23 ديسمبر، 2024 1:53 م

أشياء أخرى تحتاج الى ترشيق

أشياء أخرى تحتاج الى ترشيق

حزمت الإجراءات التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي لإصلاح العملية السياسية مهمة وفي الإتجاه الصحيح، وإن جاءت متأخرة، ولاسيما أن ترشيح السيد العبادي لهذا المنصب إستند الى إصلاح ما أفسده سلفه، وبالفعل خطى بداية بخطوات في هذا الإتجاه، لكن سرعان ما تلكأ وتوقف، تحت مبررات عدة، ولعلها ضغوط الدولة العميقة التي تأسست خلال السنوات الماضية والتي لاتسمح بإجراء تحسينات في بنية النظام السياسي، ناهيك عن إجراء تغيير ينسجم مع شكل الدولة الديمقراطية من حيث ضمان الحريات وحقوق الإنسان والمساواة والعدل.
ولهذا كان لابد للشارع أن يتحرك، ربما كان بعنوان خدمي، وبشكل أدق أزمة كهرباء، لكن الواقع الذي عبر عنه المتظاهرون شمل العملية السياسية بكل مفاصلها، وقد أدرك السياسيون هذه الحقيقة، لذا جاءت ورقة الإصلاحات الحكومية متسقة مع مطالب الجماهير، لكن مع بقاء الشكوك في وضعها موضع التنفيذ، ولاسيما مع أزمة الثقة التي أصبحت فتية بعد بلوغها 12 سنة من عمر العملية السياسية.
لكن ما حيلت المضطر الا ركوبها، ومن هنا عبرت الجماهير عن تأييدها لإجراءات العبادي، كمنطلق للإصلاحات، وليس كحد نهائي لها، وعليه لابد من وضع سقف زمني للتنفيذ من أجل الإنتقال الى مراحل لاحقة، وعدم المراوحة في مكان واحد.
وإذا كان بعض المراقبين يرى أن الخطوة التي إتخذها العبادي لاتعدو ان تكون عملية ترشيق في بنية السلطة التنفيذية، وهي قد تصب في مجرى التقشف الذي تفرضه الحكومة في ظل الأزمة المالية التي يعانيها العراق نتيجة تراجع أسعار النفط، فيما يرى المشككون أنها مجرد إلتفاف تكتيكي على المتظاهرين، سيزول بزوال أسبابه، وفات هؤلاء أن الجماهير لم تترك الميدان الا بعد أن تتحقق مطالبها كافة، ونحن نتأمل خيراً في كل الأحوال.
كما نود أن نبين أن الترشيق ليس مجرد تقليص في الكابينة الحكومية بشقيها : رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس الوزراء، وإنما هو محاولة التخلص من تركة ثقيلة إسمها المحاصصة، للإنتقال  الى مرحلة لاحقة تعتمد على الكفاءة والنزاهة والخبرة تحت عنوان عريض إسمه المواطنة لاغير.
لكن الترشيق يجب أن لايقف عند هذا الحد، فلابد من أن يرشق السلاح، ولايترك مشاعاً لكل كيان أو كتلة أو تنظيم، وبالتالي نحتاج الى قرارات لاحقة لتحييد الميليشيات والجماعات المسلحة التي أصبحت تمارس دور الدولة، خارج الدولة، بما تملك من قوة وغطاء يمكنها من التجاوز على القانون والأجهزة الحكومية، إن لم نقل أنها تفرض قوانيها الخاصة عليها، بدعوة محاربة الإرهاب.
كذلك، نحن بحاجة الى ترشيق السجون، من السجناء الأبرياء، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان في المعتقلات، ومنع التعذيب والإعترافات بالإكراه، وإصدار عفو عام، لتصحيح مرحلة شابها الكثير من التجاوزات، والإجراءات المجحفة، فالرجوع الى الحق خير من التمادي في الباطل.
الترشيق يجب أن يطول الفقر الذي إستهدف طبقات عريضة من المجتمع، حتى بلغ مستواه، بحسب آخر إستطلاع، 40 %، و التشرد الذي بات ظاهرة في الشارع، إضافة الى تقليص الهوة بين الأثرياء والمعدمين.
أخيراً، ندعو الى ترشيق التصريحات الرسمية وشبه الرسمية، والظهور الى الشاشات الفضية، لتبيض الصحائف، والعمل بصمت للصالح العام على قاعدة : ” من ثمارهم تعرفهم”، وليس من أقوالهم أو جعجعاتهم.