تتميز البروباجندا بتأثيرها على عقول الناس من خلال الدعايات السياسية أو الاستهلاكية وكل منها طرقها وأدواتها وأساليبها لتحقيق الغايات المراد منها؛ وهي السيطرة على العقول وهذه هي السمة المشتركة بينها، فيما يلي نرصد أشهر أدوات البروباجندا في التأثير على العقول.
تكرار الإعلان وتأكيده
لزرع اي فكره وترسيخها في عقل المستهلك لابد من تكرار وتأكيد الإعلان, لأنه المفتاح السحري لتمرير ما يريده المعلن.
ويكون ذلك من خلال شعار أو فكره صغيره لتكون سهلة التقبل وتتحول إلى جزء من مصطلحات المستهلك اليومية التي يتداولها.
ولهذا يذهب الكثير من المعلنون إلى تكرار إعلاناتهم وحملاتهم للمستهلك بكل مكان سواء كانت اعلانات في الشوارع أو قنوات فضائية أو محطات إذاعية ومؤسسات صحفية وغيرها من اجل أن يحققوا ما يصبوا اليه وهو كسب العقول.
وقد يلجأ البعض إلى التكرار في عرض إعلاناتهم غير المباشرة ليحصدوا نتائج أكثر فعالية من الإعلان المباشر عندما يكون التصريح مثيرًا للحساسية أو الرفض، إذ دلت إحدى الدراسات على أن تكرار ظهور أحد نجوم السينما، وهو يدخن خلال الفيلم لأربع مرات، قد يؤدي إلى زرع صورة إيجابية للتدخين عند المراهقين المعجبين بهذا النجم، مما يعطي دلالة واضحة على أثر الإعلان غير المباشر في بث الرسائل الإعلانية مع التكرار المستمر، وهو أمر يزداد خطورة عندما يقترن بالتصريح المباشر والموجه.
والأمر لا يقف على الإعلانات التجارية بل يتعدى ذلك حتى الإعلانات السياسية التي يقومون بها رجال السياسة وقادة الرأي العام من خلال طرح مصطلحات أو أراء تمهد للحصول على شي معين ومثال ذلك.
كم مرة ذكر رموز نظام بوش كلمات “الإرهاب – أسلحة الدمار” قبل الحرب على العراق.
استغلال الشخصيات والرموز المعروفة للمستهلك
تستغل شركات الدعاية والإعلان المحلية والعالمية في تسويق منتجاتها أو الإعلان عن سلعه جديدة إلى استخدام رموز وشخصيات مشهورة مثل الفنانين أو الرياضيين ويكون ذلك عبر مستويات مختلفة حسب طبيعة السلعة المعلن عنها
الأول هو ظهور الشخصية بصحبة المنتج في الإعلان “يستخدم في الأفلام أحيانا” والثاني هو ظهور الشخصية وهي تستخدم المنتج (ملابس، عطور، مشروبات، أدوات تجميل)، أما الثالث فهو قيام الشخصية بتوجيه الجمهور لاستخدام هذا المنتج بشكل مباشر.
استغلال مختصين واكادميين للإعلان عن السلعة
على العكس من الإعلان السابق الذي يقوم على استغلال شخصيات ورموز معروفة يقتصر هذا الإعلان على استغلال شخصيات أكاديمية ومختصين بمجال معين من اجل تقديم نصائح أو معلومات عن سلعة معينة مثال ذلك
طبيب ينصح بنوع معين من الأطعمة – أخصائي موضة ينصح بماركة معينة من ألملابس أو ما شابه ذلك.
وأيضا يشمل السياسيين الذي يريدون تمرير قرارات أو إجراءات معينة يتم الاستعانة بشخصيات أكاديمية تظهر بوسائل الإعلان لتجميل القرار او الإجراء وتمريره للناس.
