذه الجداول تعطى لاحقا للجان التي ستشكلها الجهات المسؤولية المنبثقة عن سلطة وصلاحية رئيس مجلس الوزراء .

وعلى السيد رئيس مجلس الوزراء أن يفتح خطا مباشرا مع أهل الرأي والمشورة الذين تعتمدهم التظاهرات كما فعل في لقائه الجيد مع منتدى الشباب العراقي يوم 14|8|2015 حتى يستمع اليهم ويتبادل معهم الرأي وهي صورة من صور الحكم الشعبي المدني الناجح .

وعلى المتظاهرين أن تكون مطالبهم على قاعدة : أذا أردت أن تطاع فأطلب المستطاع “

فلا الدستور يمكن تغييره بسهولة في ظروف العراق ألآن , ولا مجلس النواب الذي نعرف كيف وصل البعض اليه , ولا مجالس المحافظات على ماهي عليه من تقصير وتخلف كل هذه ليس من الحكمة المطالبة بحلها وألغائها ألآن , ولكن على المتظاهرين الدفع بأتجاه تحريك هذه المراكز للعمل  وكسب ود من يمكن كسبه بأنتظار مستقبل قريب ستنكشف فيه عورات الجميع , ومع العمل على أدامة مشروع التوعية الشعبية عبر اللقاءات الفردية والندوات وبعض اللقاءات الفضائية وعن طريق الكتابة في الصحف والمواقع ألآلكترونية ولنعتمد على مجموعة من الكتاب المجربين من أصحاب الخبرة في مخاطبة الجمهور ممن لديهم الدافع الذاتي لهذا التوجه , وبهذه الوتيرة من العمل أن شاء الله سيتصاعد رصيد التظاهر ضد الفساد , وسينخفض منسوب رصيد الفاسدين سواء كانوا في أي موقع من مواقع الفساد , وهذا ألآنخفاض والتعري سيجعل القاعدة الشعبية تتخلى عنهم تدريجيا حتى يصلوا الى حالة ألآفلاس أو الرصيد المنخفض جدا في ألآنتخابات القادمة مما لايجعلهم منافسين للمخلصين وأصحاب الكفاءة , وبذلك يمكن تغيير معادلة ألآنتخابات لصالح ألآكفاء بهدوء , وعندئذ سيتم جني ثمار التظاهرات ضد الفساد وهذا العمل مثلما يحتاج المثابرة وألآستمرارية , فأنه وبدرجة أكبر يحتاج خلوص النوايا والتوكل على الله الذي لايخيب من توكل عليه حقا.