لطالما توقفت على واحدة من درر المفكر الكبير عبد الرحمن الكواكبي ،التي ساقها لنا في كتابه ذائع الصيت ” طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد ” وقوله :”إن أسير الاستبداد يعيش خاملا خامدا ضائع القصد حائرا لا يدري كيف يميت ساعاته وأوقاته ويدرج أيامه وأعوامه كأنه حريص على بلوغ أجله ليستتر تحت التراب… والأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية “.
وانطلاقا من مقولة الكواكبي الآنفة وأنا أسمع بأذني ،وأرى بأم عيني وعلى مدار الساعة طيلة 22 عاما خلت كيف يتشاحن العراقيون فيما بينهم ويتجادلون ويحتدون ويختصمون ليُخوِنَ بعضهم بعضا، ويطعن بعضهم برموز وأعلام وتاريخ بعض، وكيف يستفز بعضهم بعضا كلما نعق ناعق ، بدلا من أن يتكاتفوا ويتآزروا وكلهم يعاني الأمرين من الفساد المالي والاداري والسياسي ومن كوارث صحية ومعيشية واجتماعية واقتصادية وثقافية وخدمية لا تحصى حتى صار بإمكاني إسقاط مقولة الكواكبي عليهم جملة وتفصيلا وخلاصتها ” أن نشطاء مواقع – التلاسن – الاجتماعي هم أسرى استبداد سابق ولاحق جعل الجميع إلا ما رحم ربك تماما كما قال الكواكبي ” يميت ساعاته وأوقاته ويدرج أيامه وأعوامه كأنه حريص على بلوغ أجله ليستتر تحت التراب” لا فرق في ذلك بين مثقف وأمي ، ولا بين غني وفقير ، وبما جعلنا – فرجة – البشرية جمعاء وشطرا من أحاديث سمرها ومجالسها وكلهم يسأل “أيعقل أن شعبا وبلدا كالعراق هو الأغنى على سطح الكوكب وبدلا من انشغاله بإعمار بلده ،واستثمار ثرواته ، واستغلال خيراته ، للنهوض بحاضره ومستقبله، تراه مشغولا طوال الوقت بالطائفية المقيتة التي يثيرها بعض سياسييه وإعلامييه وكتابه ومفكريه بين الحين والآخر ولاسيما مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية كل أربع عجاف لم ولن تأتي بخير قط ؟!” .
وأضيف ذات يوم ألقى الدكتور زوران جكومفتش،عضو الحزب الديمقراطي الاشتراكي البوسني محاضرة قيمة للتثقيف الانتخابي بشأن أفضل السبل للفوز بالانتخابات وسط هذا الكم الهائل من الأحزاب والتحالفات والتيارات والتبعيات قال فيها وبالحرف وبما ظل عالقا في الذاكرة : “لقد طلب مني الامين العام للحزب بأن أقدم له مذكرة تتضمن أهم احتياجات الحزب للفوز في الانتخابات المقبلة فبعثت إليه برسالة من سبع كلمات فقط ( نريد 1000 زوج من الأحذية محلية الصنع ) فظن الامين العام للحزب البوسني بأن ما يطلبه د. زوران في رسالته لا يعدو أن يكون مجرد شيفرة سرية أشبه ما تكون بشيفرة – دافنشي –أو مجرد نكتة سمجة في غير – زمكانها – فبعث بطلبه ليذهب “زوران ” ويؤكد أمامه الطلب معللا ذلك بالقول “لديَّ 1000متطوع على أتم الاستعداد لنصرة الحزب وتوزيع الكراسات وتعليق الملصقات واللافتات والبوسترات وتوزيع الهدايا وتحشيد الناخبين لصالح حزبنا في كل مكان سيرا على الاقدام في طول البوسنة وعرضها ولذلك فهم بأمس الحاجة الى 1000 زوج ولكن من الأحذية المصنوعة محليا لتشجيع المنتج الوطني أولا ، ولمحاربة الخصخصة ثانيا ، وللقضاء على البطالة ثالثا ، ولا يخفى عليكم بأن هذه المطالب الثلاثة إنما تمثل أهداف حزبنا الرئيسة ضمن حملتنا الانتخابية المقبلة”وبالقياس على الحكمة السالفة ، والحكمة وكما هو معلوم ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، فإن النخبوية وكما أسلفت في مقال سابق بحاجة الى شعبوية من جهة ،والى خطوات وطنية عملية من جهة أخرى تلخص برنامجها ابتداء قبيل الانتخابات وخلالها فبدلا من إقامة التجمعات الانتخابية العشوائية ، وبدلا من اثارة الطائفية ، لا بد من تخصيص عامها،وتقييد مطلقها ،وتفسير لبسها ، وتفصيل مجملها ، وتوضيح مشكلها،واماطة اللثام عن غامضها ، كل ذلك بقرائن ملموسة تلخص أهم الأهداف والبرامج والشعارات المطروحة عمليا وواقعيا وعلى النحو الاتي :
1-شعاركم هو الارتقاء بالواقع الثقافي العراقي وعلى الصعد كافة ،إذن فلنقم أمسيات أو أصبوحات تحظى بالتغطية الإعلامية المطلوبة يكرم خلالها مجموعة من الروائيين والقصاص والكتاب والأدباء والشعراء والخطاطين العراقيين المعروفين وإن كان بعضهم خارج العراق من خلال الإعلان عن فوزهم بالتكريمات خلال الجلسات وبما يقرب من(500) شخصية على أقل تقدير ومن مختلف الطوائف والقوميات والأعراق والأديان ، كل واحد منهم يتم تكريمه بدرع التميز ، وميدالية الابداع ، وشهادة تقديرية تثمينا لجهوده الحثيثة في مجال الأدب والثقافة العراقية لتترجموا بذلك برامجكم المعلنة لرعاية الثقافة عمليا واعلاميا ودعائيا في آن واحد ولتقولوا للجميع وبلساني الحال والمقال(ثقافتنا هويتنا ..مبدعونا أعلامنا) .
