23 ديسمبر، 2024 3:08 م

أسماء الوجه أسماك الطاروف…في(ساق البامبو) للروائي سعود السنعوسي

أسماء الوجه أسماك الطاروف…في(ساق البامبو) للروائي سعود السنعوسي

الى .: نحّات رواية (طيور التاجي): الروائي اسماعيل فهد اسماعيل
(*)
المفتاح الاول الذي تسلمته قراءتي المنتجة للرواية ، كان بصيغة هدب من أهداب النص – حسب جيرار جينيت – (علاقتك بالأشياء مرهونة بمدى فهمك لها ) هذا المفتاح من صياغة الروائي اسماعيل فهد إسماعيل …مؤلف البامبو ثبّت اسم الصائغ الامهر تحت المقتبس/ المفتاح..هنا يستعين مؤلف البامبو بمؤلف له ظله الروائي والثقافي في الكويت والوطن العربي ، روائي منشغل بالهم الاجتماعي العربي روائيا، دارت احداث رباعيته الاولى في البصرة وثلاثيته تدفقت في النيل ، وسباعيته عن غزو دولة الكويت وله غير ذلك وهناك مساهماته في الدراسات النقدية ، وله مجموعات قصصية ومسرحية..والمقتبس المقترض من الروائي اسماعيل فهد: نتاج تجارب شخصية وليست تجربة قراءات في تجارب الآخرين…وله في (ساق البامبو) حضور وامض داخل النص ،كمناضل انخرط مع راشد في المقاومة الكويتية..المقتبس من الروائي اسماعيل ، لن يلتقطه عيسى وهو داخل النص، ستلتقط مفتاح المقتبس الشخصية المثقفة النسوية السوية الخالية من التجاعيد الاجتماعية خولة راشد وبكل رفق تسكب بلسم الفهم في الجرح النرجسي لأخيها عيسى راشد، وبالطريقة هذه تشيّد خولة اتصالية بين الموضوعي/ الذاتي..اتصالية تجسير تردم الهوة وتخلّص ذات عيسى من مكائد اليوتوبيا الموهومة التي زرعتها امه جوزافين التي صورت له الكويت جنة تنتظر قدومه أو أوبته اليها..

(*)

مع الصفحة السابعة وهي من عتبات النص ،يتشوش التلقي لدى القارىء وهو يرى ان الاسم الاول في الصفحة هو (هوزية ميندوزا ) بصفته مؤلف للرواية لكن غلاف الرواية يثبّت (سعود السنعوسي) مؤلف الرواية، وكقارىء يحيلني اللقب الى شخصية أعلامية كويتية كبيرة (محمد السنعوسي) كانت له طلة مشرقة من تلفزيون الكويت في سنوات شاشة الأبيض والأسود

(*)

أراني أمام سيرة ذاتية بأسلوب روائي وثمة انزياح خلاّق بخصوص العلاقة مع الآخر المختلف عنا وهذا هو ضوء الفضاء الروائي وعتمته ايضاً، روائيا نحن مع طراز آخر، ليس لدينا عصفور توفيق الحكيم من الشرق، بل مايجاور(جانين ميترو) في رواية سهيل أدريس (الحي اللاتيني)..( لهذا السبب رضينا بنتائجه وتحملناها بداية. أما في مابعد..أعترف بأنني لم أحتمل، لأحملك بكل ضعف المسؤولية بالكامل /72) هذا مايعترف به راشد الطاروف في أحدى رسائله لزوجته الخادمة الفلبينية جوازفين..

(*)

اليوتوبيا التي شيدتها الام الفلبينية لولدها الكويتي ،حطمها الظل الاجتماعي للأرستقراطية الكويتية / الطاروف ،وقبل ذلك حطمت الهيمنة المتريركية / ماما غنيمة : العائلة الجديدة المتكونة من ابنها راشد الكويتي وجوزافين الخادمة الفلبينية..وبين قوسيّ الحطام عاش الولد الكويتي / المثنوي في كل شيء

(مَن كان بوسعه أن يقبل بأن يكون له أكثر من أم سوى من تاه في أكثر من ..أسم..أكثرمن… أكثر من..دين؟!../102) واليكم بعض مثنويات تطارده كلعنة :

*كويت – فلبين

*إسلام / مسيحية

*أب كويتي/ أم فلبينية

*أب ثري/ ام كادحة

* / ماما آيد / ماما غنيمة..

