أصحاب الدماء الزرقاء يصرّون على تقاسم أوصال العراق

أصحاب الدماء الزرقاء يصرّون على تقاسم أوصال العراق

في الدول التي تحترم شعوبها تكون الكفاءة والولاء الوطني هما بوابة تولي المناصب العليا. لكن في العراق انقلبت المعادلة بالكامل. باتت القرابة السياسية هي بطاقة العبور الوحيدة إلى مواقع النفوذ: السفراء، الوزراء، المستشارون، وحتى الوظائف الفنية الحساسة.

ففي قائمة السفراء الجدد التي طُرحت للتصويت، لم يترك ذوو الدماء الزرقاء مجالًا للدهشة: أسماء تتكرر، وجينات حزبية لا تنقطع، كأن العراق صار ملكية وراثية لهذه الطبقة البيروقراطية التي فتكت بأحلام ابنائنا.

لقد حولوا العراق إلى سلالة حزبية يتنعّم المقربون بخيراته، تحكم، تعيّن، وتعيد إنتاج ذاتها في المناصب العليا دون اكتراث بمن ينتظر فرصة أو يحلم بإصلاح.

ما يجري اليوم في الدولة ليس تناوبًا ديمقراطيًا، بل دورانٌ داخل حلقة مغلقة من أبناء الزعماء ورموز الكتل السياسية. الكورد يعينون أبناءهم، السنة يدفعون بأقاربهم، والكثير من قادة الشيعة لا يرضون إلا بمن تربطه صلة دم بالعائلة المتنفذة. وهكذا تُدار الدولة بمنطق “التوريث السياسي” تحت عباءة التمثيل والمشاركة.

من لم يولد داخل الدائرة الحزبية لن يصل، مهما بلغ من علم أو خبرة أو تجربة. العراق لا يفتقر للكفاءات، بل يفتقر لإرادة إطلاقها. فالواقع يُكرّس امتيازًا حزبيًا منغلقًا يضع العراق رهينةً لولاءات القرابة وتوازنات الزعامة.

وبينما يصطف الشرفاء في الميادين، يدفعون الدم والجهد والكلمة دفاعًا عن الوطن، في محاولة  للملمة شتات المجتمع وتوحيد الكلمة كي لا تهوي البلاد أمام طوفان الانقسام والدسائس. تُمعن الطبقة السياسية في تقاسم المناصب دون خجل، وكأن العراق مزرعةٌ حزبية، تُوزّع حسب الألقاب العائلية، لا حسب الواجب الوطني.

لقد حولوا الدولة مكانًا للتوريث، لا للمسؤولية، ولا يترددون في تثبيت سلطتهم حتى ولو على آهات الشعب ودمه المسفوح.