18 ديسمبر، 2024 11:00 م

أسس الاستقرار في إقليم كوردستان

أسس الاستقرار في إقليم كوردستان

ستظل سنة 2020 بارزة في التاريخ المعاصر لأن النصف الأول منها شهدت إنتشار الفيروس التاجي (كورونا) في العالم بسرعة فائقة وکشفت خلال مدة وجيزة تداعياته الصحية، والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي باغت الحکومات في غير مکان و هددت حياة ومعيشة مئات الملايين من البشر، هکذا تنذرخطرهذه الجائحة بأزمة اقتصادية عالمية قد تستمر لسنوات و بتحديات قد تواجهنا بشكل مضاعف، بجانب صراعات وخلافات إقليمية سياسية وإضطرابات تعم المنطقة بسبب التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
بقراراتها الصائبة وإجراءاتها الصارمة تمکنت حکومة إقليم كوردستان في النصف الأول من سنة 2020 أن تحمي مواطنيها وتعزز الثقة بینها وبين المواطن وتحد من إنعکاسات هذه الجائحة الخطيرة، لأنها تعلم بأن ضمان أمن الفرد يعني ضمان أمن باقي المجموعات. من جانب آخر تعتبر هذه الکارثة العالمية بمثابة فرصة للحکومة في العمل الجاد علی برنامجه الإصلاحي و تعزيز الحوکمة الرشيدة وعدم الارتماء في أحضان السلطوية والإستثمار في الإنسان والصحة والتعليم، بأعتبار هذه القطاعات من أساسيات تعزيز صمود المجتمع ککل وإستمراریته.
نعم الجائحة العالمية کشفت لنا مرة أخری بأن بناء مجتمعات قادرة على المواجهة والصمود والتكيف والتواصل الشفاف والتعامل مع المخاطر على نحو متكامل وشامل وفعّال والإستثمار في البحث العلمي والتطوير في الجوانب التعليمية والصحية والعسکرية ماهي إلا ضرورة وأولوية لحاضرنا ومستقبلنا ، خاصة في ظل كل هذه‌ التطورات الصناعية والتكنولوجية والمعلوماتية التي يشهده العالم.
إن الكثير من الإشکاليات الإقتصادية التي يواجهه الإقليم اليوم ولها انعكاساتها على كل الصعد الاجتماعية والسياسية هي من مخلفات الحکومات الدکتاتورية، التي کانت متسلطة علی أرض وشعب كوردستان والتي طبقت سياسة الأرض المحروقة ضد الشعب الكوردستاني و سدّت أمامها معظم الطرق المؤدية الی الإحتمالات المتفائلة بغدٍ كوردستاني أفضل والتي دمّرت الكثير من إمکانيات هذا شعب المناضل لمنعه و حرمانه من وجوده الشرعي وتحقيق حریته و کرامته الإنسانية ومواكبة التقدم والرفاهية.
لكننا اليوم وبعد تحقيق جزء بسيط من مطالب هذا الشعب في إطار النظام الفدرالي المطبق في عراق مابعد الدکتاتورية نری ثمار جهود الحکومة الكوردستانية في تفعيل الوظيفة التطويرية وإقامة ديمقراطية حقيقية قائمة على الحوار والتعددية والاحترام، والعمل على القضاء على التطرف والعنف بصفة آلية، کما نری الجهود المبذولة في سبيل الحفاظ علی الأمن الإنساني بمفهومه العام كالعدالة الاجتماعية والأمن الغذائي والأمن الثقافي وهي التي تعتبر في الواقع اللبنات الأساسية التي من شأنها أن تضمن التماسك الإجتماعي والأمن السياسي الذي يطمح إليه شعب كوردستان.
إن التنمية مرتبطة بالتنظيم البنيوي للمجتمع لا بالمساعدات الإقتصادية وأن الإستقرار النابع من التماسك الإجتماعي هو صمام الأمان للمجتمع الكوردستاني، الذي يمنحه فرصة للنمو والتطور والقدرة على مواجهة مختلف التحديات الداخلية منها والخارجية وتحقيق التوازن واستيعاب الأوضاع الاجتماعية الجديدة بشکل سلمي.
ختاماً: إذا أردنا الحفاظ علی هذا الإستقرار القائم في الإقلیم وذلك في إطار العراق الفدرالي، حتی بعد تجديد الإتفاقية الأمنية العراقية الأمريكية أواسط حزيران 2020، علینا أن نرکز علی تبني نموذج الدولة الإنمائية التي تتحمل مسؤوليتها في النهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، في ظل تحقيق المواطنة الكاملة والتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات وتهدمها.