23 ديسمبر، 2024 11:09 ص

أسعار النفط…. إلى أين تتجه؟

أسعار النفط…. إلى أين تتجه؟

لقد واصلت أسعار النفط ارتفاعها خلال شهر أيار الجاري حتى بلغت مستوى جيدا، فنفط الإشارة بربنت عند مستوى65 دولار للبرميل وذلك بفعل عوامل عديدة معظمها لم تكن غائبة عن ذهن المراقبين لهذه الأسواق، لكن الأسباب الأخرى التي قد تؤدي لهبوط الأسعار أو ارتفاعها باقية وهي حقيقية وذات أثر مختلف في الأسواق، منها ما سيظهر أثره قريبا ومنها ما سيظهر أثره على المستقبل المتوسط والبعيد. كما وقد تبين من مجمل معطيات هذا الحراك الاقتصادي أن هناك حدودا لزيادة اسعار النفط على المدى البعيد لا تتجاوزها مطلقا متمثلة بتهديد النفط والغاز السجيلي والصخري إضافة إلى بعض بدائل النفط الصناعية وبدائل الطاقة المتجددة.

أسباب تؤدي إلى زيادة الطلب وبالتالي زيادة بأسعار النفط

* الطلب العالمي وارتفاع معدلات النمو الاقتصادي العالمي: بظل أسعار رخيصة، هذا الأمر صحيح ويساهم بإرتفاع الطلب ومن ثم الأسعار، لكن لا يمكن ملاحظة هذا الأمر قبل مرور سنة على الأقل من هبوط الأسعار، لذا من غير المتوقع أن يكون له تأثير واضح خلال هذه السنة، وذلك لأن النمو يعني اقامة مشاريع جديدة أو التوسع بالمشاريع القديمة وهذا الأمر بحاجة إلى وقت غير قليل.

* المنتجون للنفط الغير تقليدي: من المعروف أن الهدف الاقتصادي المعلن هو طرد المنتجين للنفط الغير تقليدي من الأسواق، كالنفط الصخري أو السجيلي أو النفط الثقيل المنتج من المياه العميقة وغيرها، كون كلف إنتاج هذه الأنواع من النفوط مرتفع جدا، ما بين40 و100 دولار للبرميل، معظمها أو70% منها يقع ضمن نطاق أكثر من70 دولار للبرميل، وهذا ما دفع السعودية اللاعب الأول بعملية خفظ الأسعار كنتيجة لضخها كميات اضافية من النفطة كونها تتمتع بقدرة إنتاجية وتصدرية فائضة تقدر بثلاثة ملايين برميل يوميا بالاضافة إلى القدرات الفائضة لدى الإمارات والكويت الداعمين للسياسة السعودية، وبالفعل حققت العملية اهدافها وخرجت شركات كثيرة من الأسواق وبقيت أخرى تصارع بسبب إلتزامات مالية مع البنوك الممولة لها، لكنها ستخرج إن عاجلا أم آجلا، وقد انخفظ عدد الأبراج العاملة في النفط السجيلي من1610 برج في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من600 برج على وفق تقارير بيكر هيوز الأمريكية.

* السياسة وأمن الخليج: لقد بات من الواضح أن أمن الخليج غير معرض بقوة إلى التهديدات، ولكن يبقى هذا الهاجس حاضرا ويثير المخاوف لذا فإن أثره إيجابي على الأسعار.

* البنوك التي تمول شركات إنتاج النفط الغير تقليدي لم تعد تثق بدراسات الجدوى الاقتصادية، لذا فإن مسألة عودة هؤلاء المنتجين للعمل ثانية على النفط الغير تقليدي أصبحت صعبة للغاية من دون توفير الدعم المالي، وهذا يعني أن عودتهم للأسواق ستكون

بطيئة، بل مستحيلة في حال تمت مراقبة الأسعار بشكل لا يسمح لها بالصعود ثانية، فهذا العامل أصبح بمثابة الحاجز الذي لا يسمح بارتفاع الأسعار للمستويات التي كان النفط فيها، حيث أن السعر الذي يمكن اعتباره السعر الأمثل للنفط بحدود ال80 دولار للبرميل، فسعر أعلى من ذلك يعني عودة لهؤلاء المنتجين، وسعر أقل يعني خسارة للمنتجين التقليديين.