(*)

في الصفحة الاولى من الرواية /ص17 ينتظرنا على عتبة السطر الاول / الراوي المشارك في الحدث ويقدم لنا نفسه، والاصح يلقي بين أيدينا خلية السرد الموقوتة، والتي كلما فعّلنا القراءة ستتشظى هذه الخلية لتشيّد الفضاء الروائي ..(أسميjose،هكذا يُكتب. ننطقه في الفلبين، كما في الانكليزية، هوزية . وفي العربية يصبح كما في الإسبانية خوسيه . وفي البرتغالية بالحروف ذاتها يُكتب ولكنه يُنطق جوزية. أما هنا، في الكويت، فلا شأن لكل تلك الأسماء باسمي حيث هو..عيسى !)..لكن اسم عيسى كما ينطق بالفلبيني، Isa يتحول الى رقم ويتحول المنادى الى طرُفة..يرى الراوي المشارك بالحدث ان امه اطلقت اسم خوزية..(تيمنا ب خوسية ريزال بطل الفلبين القومي الطبيب والروائي الذي ماكان للشعب ان يثور لطرد المحتل الإسياني لولاه، وإن جاءت تلك الثورة بعد إعدامه…/ 17) إذا الاسم الذي يحمل بطل الرواية، هو اسم بطل تحرير الفلبين ،لكن الثوار لم يحذفوا اسم المستعمر الذي اطلقه على بلادهم..(وبقي اسم بلادنا كما أطلقوا عليه الفلبين، نسبة الى ملكهم فيليب الثاني…/281)

(*)

حين يخبرنا الراوي..(فمشكلتي ليست في الاسماء بل بما يختفي وراءها../17) نحن هنا امام شفرة مغلقة ، ومفتاح ماما غنيمة مثنوي المعنى..(عيسى راشد عيسى الطاروف ، أسم يجلب الشرف…وجه يجلب العار. أنا عيسى ابن الشهيد راشد..وفي الوقت نفسه أنا…عيسى ابن الخادمة الفلبينية..!/214)

(*)

لوكان عيسى قد انجبتهُ موظفة لبنانية جميلة هل كان وجه عيسى يجلب العار؟ هل سبب العار انتماء الولد للشعوب المقهورة ذات الاقتصاد المتخلف ،هذه الشعوب التي تصّدر (حثالة البروليتاريا)..وهذا التصدير بدوره يكون التعامل معه وفق المفهوم البضائعي الصالح للأستعمال لمرة واحدة..(تتحول الفتيات هناك الى مناديل ورقية ،يتمخط بها الرجال الغرباء ويرحلون..ثم تنبت في تلك المناديل كائنات

