بسمه تعالى:(يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
عندما يسود ويعم الظلم في مجتمع ما،ويطغى الطغاة فيه فيتخذون الناس عبيداً لهم،وافراد ذلك المجتمع كجثة هامدة لا يحركون ساكناً، غالباً ما ينتفض رجل من بينهم،يبعث الروح لتلك الجثة،مطالباً:(بالاصلاح، والعدالة، والحرية،والمساواة،والاستقلال)، هكذا يقصّ علينا القرآن،والتاريخ أيضاً.
مهما كانت الدوافع مختلفة بين الثائرين،فبالنتيجة يتوحدون على هدف يكون عاملاً مشتركاٍ بينهم،هو الثورة ضد الواقع السيئ، ومحاولة تغييره،وبطبيعة الحال ستكون هناك مواجهة بينهم وبين الطغمة الظالمة الحاكمة،الذين تخشى زوال ملكها،وفقدان المكانة الاجتماعية.
الزمرة الحاكمة دائما ما تكون ردة الفعل منها قوية وقاسية جداً، اتجاه معارضيها فتستخدم كل الوسائل والطرق في سبيل تصفيتهم والقضاء عليهم،وتختلف هذه الادوات والوسائل باختلاف الاشخاص الحاكمين، وباختلاف الوقت والزمن.
النماذج كثيرة للمصلحين والثائرين، ويكفي بالقرآن قصص وعبرة لمن أعتبر به،كقصة النبي ابراهيم وموسى عليهما السلام،وقصة اصحاب الكهف، ولكي لا نذهب بعيدا نأخذ بعض النماذج من تاريخنا المعاصر بشكل موجز.
في 1973م، أنتخب”سلفادور الليندي” رئيساً لدولة تشيلي،وهو أول رئيس شيوعي،وبعد ساعات من أنتخابه انقلب عليه الجيش بقيادة بينوشيه،وأعتقل الآلآف من أنصاره،وكان من ضمنهم الموسيقار والمغني الشهير” فيكتور خارا”،الذي كان يحثّ الجماهير لإنتخاب الليندي،من خلال أغنيته التي اشتهرت “سننتصر”،وفي المعتقل قضى وقته بالغناء الثوري،ليرفع من معنويات رفاقه،وحثهم على الصبر وعدم الاستسلام.
القائمين على اعتقاله،هشّموا أصابعه، ومن ثمّ أعطوه غيتاراً،وقالو له غني الآن،سخرية به،فغنى اغنية الأنتخابات “سننتصر”،بعد ذلك قاموا باعدامه ب”استاد تشيلي”،ولكن هذا المكان الذي اعدم فيه اصبح اسمه” استاد فيكتور خارا”فخلّد الرجل بسبب موقفه هذا واصبح رمزاً من الرموز اللاتينية اليسارية!!
نموذج آخر، هو غيفارا أو “جيفارا” الطبيب الأرجنتيني الماركسي، من أشهر الثوار في العالم،عندما رأى الفقر والحرمان متفشياً في بلدان أمريكا الجنوبية،تأثر جدا فلم يجد سوى الثورة المسلحة لحل هذه المشكلة، ثم تعرف لكاستروا وانظم لحركته واطاحا بالنظام الكوبي،واستمر في نشر الثورة بالعالم،الى ان ذهب الى بوليفيا فأعتقل من قبل الجيش البوليفي ثم تم اعدامه بالرصاص.
الشهيد آية الله،محمد باقر الحكيم “رض”،أعظم شأناً وأرفع منزلة من غيفارا،وفيكتور خارا،بل لا يقاسا به، فمسيرته الجهادية والنضالية والعلمية طافحة وزاخرة،وقد أمتدحه وأثنى عليه المؤالف والمخالف، الاّ من كان أعمى أو في قلبه مرض.
شهيد المحراب”قده”،هو أول شخصية عراقية،تعلن عن أسمها عبر الصحف والاذاعات وصلاة الجمعة في طهران، عن تصديها لمواجهة النظام البعثي في بغداد،في حين كانوا اخوته وبني عمومته واقاربه مازالوا يسكنون في النجف الأشرف.
صدام المقبور،أرسل-وتحت التهديد- الى السيد باقر الحكيم،أخيه السيد محمد حسين الحكيم، وطلب منه ترك معارضته ومواجهته،وإلاّ قتل آل الحكيم بأجمعهم،فما كان من جواب السيد باقر الحكيم:أرجع يا أخي وقل له:(هيهات منا الذلة يأبى الله…).
كانت ردة فعل الطاغية صدام”لعنه الله”،ان قام في ليلة واحدة بإعتقال 70 شخصاً من أسرة آل الحكيم،أغلبهم أعدمهم النظام المقبور،فوصل عدد شهدائهم الى 63 شهيدا أضافة الى شهيد المحراب رضوان الله عليه.
فهل يوجد ثائر أو معارض في العالم، أعطى هذا الكم الهائل من الشهداء من أسرته؟!،وياليته أقتصر على ذلك فقد أعطى شبابه،وصحته،فسجن وعذّب وشرّد،ألا يستحق هذا الرجل منا أن نخلده ونستذكر مسيرته كل عام؟ ألا يستحق أن يكون رمزاً للشيهد العراقي؟فوالله أنه لشيء قليل بحقه!!
لكن مع الآسف حين نرى تلك الأصوات النافقة،والمالقة،والناشزة،تريد الحط من قيمة هذا الرجل العظيم، وهيهات يكون ذلك،فما قام به الشهيد الراحل كان من أجل مرضاة الله،ومن أجل الوطن والإنسانية، وأما الزبد فيذهب جفاء،وأما ما ينفع الناس فيمكث.