22 نوفمبر، 2024 6:47 م
Search
Close this search box.

أسرى المطر

غريبة هي حكايتي، عجيبة أحداثها، ولولا أنكم تعرفون بطلها، لما صدقتم بي، وهي ما تزال ندية بروح البلل، كنت وحسن في الموضع الذي تعرض الى الهجوم ليلة المطر، فقد أسرتنا سيوله الغزيرة، وما عاد باستطاعتنا التحرك بأي خطوة، ولم يبق أمامنا سوى صد الهجوم.

قال حسن: إن التفكير بمثل هذا الهجوم يعد غباء كبيراً، يسهل علينا مهمة القضاء عليهم بسهولة، وفعلاً أسكتنا المجموعة المهاجمة، مثلما توقع صاحبي، لكن الذي حصل هو اكبر من توقع، فقد باغتنا داعشي رافعاً بندقيته الى فوق رأسه متوسلاً بنا؛ كي لانقتله، كان من الطبيعي أن ارميه وينتهي الموضوع، لكن حسن منعني وأخذ منه بندقيته بكل هدوء وادخله الموضع.

نظر لي حسن قائلاً: إياك أن تقتل أسيرك، قلت: كيف ستأمن من وجوده الى أن يفك المطر عنا أسره، لم يعر قولي أي أهمية، وراح يسأله: هل أنت جريح؟ قال: لا..

: هل أنت جائع؟ لا.. أنا ميت من العطش، صرخت بوجه حسن غاضباً، كيف لنا أن نعطيه ما نملكه من ماء، فأجابني صارخاً: إنه أسيرنا.. صحت بوجهه ونحن أسارى المطر، لا نعلم كم سيدوم حصارنا يا حسن.

قال حسن: لا أعرف سوى مسألة واحدة، إن الحسين (عليه السلام) سقى أعداءه ماء قلت: لكنهم تركوه يموت عطشاناً، فقال: هذا شأنهم، أما شأني هو ما فعله سيدي الحسين (عليه السلام).

قلت:ـ صدقني حسن، لو نال فرصة منا لقتلنا.

أجابني: لا عليك.. أنا منتبه عليه.. صرخت غاضباً: أنا لا أقتنع إلا بقتله، فبقاؤه بيننا خطر كبير. قال حسن بهدوء: أوقظ الحسين الذي في قلبك وروحك؛ لترى معنى جمال الصبر، الإيمان بالله تعالى يبعد الخوف.

التفت وإذا بحسن يعطيه بطانيته لينام فيها، لم أتحمل الموقف حينها ذهبت لرفسه في بطنه، لينتهي المشهد المرعب برمته، صرخ بي: احترم ضيفك.

ازداد غضبي صرخت:ـ حسن اعقل قليلاً.. هل يصبح عدوي ضيفاً حين يعجز عن قتلي؟ أجابني صارخاً: ما لك أنت.. ألم تر كيف عامل الإمام علي (عليه السلام) قاتله ابن ملجم، وأوصى ابنه الحسن بحسن المعاملة؟

هدأ الموقف قليلاً وراح حسن يتحدث معه هل تسمع أنين السواتر؟ إنه قلوب أمهات تركت أفلاذها هنا، أليس لديكم أمهات؟ طرق الأسير رأسه، وصرت ألمح في عينيه دموع الحزن على موقفه الذليل أمام جبروت حسن، فلذلك صرت أترقب الموقف وراح حسن يتحدث معي بهدوء، عليك أن تعرفه من نحن؟ ومن نكون؟

هو معبأ بمعلومات خطأ؛ لنصحح له معلوماته لنريه الحقيقة التي يجهلها، لنقول له: نحن عراقيون نعبد الله سبحانه تعالى ومن شيعة علي بن أبي طالب وصي رسول الله (ص) ومن أبناء الحسين (عليه السلام).

والتفت بعدها الى الأسير يقول له: ثق لو كنت تعرف العراق جيداً، لما كنت بحاجة الى قتلي، ألا تسأل نفسك:ـ لِمَ لا نرفع علم بلادنا سوية؟ لماذا لا نبنيه سوية؟ أتراني جئتك محتلاً مدينتك مثلاً، وأنا الذي لا أبدل شبرا من كربلاء بكنوز الارض كلها، هل رأيت كربلاء؟ هل أمهاتكم مثل أمهاتنا تودع أبناءها بكتاب الله تعالى، وتمرر جسده بقلعة ياسين ثلاث مرات، ثم ترمي خلفه قدح ماء، أم لا؟

استغربت فعلاً، وأنا أرى الأسير بدأ يبكي، وانهار من شدة بكائه قال:ـ ثقوا بالله الكريم ما كنت اعرفكم قبل اليوم بهذا الصفاء، اذهلتني انسانية حسن، وتمسكه الشديد بأئمته، هل فعلا سقى الحسين اعداءه ماء وكيف؟

هل اوصى الإمام علي بقاتله خيراً ولماذا؟ أذهلتني انسانيتكم وطيبة قلبكم تضيفون من يقتلوا اخوانكم في احتفالات قبلية، دون أن يضعوا هيبة لمعنى الأسر.. لك الشكر حسن.. وقبل أن يأخذوه الى السجن صاح: أرجوك.. دعني أقبل قبل الوداع يديك، حسن…

أحدث المقالات