* أوبك قد تكون عاملا لرفع الأسعار فيما لو قررت خفظ إنتاجها، لكن يبدو أن هذه المنظمة لا تنوي خفظ الإنتاج بسبب مواقف السعودية المعلنة، ولكن قد تكون ضغوط الدول الأعضاء في الأوبك على السعودية، قد توافق الأخيرة على خفظ الإنتاج، وهذا ما سيكون ذا أثر كبير على ارتفاع الأسعار.

أسباب تؤدي إلى هبوط الأسعار

* كان الهدف الثاني من عملية خفظ الأسعار سياسي، وهو الإضرار باقتصاديات روسيا، المنتج الأكبر عالميا، وإيران والعراق وفنزويلا، المشاكس الأكبر للولايات المتحدة الأمرييكية، لكن لا الروس خفظوا الإنتاج ولا المستهدفين الآخرين، ولو كانوا قد خفظوا إنتاجهم لأرتفعت الأسعار ولكن طبيعة تعاقدات روسيا مع أوربا المستهلك الأكبر للنفط الروسي تختلف عن باقي التعاقدات المعروفة عالميا، كما وليس باستطاعة المستهدفين الباقين تخفيض الإنتاج لحاجة هذه البلدان لعائدات النفط الملحة.

* إيران، هذه الدولة المستهدفة سياسيا لإضعافها من قبل محور السعودية-أمريكا ستجد لها فرصة لزيادة إنتاجها بحدود مليون ونصف المليون يوميا بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، لكن لحد الآن ليس من المؤكد أن ترفع هذه العقوبات كما وليس مؤكدا أن إيران تستطيع بالفعل رفع إنتاجها أو أن لديها زبائن جاهزين لشراء النفط المنتج.

* زيادة إنتاج النفط العراقي كنتيجة لعمليات التطوير المستمرة في أكثر من17 حقلا لابد أن يكون لها أثرا سلبيا على الأسعار، فالزيادة السنوية المتوقعة من العراق قد تكون بين200 إلى400 ألف برميل يوميا، وهي كمية كبيرة، والعراق ليس مستعدا لوقف هذه الزيادات لحاجة العراق لمزيد من عائدات النفط فضلا عن الأسباب التعاقدية مع الشركات النفطية العالمية التي تعمل على تطوير الحقول العراقية.

* التكنولوجيا الحديثة وسرعة تطورها وتطوير تقنيات جديدة لإنتاج النفط السجيلي جعل من الممكن انتاج النفط السجيلي بكلفة ما بين25 و35 دولار للبرميل، وهذا يعني أن عودة بعض النتجين للنفط الغير تقليدي أصبح ممكنا في حال اقتناع البنوك العالمية بالتمويل.

* ليبيا، قد تكون عاملا سلبيا فيما لو استقرت بها الأوضاع الأمنية، وكذلك العراق وسوريا، حيث لهذه الدول الثلاث امكانيات لزيادة الإنتاج والتصدير بحدود المليون ونصف المليون برميل يوميا مجتمعة، وهذا سيكون له أثرا سلبيا على الأسعار، خصوصا وأن هذه الدول بأمس الحاجة لأي دولار من عائدات النفط.

* الغاز الروسي وجموح الإنتاج والمسارات الجديدة لخطوط الأنابيب والاتفاق مع الصين، بلا أدنى شك لها أثرا سلبيا على أسعار النفط عالميا، كون المستفيد من الغاز الروسي هي أوربا الغربية والصين في المستقبل القريب جدا، هؤلاء يعتبرون من أكبر الاقتصادات بالعالم.

