18 ديسمبر، 2024 10:57 م

عندما كان مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة السابق يتفاخر بصداقته القديمة مع الرئيس التركي أردوغان أمام شاشات الفضائيات، كُنّا نقول له:”أيُّها الرئيس..هؤلاء أصدقائك أنت وحكومتك وليس الشعب”، كان الرجل يتباهى بصداقته مع من يقصف البشر والحجر في شمالنا الحبيب، ومن يحتمي الأطفال من شرور نيران طائراته وراء الصخور في الجبال، كُنّا نقول صديقك أيُّها الرئيس الذي يُريد تعطيش الإنسان والأرض ويقصف الآمنيين في منازلهم وقُراهم. لم تَزل عِبارة الصديق نسمع صَداها، ردّدها السابقين ويُكررها اللاحقين.

السوداني يقول “وقعّنا مع الصديق ماكرون إتفاقية الشراكة الإستراتيجية”، لازالت الذاكرة العراقية حيّة لم تنسى فضيحة الدم الفرنسي الملوّث الذي تم إستيراده في الثمانينات في أكبر الفضائح بتاريخ الطب في فرنسا عندما أُصيب العديد من العراقيين بالإيدز نتيجة حقنهم بِجُرعات ملوّثة من ذلك الدم، مايُثير الغرابة أن فرنسا رغم إعترافها ببيع أكياس الدم الملوّث لم تكتفي بالإمتناع عن دفع أيّة تعويضات مالية لأُسر الضحايا، بل إمتنعت حتى عن الإعتذار لهم.

جريمة معهد (ميريو) الفرنسي عام 1986 الذي أصبح أسمه اليوم (إفنتيس باستور) حين أرسل صفائح تجلّط الدم لِمرضى الهيموفيليا للعراق لِيتّضح تلوّثها بعد أن تم حقن مرضى عراقيين بهذه الجُرعات وإصابتهم بالإيدز بسبب هذا الدم الفرنسي.

لازالت الجريمة حاضرة في الذاكرة العراقية. المُفارقة أن الفرنسيين كانوا مُصرّين على تصدير ذلك الدم إلى العراق رغم علمهم بالأمر كما تُشير إليه بعض الوثائق المُسرّبة في جريمة لايُمكن وضعها إلّا في خانة جرائم الإبادة الجماعية. ربما نَسي الرئيس تلك الجريمة لكن ذاكرة الشعوب حيّة لاتَنسى.

أصدقاء الرئيس الذين ينالون شرف الصداقة من حُكّامنا رغم عدائهم وحقدهم لِشعوبنا، لايُمكن تبرير أقوالهم أو تحليل معاني كلماتهم سوى الشعور بالإستصغار وهَوان الشخصية عند الوقوف أمام الكاميرات مع أصدقائهم المزعومين أو المُفترضين.

تعوّدنا على أصدقاء الرئيس حتى أن إبراهيم الجعفري رئيس الحكومة الأسبق أهدى رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي وقتها سيف الإمام علي بن أبي طالب (ع) بعد إحتلاله بغداد تثميناً لهم لِقتل العراقيين، وعندما سألوا الجعفري “كيف تقوم بإهداء هذا السيف الذي يُمثّل جُزءاً من تاريخ العراق والعرب والمسلمين وهو ثروة وطنية عراقية؟ ومن أعطاك الحق بإهدائه؟” أجابهم “أنا أعطيته وهو قَبل”، وأكاد أُجزم أن رامسفيلد لم يكن يعلم أو حتى يدري من هو الإمام علي بن أبي طالب. كان حينها الجعفري يُريد أن يُعبّر عن إمتنانه للأمريكان الذين إستباحوا البلد وقتلوا الشعب وإغتصبوا الحُرمات.

أيُّها الرئيس هؤلاء أصدقائكم أنتم وحكوماتكم وليس الشعب لأن للعراقيين ذاكرة لازالت حيّة لم تُصب بالزهايمر لِتُفرّق بين الصديق من العدو.

مُصيبة الحُكّام حين يعبثون بالأحداث ويخلطون الأوراق مُعتقدين أن ذاكرة شعوبهم ستنسى أو تُمحى منها تلك الحكايات وتذوب كذوبان الفوّار في الماء، لكن فاتهم أن جرائم الإبادة وقتل الشعوب لاتسقط بالتقادم.

إسألوا جيوش المُستشارين الذين يُحيطون بِكم عن الفرق بين الصداقة والمصالح، ليُحدّثوكم عن مقولة ونستون تشرشل تلك قاعدة السلوك بعالم السياسة التي تقول ” ليس هناك عدو دائم أو حتى صديق، وإنما مصالح مشتركة” عسى أن تجدوا الإجابة عندهم أو حتى يعرفوا من هو تشرشل؟.