من يقوم بزيارة مرقد الأمام الحسين عليه السلام يقرأ بكتيب زيارة الأمام نصاً قد كتب منذ أكثر من مائة وخمسون عاماً يتضمن زيارة الأمام ، وأثناء القراءة تصل إلى عبارة ( لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به ) . وحينما تقرأ كتيب زيارة الأمام علي عليه السلام ستجد إن من قام بتأليف نص الزيارة ، وهو ذاته من ألف نص زيارة ولده الشهيد في واقعة ألطف فأنك ستجد أن اللعن يصيب من قتله فقط ولا يصيب الأمة التي ينتمي أليها القاتل لأنه من أمة يراد لها إن لا تلعن كما يشتهي من وراء ذلك وهي (أمة فارس ). أما أمة العرب التي ولدت لنا وحسب عليها يزيد بن معاوية ومن كان معه من المجرمين القاتلين للحسين وأبنائه وصحابته ، فيجب أن تلعن الأمة التي ينتمون أليها وحتى يظل الأمر قائماً ومتواصلاً ، تحول إلى نص ثابت يقرئه كل من يزور مراقد الأئمة الأطهار كان وراء ذلك حسابات تاريخية وسياسية محضة ، ومن الملفت أن ينتبه أحدهم لتلك العبارة فيتوقف عندها ويفلسف دوافعها السياسية والتاريخية . وحينما يتم التعمد بطمس بعض الحقائق التاريخية لنوعية العلاقة الطيبة بين الأمام علي عليه السلام والخليفة عمر بن الخطاب التي توجت بزواج إحدى كريمات الأمام علي للخليفة الثاني ، فلم يأتي هذا الطمس عن غفلة تاريخية غير مقصودة ، وكذلك حينما لا يعرف المسلمون ، وخاصة من الطائفة الشيعية الكريمة ، عن أبناء الأمام علي ومن اللذين قاتلوا بجنب أخيهم الحسين بواقعة كربلاء ، أمثال عمر وأبي بكر ، فيتعجب أحدهم حينما يتفا جيء ،ويسأل هل يعقل أن الأمام علي له أبناء وقد سماهم بأسماء الخلفاء اللذين نلعنهم صباح مساء !! وحينما نرجع لأعلان الأمم المتحدة بخصوص أعدل حاكم في تأريخ البشرية… حينما أصدرت سكرتارية الأمم المتحدة , لجنة حقوق الإنسان , في نيويورك عام 2002 برئاسة أمينها العام كوفي عنان قرارها التاريخي هذا نصه : ‘ يعتبر خليفة المسلمين علي بن أبي طالب أعدل حاكم ظهر في تأريخ البشرية ‘ مستندة بوثائق شملت 160 صفحة باللغة الانكليزية . ولهذا دعت المنظمة العالمية لحقوق الإنسان حكام العالم بالاقتداء بنهجه الإنساني السليم في الحكم المتجلي بروح العدالة الاجتماعية والسلام. من هو الأمام علي هو علي بن أبي طالب , أبوه من عظماء مشايخ قبيلة قريش , وجده عبد المطلب أمير مكة , سيد بني هاشم , وبنو هاشم كما وصفهم الجاحظ : ( هم ملح الأرض وزينة الدنيا والسنام الضخم والطينة البيضاء وينبوع العلم ولباب جوهر كريم ) يرجع نسبه إلى جده الأعلى عدنان بعد تسعة عشر ظهرا .
وفيه يقول الشاعر عبد الباقي العمري: (أنت العلي الذي فوق العلا رفعا ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا ( ولد علي بن أبي طالب في مكة المكرمة داخل البيت الحرام في يوم الجمعة من شهر رجب عام 23 قبل الهجرة , وقد لقبه رسول الله بأبي تراب لكثرة ما كان يسجد على التراب , لكن العمري أجاد في هذا السياق وقال نظما جميلا 🙂 خلق الله أدما من تراب فهو ابن له وأنت ) أبوه السيدة فاطمة الزهراء زوجته , والرسول محمد(ص) ابن عمه , فقد كان علي أمين سره وحافظ أحاديثه ومبلغ رسالاته , وقد اسلم على يده وهو صبي قبل أن تمس قلبه عقيدة سابقة ولازمه وهو لم يزل فتيا يانعا في غدوه ورواحه , في سلمه وحربه حتى تخلق بأخلاقه واتسم بصفاته . فقد تعهده الرسول محمد(ص) منذ مهده , فكان يغسله ويلبسه ويشربه اللبن ويحرك مهده , يحمله على صدره ويطوف به شعاب مكة , فقد طواه بعطفه وحبه وحنانه .