2- من أهدافكم المعلنة ” تفعيل قانون العفو العام ، والدفاع عن حقوق الانسان ، ودعم الحريات الشخصية شريطة أن تقف عند حدود حرية الآخرين ” إذن لابد من اقامة ندوات ومؤتمرات وورش عمل تحظى بتغطية اعلامية متميزة يكرم خلالها رؤساء أبرز وأهم وأصدق – لأن نصفها وهمي ، أو غير فعال ،أو غير مسجل في منظمات المجتمع المدني ، او مجرد اسم زائف وعلى غير مسمى – الشخصيات والمنظمات الانسانية والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان بدرع التميز وميدالية الابداع وشهادة تقديرية لجهودهم الحثيثة وعلى منوال ما سبق ذكره في الفقرة أولا ، ومن الشخصيات الانسانية المرشحة للتكريم ” ممثلو منظمات الدفاع عن الأسرى والمفقودين والسجناء ، ممثلو الدفاع عن حقوق النازحين ، ممثلو منظمات الصم والبكم ، وجمعيات المكفوفين ، ومعاهد أطفال التوحد ،و الاطفال المعنفين ، ومعاهد أطفال متلازمة داون ، ودور المسنين ، ودور الأطفال مجهولي النسب ، اضافة الى متخصصي رعاية الأطفال المشردين وعلاج مرضى السرطان من المتعففين مجانا ، وأمثالهم ” لتقولوا للجميع وبلسان الحال والمقال بأن شعار حملتنا وبرنامجنا الانتخابي هو “حقوق الإنسان أولويتنا ..المهمشون في العراق قضيتنا” ولابأس باستضافة ممثل عن اليونيسف ، هيومن رايتس ووتش ، منظمة العفو الدولية خلال الندوة .
3- شعاركم هو”النهوض بالصناعة العراقية الى أفق أرحب وتشجيع المنتج الوطني مقابل المستورد الستوك الأجنبي” إذن لابد من اقامة ندوات وورش عمل عن النهوض الصناعي يستضاف فيها العديد من ممثلي غرف التجارة والنقابات العمالية وأصحاب الشركات الصناعية بمعية ثلة من خبراء الاقتصاد واساتذة الجامعات ورجال المال والاعمال للخروج بعدد من التوصيات والمقترحات الكفيلة بالنهوض بالواقع الصناعي العراقي واعادة تأهيل المصانع المعطلة والمدمرة وبناء المزيد منها ، يتم خلالها تكريم العديد من أصحاب المشاريع الصناعية الواعدة،والمصانع الاهلية المتميزة بدرع التميز وشهادة تقديرية وميدالية الابداع .
4-من أهدافكم ” النهوض بالواقع الزراعي لميزوبوتاميا ، وكانت تسمى ماضيا بأرض السواد لخضرتها ” إذن لابد من ندوات تناقش النهوض بالواقع الزراعي وانعاشه وتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي وحماية الاراضي الزراعية من التصحر والجفاف وعمليات التجريف ، والحيلولة من دون تغيير جنس الأرض من زراعي الى سكني ، يستضاف خلالها العديد من ممثلي النقابات الفلاحية واتحادات المزارعين وشيوخ العشائر واستاذة الجامعات فضلا على اصحاب حقول الدواجن والابقار والاحواض السمكية وأصحاب المشاريع الزراعية الحديثة “البلاستيكية والتنقيط” للخروج بجملة من التوصيات والمقترحات المهمة لهذا الغرض يصار في ختامها وعلى هامشها الى تكريم العديد من أصحاب المشاريع الزراعية والحيوانية الواعدة.
