ماأن انتهى العد العكسي لساعة الصفر للانتخابات التشريعية، حتى بدأ عد عكسي آخر لساعة صفر أخرى بإنتظار عقد أول جلسة برلمانية جديدة، والعيون ترقب تلك اللحظة أيضا بفارغ الصبر، والتي تمثل نقلة حاسمة في تاريخ تطور نظام الحكم في العراق ومستقبل العراقيين جميعا، والتي لاتقل أهمية وحسما عن حالة الانتخابات ذاتها، كما ونرقب ساعة صفر أخرى قد تكون هي الأهم والأشد حسما من بين جميع حلقات ساعات الصفر التي جربناها.
ولكننا نرجوا ونأمل أن تبشر تلك الساعة بولادة وإنبثاق حكومة جديدة تسابق الأيام وساعات الإنتظار، علها تعد كواحدة من ثمرات المشهد السياسي العراقي التي طالما انتظرها العراقيون بمرات سابقة، وبقدر همة الحكومة الجديدة فأن تحقيق أمانيهم ومبتغياتهم الأمنية والانسانية والاجتماعية والثقافية تبقى مرهونة بمقدار تلك الهمة وبشكل مضطرد، وإن هذا الأمر ربما سيشق عليهم بسبب طول الانتظار الذي سيكون سببا مباشرا لشقاءهم وبعثرة تطلعاتهم وعرقلة أعمالهم وأعمال الدولة قاطبة.
ولنقف قليلا على حالة الأمن والسلم الأهلي، ذلك المفصل الذي يعتبر من أهم مفاصل مشروع الحكومة القادمة، وإستتباب الأمن يعد من أهم المرادات التي تبريء كلوم العراقيين جميعا، ويحقق هدفهم المبتغى الذي راهن عليه الناخب العراقي ودفع ثمنه باغلى واعلى الاثمان، وهو الفيصل والمهماز الذي يؤشر ويدل على هوية العراق كدولة حاضرة وحكومة سديدة وشعبا آمنا وواعيا، والمؤشر الدقيق الذي يؤشر على مدى نجاح أو فشل مؤسسات الدولة والحكومة قاطبة.
والأمن في مرحلة مابعد تشكيل الحكومة بعد بمثابة عقدة التقاطعات والتفاعلات وجميع الفعاليات المرتبطة ببشؤون الناس على كافة الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية، التي يثبت العراق من خلالها للناخب وللمواطن ولجميع العالم أنه بلد مقتدر وقوي يستطيع أن يستعيد عافيته ويستجلب أسباب الأمن والحياة والسلام في آي لحظة ان خلصت نوايا الشركاء، ويستثمر بما حباه الله من خيرات وثروات طبيعية وبشرية إيما استثمار، وتوظف ريوعها لدعم الجانب الاقتصادي والتنموي والإنساني ونحو البناء والاعمار والتنمية وصناعة الإنسان العراقي وترميم أعرافه التي تهرأت بفعل التطبيق الخاطيء للديموقراطية وسنائخها وبفعل مخلفات الماضي القريب التي خلفها نظام الصنم المنهار.
وللأمن علاقة وطيدة باستقرار البلد ديبلوماسيا، تلك العلاقة التي تلقي بظلالها على تحسين العلاقات العامة للعراق مع العالم الخارجي والتفاعل بشكل بناء وفاعل مع بقية دول العالم من النواحي الأخرى التجارية والبروتوكولية والاستثمارية دون أي تدخل اقليمي أو دولي بخصوصيات هذا البلد العريق الذي مازال يعاني من جراحات الماضي والماضي القريب والحاضر، سيما وأن الارهاب المتمثل بالقاعدة وداعش قد أخذا منه مأخذا لايحسد عليه، فضلا عن أنهما يمثلان الوجه السلفي الدوغمائي الكالح الذي عبث بأمن البلد واستنزف طاقاته البشرية والاقتصادية، إذ مازال يحضى-أي الارهاب- بدعم داخلي”أتاواتي” ودعم لوجستي ومالي واعلامي اقليمي تركي سعودي قطري، فعلى الحكومة القادمة أن تقف بوجه الوجود الارهابي بكل ماأوتيت من قوة من خلال دعم القوات المسلحة والقوات الأمنية والشرطوية الباسلات وتطهيرهن من العناصر المشبوهة، وأن تضع آليات جديدة لانتهاج خطط وإستراتيجيات حديثة للقضاء عليه قضاءا مبرما وتاما وتجفيف منابعه بالطرق المتبعة في الدول المتطورة والتي سبقتنا في هذا المضمار والتي غفلت عنها الحكومات السابقة بسبب التجاذبات السياسية والمعرقلات الطائفية والمجتمعية والخرق الأمني والمهني والمحاصصاتي ، كما ولاشك أن للأمن وإستتبابه يعتبر من أهم أسباب نجاح الحكومة وفشلها كما أسلفنا، “لذلك، نتمنى ان تفكر الحكومة القادمة بطريقة أخرى مغايرة ومتطورة تؤمن فيها جميع أسباب القوة والتطور التيكنولوجي العسكري والمعلوماتي من خلال تبادل الخبرات العالمية واستعمال الآليات والأدوات العالية الجودة والاداء للمساعدة في ضمان الانذار المبكر والإستمكان القريب والبعيد، ودعم العمليات العسكرية اللوجستية والاستطلاع وعمليات التعرض الإستباقية دفاعا وهجوما، والحرص في جعل كفة التفوق لصالح القوات المسلحة في حربها على الارهاب بشكل دائمي وفي جميع الأحوال والظروف إذا أردنا القضاء عليه بنية صادقة وحاسمة، كما أن لحالة رسم الخطط الفعالة والسرية والممارسات الفعلية لتلك الوحدات له اثر كبير لرجحان تلك الكفة للحد الذي يفوق حسابات العدو وتوقعاته وطرق تفكيره الضيقة ومحاضر اجنداته، والا فان استنزاف الدم العراقي سيستمر في تلك المناطق، وربما ينتقل الى مناطق اخرى محاذية لساحات الصراع لاسامح الله”.