مجهول الآباء…/18)..وثمة تساؤل لوكان عيسى بنتا انجبته الفلبينية من الكويتي، هل تفعلّت اشكالية هذه الاشكالية المحتدمة؟ وأقترض تساؤل ابن الشهيد راشد الطاروف..(لوجاءت خولة ذكرا؟ يحمل الأسم ذاته عيسى ،اسم جده، يحمل لقب العائلة الذي اوشك على الانقراض، يهبه الى ذريته، يتكاثرون ، ويصبحون امتدادا لأجيال حملت الاسم ذاته قبل سنوات../215).. اذاً المهم في عيسى، هو ذكورية السلالة الدائمة..غير ذلك لايفيد العائلة فهو كما شخصّت ماما غنيمة: اسم يجلب الشرف / وجه يجلب العار.. وهذه المثنوية تخفي خلفها مثنويات متراكبة وحسب عيسى/ خوزية. هذه جناية الوالدين.(لو انهما أتفقا على شيء واحد..شيء واحد فقط..بدلا من أن يتركاني وحيدا اتخبط في طريق طويلة باحثا عن هوية واضحة الملامح..اسم واحد التفت لمن يناديني به..وطن واحد أولد به أحفظ نشيده ، وأرسم على أشجاره وشوارعه ذكرياتي قبل ان ارقد مطمئنا في ترابه.. دين واحد أؤمن به بدلا من تنصيب نفسي نبيا لدين لايخص أحدا سواي../63)..راهن راشد على الزمن فخذله الزمن ،اذ تزامنت زيارته لأمه وهو يحمل ولده البكر مع زيارة نسوية ارستقراطية لخطوبة احدى شقيقاته ، فغادر عيسى البيت من الباب الخلفي..وخذله الزمن في المرة الثانية / الأخيرة وكان الخذلان مسلحا بغزو دولة الكويت..فأستشهد راشد في احدى عمليات المقاومة الكويتية، ثم استعاده الروائي /المشارك في المقاومة اسماعيل فهد اسماعيل في سباعيته الروائية..(أحداثيات زمن العزلة)

(*)

في البدء تكون للأسم مؤثريته السالبة..(كنت انزعج من سماع اسم راشد الذي ماتوقفت أمي عن ذكره أمامي../71) فالسماع ينتزع قشرة لم تتيبس بعد من جرح في ابن راشد الطاروف ..وبسبب المنادى، يتمنى المنادى عليه ان يكون بلا اسم..(أنا الذي أتوق لأسم حقيقي – أتمنى ان اكون بلا اسم مع جدي فقط…لأن ترديد اسمي على لسان ميندوزا لابد ان يعقبه : املأ وعاء الديوك..نظّف الحظيرة..أحمل بقايا الطعام…تسلّق شجرة المانجو وأقطف…قم بتسخين الزيت واتبعني…/106)..ويكون لإسم عيسى مؤثرية سالبة وهو يقرأ رسائل والده (أكره اسم عيسى../72) فهو لايكره الاسم، بل ذاكرة الاسم بالنسبة له وحده..وسيكون لأسمه الفلبيني مؤثرية موجبة..(واصلت القراءة . بعد ان دفعني (هوزية) اسمي الذي احببت لمواصلة القراءة…/72) وهناك وهم التسمية، تصورها راشد ستكون مفتاح باب بيت امه..(كنت أملك كما حسبت مفتاحا آخر أفتح بواسطته قلبها مفتاح اسمه عيسى…/72)..وهم الأب متعلق بأحياء اسم الاب الاكبر (عيسى) جعل من ابنه سمي ابيه ليكون الامتدادا مثنويا بالتسمية..وحين يعود الابن مع امه الى الفلبين ،سيكون الحفيد ابن جده تسمويا(نُسبت ُ اليه اسميا لأصبح هوزية ميندوزا وميندوزا هو الاسم الاخير لجدي…/55) ..اصبح للولد اسماء كثيرة لكنها لاتغيير من هوية الوجه..(تبا لهذا الوجه. تعددت اسمائي وبقي وجهي صامدا كما هو يثير دهشة الناس من حولي../252)..الولد صارت له مؤثرية على اسماء بيت الطاروف فالعمة (هند) الناشطة المعروفة في حقوق الانسان ترى مصداقيتها مرتهنة باسمها (مصداقيتي امام الناس على المحك.. واسمي كذلك../223) والسؤال هنا لو لم يباهل عيسى راشد امام اصحابه بذكر اسمها مشفوعا بأنتسابه لها

(هند الطاروف عمتي/ 365) ثم يفصّل الامر بأختصار..(هند عيسى الطاروف..شقيقة راشد عيسى الطاروف..أبي) هنا يفعّل عيسى الاتصالية التسموية لصالحه هو ليبلسم جرحه النرجسي وفي هذه اللحظة ايضا يهتز بيت الطاروف ويستقوي بكل مالديه من صلاحيات وطنية ضد عيسى ..ويبقى

عيسى للأسف على جهله السياسي وهو يرد على عمتيه وهما تقتحمان عليه سكنه..(الكويت…ليست بيت الطاروف../370)..أعود للسؤال..لو لم يباهل عيسى ..هل ستحتمل عائلة الطاروف وجوده ؟

ليس السبب ان الكويت صغيرة كما يتردد هذا الكلام في الرواية ، بل لأنها..(أصبحت بحجم علبة ثقاب..لم أكن أحد أعوادها…/383) انها اشكالية انتساب بإنزياح على مقياس رختر..