توظيف الشعارات وإطلاقها
تعمد شركات الإعلان إلى إطلاق الشعارات القصيرة والهادفة التي تثير رغبة القارئ من خلال صورة او قالب معين تهدف إلى استثارة مشاعر المستهلك وهو أسلوب شائع في الدعايات التجارية او السياسية ويكون عبر استخدام عنوان لكل حملة تخص المنتج من اجل توجيه الرأي العام وعقل المستهلك تجاهه
ومن ذلك مثلا تأكيد أحد أشهر معاجين الأسنان على شعار (النفَس المنعش)، أكثر من التذكير بالهدف الرئيسي من تنظيف الأسنان وهو حمايتها من التسوس، إذ دلت الدراسات التي قام بها المنتجون على أن اهتمام المستهلك ينصب عادة على رائحة الفم الطيبة أكثر من صحة الأسنان. وهكذا يعتمد المعلنون على ربط أهدافهم الإعلانية بأكثر الشعارات جاذبية، وبغض النظر عن مصداقيتها، وصولاً إلى الربط اللاشعوري بين الشعار والمعلن عنه حتى يغدو مجرد تذكر المستهلك لرائحة الفم الطيبة محرضًا تلقائيًا على استحضار صورة ذلك المعجون بالرغم من أن أغلب المعاجين قد تشاركه في هذه الخاصية.
نعم نستطيع “Yes we can” شعار حملة أوباما الانتخابية.
أيضا يتم ذلك في الدعايات السياسية التي يكون السياسي او الحزب مجبرين على إعلان برنامج انتخابي وعنوان لحملتهم الانتخابية ويكون ذلك من خلال عرضهم لعنوان الحملة التي ستربط بين أهدافهم وناخبيهم في تحقيق البرنامج الانتخابي ، حتى و لو لم يكن برنامجه الانتخابي يحتوي على تفاصيل تحقيق هذا الشعار، فإن
النجاح غالبا ما يكون حليف ذلك المرشح الذي ينجح في ربط نفسه بشعار محبب وقريب إلى أذهان الناس.
كما يميل السياسيون لاستخدام الشعارات في حديثهم للجماهير كوعود التنمية والمستقبل الأفضل وأحلام الأجيال القادمة.
خلق مشكلة وتقديم الحل المناسب لها
ينقسم هذا النوع من البروباجندا إلى قسمين الاول يعمد المعلنون إلى طرح مشكلة تواجه فئة من المستهلكين كمثل مشكلة الأمهات مع أطفالهم حديثي الولادة سواء في الطعام أو في العناية الصحية والنظافة.
والقسم الثاني الذي يكون هو الحل للمشكلة التي طرحت من خلال طرح المنتج الذي يحل المشكلة وربطه في ذهن المستهلك.
وتكون هذه الدعاية في المجال السياسي أيضا فعندما تريد السلطة الحاكمة تمرير قرار معين تقوم بإخبار المواطنين بمشكلة ما او التركيز على مشكلة موجودة أصلا وإبراز تأثيراتها على الوضع العام ثم تقدم القرار المنتظر كحل سحرى محدد سلفًا لهذه المشكلة، والمثال الأشهر هو قيام بعض الحكومات بإشعار مواطنيها أنهم واقعون تحت خطر تهديد أمني حقيقي لتبرير استخدام إجراءات قمعية.
إثارة الغرائز
وهو النمط الأكثر شيوعا وانتشارا ورواجا وبه يستغل المعلن مساحة الحرية المتاحة له ضمن النظام العام ويركز هذا النمط على غرائز المستهلك
وتكون السلعة المراد الإعلان عنها صغيره ضمن الإعلان العام الذي يركز على الصور والمشاهد التي تثير غريزة المتلقي
، أو يمتد الأمر لربط الشيء المعلن عنه بغريزة ما كأن يصبح إشباعها متعلقًا بهذا الشيء، ومن ذلك ربط تدخين السجائر بالرجولة، واستخدام بعض العطور بالجاذبية الجنسية وهكذا.
ويكون هذا النوع من الإعلانات الأخطر والأكثر أثرا في حياة المتلقي لأنه يتعلق باستثارة الغرائز من اجل ترويج لسعلة ما ، بل والأنكى من ذلك انه يستخدم الإنسان في الترويج للسعلة مثال استخدام المرأة في هذا النوع من الإعلانات التجارية.
المضامين ذاتها يتم توظيفها سياسيًا، هذه المرة بهدف شغل الجماهير وإلهائها حتى لا تتفرغ لمتابعة الشأن العام، ويتفرع عن هذا النمط استغلال حاجة الناس إلى الترفيه وإغراق وسائل الإعلام بالأفلام والمسلسلات والبرامج الترفيهية.