أما المطلب الآخر الذي يقع على عاتق الحكومة المقبلة في مرحلة لاتقل أهمية عن مرحلة تحقيق الأمن، هو كيف أن ننهض بالبلد اداريا من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ بدءا من شخوص رئاسة الوزراء نزولا لأصغر موظف في الحكومة والدولة، والقضاء المبرم والتام على الفساد -الوجه الثاني للارهاب- من مبدأ “من أين لك هذا”، وهذه القضية يجب أن تكون هي “أس” مشروع الحكومة الجديدة إذا إرادت النهوض بالعراق واحترام إسمه الاصيل على أنه”بلد وادي الرافدين، وبلد الحضارات والمقدسات”، واحترام ارادة ناخبيه ودماء شهداءه التي سالت على ترابه الطاهر ومازالت تسيل، وأن جميع الوظائف الادارية والأمنية في الدولة والحكومة في الظروف التي يمر بها العراق الآن يجب أن تتناسب مع قدرات الاشخاص وخبراتهم الأكاديمية والمهنية المعتمدة عالميا أثناء النظر في التوظيف وأشغال المناصب، كما ويجب إعادة النظر في جميع مناصب الاشخاص وفق المبدأ الآنف -وضع الرجل المناسب في المكان المناسب- وقد أصبح هذا مطلبا جماهيريا وانتخابيا ووطنيا وانسانيا وقانونيا وثقافيا وحضاريا، بغض النظر عن الاتجاهات الفئوية والاثنية والحزبية والعشائرية والمحسوبية والمنسوبية.
و”أس” آخر مامن شأنه أن يكون فاعلا ومؤثرا في قوة وسيادة الحكومة وتقويم ادائها الوظيفي، هو التمييز بين المعارضة الهادفة وبين المقاومة السرية المحسوبة على الحكومة بفعل نظام المحاصصات، والتي تنتهج الطابع التسليحي في الخفاء لعرقلة اداء الحكومة وأفشالها أو على الأقل احباطها، والقيام بالاشراف -أي المقاومة السرية المندسة في البرلمان وبعض مؤسسات الدولة- على أعمال معلوماتية وإرهابية على شاكلة أعمال القاعدة وداعش، وكذلك القيام بالأدوار التعطيلية لعمل البرلمان والحكومة على حد سواء بانتهاج أساليبا استفزازية وحروبا كلامية وتزييف الحقائق، كما أن سياسية التشويش والتسقيط وعرقلة الأجراءات القانونية والوظيفية باتت هي السنخة السائدة قي عمل أولئك المغرضين والمحسوبين على صفوف المعارضة، والمحسوبين على سلة أصحاب القرار والشأن في الدولة العراقية، والعبر المستلهمة خير دليل على ذلك.
والمعارضة سلطة تشريعية وطينة منتخبة لابأس بها، خاصة إذا اجتهدت بمراقبة أداء الحكومة، وتقويم سلوكها بشكل تجردي ونزيه في دولة المؤسسات والنظم الديموقراطية تحت قبة البرلمان، ولكن الأمر شتان بين أن تكون معارضة وطنية أو أن تكون مقاومة سرية مسلحة ترتدي عباءة المعارضة البرلمانية، وتتخذ من نفسها جهة فئوية عدائية للحكومة تتحين الفرص والتصيد بالماء العكر لخلط الأوراق وعرقلة دور الحكومة والبرلمان والدولة بأكملها ويكون جل اهتمامها بابتكار طرق خبيثة وحثيثة للتفنن باختلاق الهفوات لغرض أشغال الحكومة وتعطيلها عن اداء واجباتها، ماتضطر الحكومة لأن تنشغل وتلتهي بكف الاذى عن نفسها من ابواق تلك المعارضة المعادية، ومن هذا المنطلق يجب على المعارضة إن إرادت أن تكون معارضة وطنية “بحق وحقيقي” أن تأخذ دورها في الشراكة الوطنية ومؤهلاتها تحت قبة البرلمان كمعارضة وطنية مخلصة، لامعارضة شغب تسعى لنشر الفوضى والانتقام والحيث والتسقيط وعرقلة اصدار القرارات المتعلقة بحقوق المواطن ورفاهية الشعب ومصلحة الوطن العليا، وتؤسس لنفسها الفوز في الدورات اللاحقة لتأخذ دور الحكومة من خلال حسن الاداء والسلوك الذي يرقبه الناخب العراقي، ومن خلال إعادة النظر بدورها الضغائني المرفوض من قبل الجميع والذي لايرضاه العقل ولا يقبله المنطق، وعليها أن تحسب كذلك للناخب العراقي ألف حساب وعدم اغفال وتناسي دوره في العملية السياسية، وعليها أن تحترم ارادته ووطنيته وانسانيته في التغيير واتخاذ القرار المناسب بحقها باعتباره السلطة العليا في البلد لتغيير الارادات من خلال اثبات حسن السلوك وحسن الاداء كما أسلفنا واحترام الثوابت والمسلمات واحترام المواطن والرأي العام.
نسأل الله الهداية والتوفيق للجميع.
“ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام.”