سؤال آخر لو لم يستشهد راشد الطاروف دفاعا عن الوطن ،هل سيكون هذا كلام هند؟ اعني هل تستطيع مواجهة شقيقها بذلك؟ ام شقيقها بدوره سيفضل بقاء ولده هناك لدى امه..؟

(*)

ماما غنيمة تحوّر الاسماء وفق مزاجها ، جوزافين ستكون جوزا والخادمة لوز فيميندا سيكون اسمها لوزا (ولاكشمي ايضا، لم يعجب السيدة العجوز…/241) فصار اسمها ميري …الاسماء هنا تتغير وفق سلطة البيت الذي بيده الابقاء / التسفير للخدم

(*)

تعددت اسماء عيسى راشد الطاروف..وقذفته عمته عواطف بشتيمة فقهية (أبن الزنا..يُنسب لأمه..)

ثم( تدخلت نورية : على ذلك..أنت عيسى جوزافين /372)..وحسب عيسى..(يالكثرة اسمائي .أما آن الآوان للاستقرار على احدها)..

(*)

الأسم يفعّل قيوده في المسمّى ، للأسم ظله الاجتماعي وقيوده ايضا وحسب خولة راشد ..(كل المميزات التي يمنحها اسم العائلة لأفرادها أمام الغير ماهي، في الحقيقة ، إلاّ قيود وقائمة طويلة من الممنوعات/ 348)..ثم تخبره عن معنى الاسم وكيف تفعّل المعنى في حيوات افراد العائلة..(الطاروف شبكة يستخدمها الكويتيون لصيد السمك .تُثّبت في البحر كشبكة كرة الطائرة تعلق فيها الاسماك الكبيرة عند المرور بها. ونحن أفراد العائلة ،عالقون بهذا الطاروف ، عالقون باسم عائلتنا، لانستطيع تحرير أنفسنا منه، ليس باستطاعتنا الحركة إلا بمقدار ماتسمح لنا به هذه الشبكة../ 349) قامت خولة هنا بإرجاع الأجتماعي الى الاقتصادي وتحديدا الى وسيلة انتاج بحرية بدائية ، وأنعكس الظل الاجتماعي لهذه الاداة في..مبادىء الضبط الاجتماعي المتراكمة عفويا..وحين تشتعل الخلافات في بيت الطاروف يسأل عيسى اخته خولة : من السبب في كل تلك المشاكل ؟ بابا غسان ؟ انا.؟ تجيبه ُ خولة السبب هو(الطاروف./ 381) وهكذا عاد الاسم من الاجتماعي الى الاقتصادي الى الفخ البحري، لتعلق به السمكة القرش نورية الحانقة على هند بسبب تصريحها وخسارتها في الانتخابات..نورية السمكة القرش التي كانت وراء فصل عيسى ابن شقيقها من عمله..نورية التي ترقض اي قسيم لأسم عيسى مع ولدها..فكيف اذا كان عيسى راشد ، ابن الخادمة الفلبينية ؟

(*)

ثأر عيسى لأسمه بأسلوب روائي ، اعانه على ذلك المترجم الفلبيني المقيم في الكويت إبراهيم سلام واعانت المترجم والمؤلف مثقفة كويتية من أب وام كويتيين : خولة راشد..

*المقالة منشورة /صحيفة الزمان / ا/ أيلول /2015

*سعود السنعوسي / ساق البامبو/ الدار العربية للعلوم ناشرون/ بيروت /الطبعة السادسة / 2013