ثورة عاشوراء مشروع سماوي لهداية البشرية الى طريق القيم الإنسانية السامية التي ارسل بها جميع الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم خاتم الأنبياء و المرسلين محمد (صلى الله عليه واله) ، لهذا نلاحظ الإعداد لهذه الثورة لم يكن طبيعاً أو تحصيل حاصل أو نتاج صدفة بل كان يسير بخطى دقيقة دقة هذا الخلق لأن مشيئة الله سبحانه وتعالى هي المهيأة لهذه المسيرة المباركة لأنها أمل الرسالات السماوية جميعاً في هداية البشرية ، بعد أن أصبح أتباع هذه الرسالات قد سيطرت عليهم مكائد الشيطان وحبائله وجعلتهم يبتعدون كثيراً عن المحتوى الحقيقي لهذه الرسالات السماوية ، فلم يبقى منهم من يستطيع ان ينقذ هذه المعمورة لكي يرجع البشرية الى طريق السعادة الحقيقي إلا ثورة عاشوراء وأهدافها الحية ، لهذا نلاحظ أدوات هذه الثورة قد تم اختيارها بعناية الهية فائقة تذهل العقول والقلوب والأبصار لأن الإرادة الإلهية شاءت ان تبقى هذه الثورة خالدة الى قيام الساعة ، ومن أهم أدوات هذه الثورة اصحاب الإمام الحسين عليهم السلام ، هذه الشخصيات التي حيرت العلماء والأدباء والثوار والمجاهدين والأحرار بل الإنسانية قاطبة على مواقفهم وعطائهم وبذلهم من أجل المثل السامية التي نادى بها الإمام الحسين عليه السلام وجميع الرسالات السماوية ، فلم يكن تجمع هؤلاء شيء طبيعي بل رعته اليد الغيبية في كل مفردة من مفرداته وفي كل حركة من حركاته مع كل صحابي ألتحق بركب قافلة المثل العليا قافلة سيد الأحرار الإمام الحسين عليه السلام ، هؤلاء الأصحاب قد تم اختيارهم من بين الإنسانية في ذلك الزمان لكي يصبحوا من المُثل التي يجب أن يقتدى بها ، فهذا زهير بن القين العثمانية الهوى كيف ولماذا أختاره الحسين عليه السلام ليصبح من أهم الأسماء او القادة لهذه الثورة الإلهية الإنسانية الخالدة ، لأن قلبه كان كالذهب الصافي ولكن عليه بعض الغباء فالإمام عليه السلام بيده الشريفة قد أزاح هذه الغبار فخرج الذهب الصافي الذي ليس به شوائب تدفعه الى خطى الشيطان ، لأن الحديث الشريف يقول ( إن الله لا ينظر الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم التي في الصدور) ، فالإمام الحسين عليه السلام هو وجه الله في الأرض وبابه الذي منه يؤتى فينظر الى القلوب والسرائر والنوايا ويعلم كل صحابي ماذا كان يحتاج من أجل تصفية البصيرة ومن ثم البصر لكي يرى حقيقة واقعة الطف وماذا أراد الله منها أن تكون ، فمنهم من تركه أن يدخل الامتحان بنفسه ويأخذ قرار الخلود بعد أن ينتصر على جيش الشيطان المعسكر في داخله فكانت كلمات الحر بن يزيد الرياحي سلام الله عليه إن أخير نفسي ما بين الجنة والنار فكان الإنتصار الأكبر عندما قال لا أختار على الجنة شيء اي لا أختار على المثل الإنسانية شيء ، اي بمعنى أخر في كثير من الأحيان نحتاج الى لحظات قليلة من التفكر الحقيقي فهذا يغنيك عن سنوات طويلة من الكد والاجتهاد والعمل كمن يمسح الغبار عن النظارات هذا العمل الذي لم يأخذ من الوقت إلا أجزاء من الثانية ولكنه يريك الصورة أو الكلمة او ما يدور حولك بوضوح ، وما قصة رجب الخياط والصفار إلا مثال مقرب لموضوعنا (عندما كان يبحث رجب الخياط عن مكان تواجد الإمام الحجة لكي يلتقي به فأرشدوه أهل المعرفة الى صفار في السوق وأخذ رجب الخياط يذهب الى ذلك الصفار ويجلس بقربه لعله يرى الإمام عج وفي أحد الايام شاهد امرأة فقيرة تريد بيع قدر لها وأخذت تمر على صفار صفار وأغلبهم أعطاها سعر ما بين 6 الى 7 تومان ولكن عندما أتت الى الصفار الذي يجلس عنده رجب الخياط أعطاها 21 تومان وقال لها ثمن القدر 22 تومان ولكن اشتريه منك ب 21 تومان حتى يكون ربحي تومان واحد فتعجب رجب الخياط وقال بعد ان ذهبت المرأة ماذا تفعل : الصفارون الآخرون أعطوها 6 الى 7 تومان فلماذا اعطيتها 21 تومان فقال له الصفار (ورجب الخياط لم يخبره بأنه يريد ان يرى الإمام عج ) بهذه النفسية تريد رؤية الإمام عج ؟؟؟؟ وقصة والد السيد السيستاني مثال آخر على نظرة الإمام عج وكيف يختار الأصحاب (كان والد السيد السيستاني يريد اللقاء بالإمام الحجة عج وبحث كثيراً من أجل هذه الغاية والهدف وفي أحد الأيام كان يصلي في مسجد أحد المناطق وبعد الصلاة شاهد نور يسقط من السماء على أحد البيوت في تلك المنطقة وتابع ذلك النور فوجده في قد سقط على بيت صغير في نهاية احد الأزقة قد ماتت قبل ساعات صاحبة البيت فدخل والد السيد السيستاني الى داخل البيت فوجد الإمام الحجة عج قائماً على جثة تلك المرأة لكي يشرف على تغسيلها وتكفينها ومن ثم دفنها فقال له يا سيد محمد باقر كن مثلها نحن نأتي لزيارتك ولا يحتاج ان تبحث علينا ( علماً هذه المرأة لم تخرج من بيتها سبعة سنوات حتى تحافظ على حجابها ايام والد شاه إيران الذي منع الحجاب وفرض السفور) ، فعاشوراء اعتنت بالقلوب والبصائر الثاقبة ولم تعطي أي اهتمام للمظاهر أو المصالح أو الغرائز اي اهتمام بل ثورة عاشوراء لن يأتي مثلها قط ولم يأتي مثلها قد نزعت كل هذه الموبقات التي تهوي بالنفس الإنسانية الى الهاوية من مظاهر ومصالح وغرائز فكانت عاشوراء جوهرة نقية صافية في سماء الخلود بما احتوت من أدوات وعناصر ، لهذا نلاحظ ليلة العاشر من محرم كان الأصحاب دويهم كدوي النحل بالدعاء والتبتل والصلاة وقراءة القرآن فكانوا قائمون قاعدون راكعون ساجدون قد طلقوا الدنيا بالثلاث وكأنهم لم يعيشوا بها او يعرفونها بل عاشوا المثل الإنسانية الربانية بكل دقائقها وتفاصيلها ، وهذه الأنفس لم تكن وليدة لحظة او ظرف بل أنفس قد أتعبت أصاحبها بالرياضة الروحية الشاقة التي جعلها تتحرر من شباك الشيطان وخدعه وأساليبه وأسلحته حتى أصبحت حرة نقية لا تكترث لشيء من حطام الدنيا الزائلة الفانية التي لا تعطي شيء ولكنها تأخذ منك الكثير ، فهذه الثلة الطاهرة من الاصحاب لا يأتي مثلهم قط ولا يستطيع أحد ان يصل اليهم لأن الله أراد ان يكونوا مُثل يقتدى بهم من أجل وصول الإنسانية الى السعادة في هذه الدنيا والتي هي جسرٌ لطريق الجنان في الآخرة .