ء نشأ علي في البيت الذي خرجت منه الدعوة الإسلامية , حتى تجلت على شخصيته علائم أخلاق الأنبياء , بعد إن تربى في تلك البيئة الزكية للرسول وانطلقت على لسانه روائع الكلام واكتملت رجولته , فبدأ يؤازر ابن عمه , حيث غدا يوم ذاك شيئا من كيانه , نعم شيئا كثيرا من كيان عظيم . يقول المؤرخ العربي توفيق أبو العلم : كان علي بن أبي طالب شخصية خصبة , ذو نهج لامع وفريد في الأدب والبلاغة , وهو الحكيم والخطيب المبين وهو الفارس المقدام وهو البطل الشجاع وهو صاحب الرأي في التصوف والشريعة والأخلاق الذي سبق الجميع في الثقافة الإسلامية . انه كان شديد في الحق , غليظ على الذين ينكرون الحق , وهو مظهر من مظاهر التكامل الإنساني . انه كان لطيف الحس , نقي الجوهر وضّاء النفس , عارف بمهمات الأمور إصدارا وإيرادا . بعد أن انتخب المسلمون الأمام علي في مسجد المدينة المنورة خليفة للمسلمين عام 651 للميلاد بدأ بتطبيق برنامجه الإصلاحي في إشاعة سياسة العدل والمساواة بين أبناء الأمة الإسلامية بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم ولغتهم ولون بشرتهم واتجاهاتهم السياسية والاجتماعية . كما طلب إلى الولاة أن يكونوا رحماء مع رعاياهم. عندما اطلع الكاتب الأمريكي المعاصر الشهير ميشيل هاملتون مورغان على التعليمات الإدارية التي أصدرها الخليفة الأمام علي إلى واليه على مصر مالك الأشتر عام 656 للميلاد يحثه فيها على معاملة المواطنين من أهل الذمة من غير المسلمين بالبر والإحسان مؤكدا على ضرورة مساواة اليهود والنصارى بالمسلمين في الحقوق والواجبات , ابدي إعجابه الفائق بالسياسة الحكيمة للأمام علي , معتبرا ذلك انعكاسا صادقا لسلوكيات هذا الأمام المؤطرة بمكارم الأخلاق التي أهلته للدخول في تاريخ الإنسانية من أبوابها العريضة . حقا إن الأمام علي قد انتهج في إدارته للخلافة الإسلامية سياسة المسامحة واللين على هامش مكارم الأخلاق , فكان لا يقتل الأسرى ولا يعذبهم بل كان يعفو عنهم ثم يخضعهم إلى دروس تهذيبية , لتصقل عاداتهم المنحرفة , مما كان يعني لهم كل هذا محفزا للانضمام إلى جيش المسلمين يخبرنا الباحث العراقي هادي العلوي من بكين في الصين إن الرئيس الصيني ماو تسي تونغ قد استرشد بإستراتيجية خليفة المسلمين علي بن أبي طالب عام 656 م , إي قبل أكثر من 1300 سنة أثناء حرب التحرير الشهيرة عام 1947 , بعد إن رآها مفعمة بالدرس البليغ
والرؤيا المتبصرة التي يتقدم فيها سلطان العقل ويضع أمام النزعة العسكرية معالما تحول دون الانخراط في القوة المتهورة . فكان الخليفة علي في نظره نموذجا ساطعا للحنكة الرائدة ملما بعلوم التعبئة الحربية , لهذا قرر القائد الصيني تطبيق خطة الأمام علي على ارض الواقع التي أدت بالنتيجة إلى تحقيق النصر . وفي تصريح للكاتب اللبناني الشهير ميخائيل نعيمه في حق الأمام علي يقول : إن علي ابن أبي طالب كان من عظماء البشر , أنبتته الأرض العربية التي فجرت الدعوة الإسلامية في شخصه ينبوعا من المواهب , ولم يكن الأمام علي مجرد بطل في ميادين الحرب فحسب , بل إنما كان بطل في صفاء البصيرة وطهارة الوجدان وسر البيان وعمق الإنسانية وحرارة الأيمان ومكارم الأخلاق , وانه ليستحيل على مؤرخ مهما بلغ من الفطنة أن يكون قادرا على وصف شخصية عظيمة من معيار الأمام علي حتى لو كتب إلف صفحة , ذلك العملاق الذي لم تسمعه إذن ولم تبصره عين من قبل . وفي الختام ، كان الأمام علي صاحب رسالة إنسانية خالدة انبثقت من معين جوهر مكارم الأخلاق ولهذا بقى ذكره الحسن كالشعاع المنير يضيء درب العدالة والإصلاح للبشرية جمعاء ماضيا وحاضرا ومستقبلا. ولكن حينما نشعر ونلمس أن من تكالب على تشويه التأريخ وخلط الحقائق كي يتم استغفال عقول الناس عبر التأريخ حتى ينقسم المسلمون على أنفسهم إلى فسطاطين ، ليس سنة وشيعة ، بل إلى مسلمون وخوارج ، ومن يرغب ويحرص بالتدقيق في التدخل الغربي وعلى رأسه الآلة البريطانية الأستخباراتية ونفسها الطويل مدفوعة من الماسونية العالمية حيث صنعت وولدت لنا وهابية تشوه الطائفة السنية الكريمة وتنتج لنا مسلمون لا نعرفهم ولا ينتمون لهذا الدين الحنيف ، ويقابلها صفوية فارسية متغلغلة بالحقد الأسود ، تشوه تأريخ أل بيت رسول الله عليهم السلام والصحابة الأبرار ، فتدس الأكاذيب وتتلاعب بالحقائق حتى صنعت جيلاً من المتخلفين والتابعين بلا وعي أو عقل .