أسلوب القطيع
وهي نوع يعمد إلى الاعتماد على الغرائز البشرية في توجيه المتلقين إلى الجانب المنتصر ولهذا يستغل المعلنون ميل الجماهير للتفاعل مع الثقافة السائدة في كل شيء حتى في المنتجات التي يستهلكونها، لذا يميل المعلنون لترويج منتجاتهم أنها الأكثر استخدامًا والأكثر شعبية والأكثر تفضيلًا من جهة الناس
وتكون فاعلية هذه الإستراتيجية في جانب السياسة لان السياسيين يحبون أن يظهروا أنفسهم بأنهم معشوقوا الجماهير، كما يميلون لإضفاء صفة الإجماع الشعبي على تصرفاتهم وقراراتهم، وبينما يقوم الإعلام بترويج هذه الصورة التي تجتذب الجماهير ألمترددة تخشى الأقلية المعارضة من مخالفة النمط أو النسق السائد في المجتمع فتضطر إلى ألسكوت الأمر الذي يعرف بـ”نظرية الأقلية الصامتة”.
القولبة والتنميط
تستخدم هذه الخطة بشكل أوضح في الدعاية السياسية، فوسائل الإعلام لم تنجح في شيء كنجاحها في صناعة القوالب والصور النمطية ؛ ذلك لكون المحتوى الإعلامي تعميمي بشكل كبير ويميل لصناعة الأنماط أو القوالب.
والنمطهو مفهوم مستعار من عالم الطباعة ويعنى الصورة طبق الأصل
إذن فالقولبة عملية مخطط لها غالبًا لأجل اختزال صورة شخص أو فئة أو جماعة أو حزب أو شعب، في مجموعة قليلة من السمات قد تكون مغلوطة ويتم استدعاء أحكام الجماهير وردود الأفعال وفقًا لهذا القالب وهذه العملية لا نبالغ إذا قلنا أنها أحد أكبر عمليات الظلم المُمَنهج في التاريخ ويتم استخدامها لترويج أفكار فاشية وعنصرية ضد فئات اجتماعية بعينها.
لكن، كيف تتم صناعة النمط؟ ببساطة عبر صناعة ما يعرف بـ”الارتباط الشَّرطيّ” حيث يتم تكييف النمط أو الصورة أولًا، ثم يتم استدعاؤه إلى الذهن مع كل خبر أو حادثة لهذه الجماعة أو الفئة ومع مرور الوقت وترسخ العلاقة الشَّرطية تقوم الجماهير بصناعة هذا الربط أوتوماتيكيا دون الحاجة لوسائل الإعلام بناء على النمط السلبي الذي استنبطته.
إطلاق تسميات مخادعة أو أقل حدة
تتحكم البروباجندا ووسائل الإعلام في المفاهيم والمصطلحات التي تتداولها وتسعى لتدويلها بين الناس، حيث تتجنب التعرض إلى القضايا التي تكون محط إثارة المجتمع ضدها او عدم تقبلها ولهذا تعمل على بلورتها بلغة مقبولة ومغلفة بحيث يتقبلها المستهلك لاشعوريا بعد مدة من الزمن
على مستوى الإعلانات الاستهلاكية تستخدم هذه التقنية في الترويج للمنتجات التي قد لا تكون مقبولة من النمط الاجتماعي السائد كترويج الخمور في مجتمع يرفضها حيث يتم تسميتها باسم مختلف تلافيًا لردود الأفعال المتوقعة للرأي العام.
سياسيا تستخدم هذه التقنية بشكل موسع حيث يتم تسمية الحرب بـ”نشر الديمقراطية” أو”الحرب على الإرهاب” كما تتم تسمية الهزيمة بـ”النكسة أو الإخفاق”، ويتم تسمية رفع الدعم مثلا بتحرير الاقتصاد.
التوجيه المباشر للإعلان
وهو نوع من أنواع الإعلان المبسط الذي يعتمد على توجيه المتلقي بصورة مباشرة نحو إعلان ما باستخدام عبارات أو صور أو كلمات مباشرة وإلغاء أي خيارات أخرى متاحة ويتم مزج هذا الأسلوب مع طريقة استخدام الشخصيات اللامعة والرموز حتى تكون الأمور أكثر تقبلًا وتستخدم هذه الخطة في المنتجات الاستهلاكية وفي الدعاية الانتخابية حيث تستخدم الشخصيات العامة لأجل توجيه الأمر إلى الجماهير لانتخاب حزب أو شخصية بعينها أو حتى تأييد قرار معين