* بعد أن استقر سعر النفط عند أوطأ مستوى له، كانت خزانات النفط لجميع مصافي العالم قد نضبت، وقد بدأت عملية ملؤها من جديد ولكن بأسعار منخفظة عن السابق، وهذا يعني أن الطلب العالمي فيه زيادة كبيرة كبيرة ولكن مؤقتة، تنتهي عند ملئ الخزانات في المصافي العالمية، وهذا يعكس حالة لا تمثل سوق نفطي مستقر وحقيقي، أي طلب حقيقي يمثل القدرة التكريرية للمصافي العالمية ولا التجهيز يمثل حالة الاستقرار المتمثلة بالحاجة الحقيقية للمصافي العالمية، حيث لا أحد يعرف كميات النفط الاضافية التي تضخها السعودية وشركائها في الوقت الحاضر.

* المضاربون، لهم دور كبير بتذبذب الأسعار، لأنهم دخلوا بقوة على العملية واستاجروا ناقلات عملاقة قديمة لخزن النفط الرخيص، وهذا يعني أن فترة الأسعار الرخيصة ستستمر لفترة طويلة، حيث كلما ارتفعت الأسعار قليلا تم بيع كميات من النفط المخزن لدى المضاربين، وهي كميات تقدر ب200 إلى250 ملايون برميل عائمة في المحيطات تنتظر الوقت المناسب لبيعها بأسعار جيدة.

* السعودية وحربها ضد الخصوم وعنادها ذات أبعاد متعددة، ولا أحد يستطيع التكهن بمساراتها لكون السعودية تشهد تغيرات سياسية على مستوى القيادات، فالقيادات الجديدة معظمها شابة ومغامرة أولها حرب اليمن وليس آخرها، لذا من غير المعلوم بأي اتجاه ستتطور الأمور، مما سيؤثر سلبا أو إيجابا على أسعار النفط، حيث أن جميع العوامل التي ناقشناها قد تتحول من عوامل ذات بعد إيجابي إلى السلبي والعكس صحيح.

استنتاجات عامة:

1. التقدير الذي قمنا به وقام به آخرون هو تقدير كيفي وليس كمي، بسبب عدم توفر المعطيات الصحيحة، لذا يصعب وضع تقدير دقيق لأثر أيا من تلك العوامل.

2. الحاجز الصلب أمام سعر80 إلى85 دولار للبرميل: ففي حال ارتفعت الأسعار أكثر من ذلك، ستعود الشركات المنتجة للنفط الغير تقليدي للعمل مما سيزيد من الإنتاج، وهو بدوره سيخفظ الأسعار مرة اخرى، لذا من الصعب جدا أن نرى نفط مستقبلا، على مستوى العشر سنوات القادمة، أعلى من هذا النطاق السعري.

3. قد يتحول أحد العوامل من إيجابي على أسعار النفط إلى سلبي والعكس صحيح وذلك بتغير السياسات المتعلقة بالنفط عالميا وسياسات الدول المنتجه للنفط.

4. لهذه الأسباب مجتمعة لا أعتقد أن أسعار النفط سترتفع هذه السنة عن نطاق ال60 دولار كسعر لنفط الإشارة برينت، ولكن بحال استقرت الأسواق، أي أن المعروض يمثل النتج والمستهلك يمثل فقط طاقة المصافي العالمية، سيكون هناك تطورات نحو إرتفاع نسبي ولكن يقف بوجهه ذلك الحاجز السعري الذي نعتقد أنه واقعي جدا.

5. مما لا شك فيه أننا على أعتاب حقبة جديدة من أسعار النفط الرخيص نسبيا لها خصوصيتها ولا أحد يستطيع التكهن إلى متى ستستمر هذه الحقبة، قد تكون عقدا من الزمان أو أقل قليلا.

6. هناك عوامل أخرى ليست ذات أثر كبير هذه الأيام، لكن قد تكون ذات شأن كبير في القادم من الأيان، لذا سيبقى سوق النفط تحت المجهر لفترة طويلة.

بغداد.