نشأ خلاف بسيط بين اثنين من أصحاب “البسطيات” على المنطقة المحجوزة لكل منهما، وانطلقت كلمة من هنا، واخرى من هناك ، وشتيمة من هنا، واخرى من هناك فتوقع الموجودون ان يبصق أحد المتشاجرين على الآخر أو يتشاجرا بالأيدي في اسوأ الاحوال، لكن ما لم يتوقعه احد هو انسحاب احدهما فجأة من ساحة المعركة ثم عودته اليها وهو يحمل ( قامة) – وهو نوع من السلاح الابيض الفتاك – ، وانطلاق الآخر بسرعة الريح إلى محل صديق له ليجلب سلاحاً مضاداً وتبدأ معركة حقيقية تشبه معارك شقاوات ايام زمان لم يوقفها الا تدخل بعض الناس و “خواطر” البعض الاخر وكان ان حقنت الدماء وحسمت القضية لصالح الموجودين الذين لم يجدوا في مسألة الخلاف على اماكن (البسطيات) سبباً كافياً لإراقة الدماء سيما وان كلا المتشاجرين يسعيان إلى طلب الرزق الحلال. وفي مكان آخر من العاصمة ووسط ازدحام مروري من تلك الازدحامات التي تشبه “القفلة” في لعبة (الدومينو)، ترجل سائق من سيارته ليشهر سلاحه بوجه سائق آخر وهو يامره بالتحرك ليتحرك السير معه، .. لم يكن السائق قادراً على اطاعة الامر فهو محشور كغيره وسط زعيق أبواق السيارات وصراخ السائقين كما ان هوية حامل السلاح حيرت السائق ورفاقه ولم يعرفوا ان كانت طاعته “واجبة” ام لا ّ فقد تحدث بنبرة “سلطوية” برغم ارتدائه الملابس المدنية وتصرف كواحد من أصحاب “الظهور القوية” مستغلاً الخوف المتبقي في النفوس من “اهل السلطة”.. هذا الرجل، هاج وماج ملوحاً بمسدسه فزحف السائقون بالكاد ليدرك انهم يحاولون طاعة امره من دون جدوى وفي النهاية تمكنوا من افساح الطريق له “كفاية لشره” ومن دون ان يتعرفوا إلى هويته!! اليوم ، وبعد ان ولى زمن الاستبداد …هل اصبح السلاح وسيلة “للتفاهم” وتسهيل امور الحياة في الوقت الذي لا نحتاج فيه إلى سلاح بل إلى قبس من النور داخل نفوسنا يضيء لنا الطريق الصائب ويرشدنا إلى الحياة …
يقول المهاتما غاندي “حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه لابالسلاح الذي تخشاه انت ” وعدونا الجديد هو ( العنف ) المتمثل في داعش والميلشيات وكل من يقع تحت اغراء السلاح ويعتبره وسيلته لتحقيق اهدافه ..والسلاح الذي يخشاه عدونا هو الحضارة والتمدن والوعي والعلم والمعرفة لذا علينا ان نحاربه وننتصر عليه به وألا نسمح لأحد ان يقول عنا ماقاله موشي دايان من قبل : ” انا لاأخاف من العرب مهما جمعوا من سلاح وعتاد ، لكني سأرتجف منهم خوفا اذا رأيتهم يصطفون بنظام لركوب الباص ” ..مؤلم هذا القول الذي يصيبنا في الصميم لكنه يعبر تماما عن تقييم الشعوب لبعضها وشعبنا الذي أنجب آلاف المبدعين وعرف بحضارته العريقة لابد أن ينبذ لغة السلاح ويجعل ثقافته الوحيدة للتفاهم هي العقل والمنطق والدعوة الى السلام …قد يكون الكلام نظريا في زمن يحمل فيه اغلبنا الاسلحة حتى في وجوه بعضنا البعض لكننا ان اردنا دخول تحدي الأقوياء فلن ننتصر بقوة السلاح بل بالتطور الحضاري لأنه المقياس الحقيقي حاليا لتقييم قوة الشعوب …