5- من أهداف حملاتكم الانتخابية بحسب المعلن – لأن القوم في السر ،غير القوم في العلن – حماية المجتمع من الآفات المجتمعية والاخلاقية المدمرة إذن لابد من اقامة ندوات ومؤتمرات وورش عمل بحضور عدد كبير من الخبراء والمتخصصين والأكاديميين والمعنيين وذلك لمناقشة ملفات شائكة عدة تعصف بمجتمعنا العراقي المحافظ وتزعزع استقراره لعل من أبرزها ” خطر المخدرات ،الابتزاز الالكتروني ،العنف الاسري ، الرشوة ، الدكات العشائرية ، تجارة الاعضاء البشرية ،بيع السلاح،الاختلاس والعبث بالمال العام ، الجريمة المنظمة ، تهريب النفط والاثار والسلاح ،غسيل الأموال ، خطر القمار والروليت ونحوها من الملفات ذات الصلة ” يتم في ختامها تكريم عدد من الباحثين والمختصين في هذا المجال بدرع التميز وقلادة الابداع وشهادة تقديرية تثمينا لجهودهم في هذا الإطار .
6-من أهداف حملكتم الانتخابية ” النهوض بالواقع التربوي والاكاديمي في البلاد ” إذن لابد من اقامة ندوات ومؤتمرات وورش عمل بحضور عدد من الخبراء والمتخصصين والأكاديميين والمعنيين وذلك لمناقشة ملفات ” مكافحة الامية الابجدية والتقنية ، توأمة المعاهد والكليات والجامعات ، تفعيل المسرح المدرسي والجامعي ، تفعيل الرياضة المدرسية والجامعية ، تفعيل النشاطات اللاصفية ، سبل بناء المدارس الحديثة ، وسائل الارتقاء بالبحوث والابتكارات الجامعية لتنافس وتحتل الصدارة في مستوعب سكوبس ، كذلك الـ ويبومتركس العالمي للجامعات ، ومثلها في المجلات العلمية العالمية الجامعية المحكمة ، اضافة الى طرق تقنين حفلات التخرج وتنظيمها وبما يتناسب مع أخلاقياتنا وتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا ، تطوير المختبرات الجامعية والمدرسية ، يكرم خلال الاحتفالية عدد من الاساتذة الجامعيين الكفوئين ، وعدد من مديرات ومديري الثانويات والمدارس المتميزين .
7- شعاركم هو “مكافحة الطائفية والحد من غلوائها ومن تداعيات خطاب الكراهية التحريضي” وبناء عليه فلابد من اقامة ندوات ومؤتمرات وورش عمل بحضور عدد كبير من علماء الدين من الطائفتين بمعية ثلة من علماء الدين الصابئة والمسيحيين والشبك والايزيديين وغيرهم أسوة بالباحثين الاجتماعيين والمتخصصين والاكاديميين والمعنيين وذلك لمناقشة ملف التحريض الطائفي وآليات تصحيح المسار حفاظا على السلم الاهلي ،والأمن المجتمعي ، وتكريس ثقافة التعايش السلمي ، يتم خلالها تكريم عدد من المفكرين والكتاب والباحثين الداعين الى اعتماد منهج الوسطية والاعتدال والتعايش ، على أن يتفق الجميع على إلقام كل من ينبح طائفيا بحجر كبير لن ينطق بعده أبدا ليتخلص المجتمع بأسره من أذاه ومن فتنه ومن عواه، فإن خلَّف الملعون الطائفي جروا نجسا فاق بالنبح أباه، فليلقم الإبن بدوره حجرا يفوق حجم الحجر الذي ألقمه أبوه .
ومن روائع رائد ومؤسس علم الاجتماع ابن خلدون قوله “إن الفتن التي تتخفى وراء قناع الدين ،تجارة رائجة جداً في عصور التراجع الفكري للمجتمعات ، وإذا ما فسد الإنسان في قدرته،ثم في أخلاقه ودينه،فسدت إنسانيته وصار مسخاً على الحقيقة ” وهذا هو عين ما يحدث في العراق ولله درك يا ابن خلدون .
8- من أهدافكم ” اعادة النازحين والمهجرين الى مناطق سكناهم الأصلية وغلق ملف النزوح والتهجير القسري الطائفي المقيت ” إذن لابد من ندوات ومؤتمرات وورش عمل توثق اعلاميا مخصصة لتناول ملف النازحين واعادة المهجرين وسبل تحقيق ذلك بأسرع وقت ممكن بحضور لفيف من المتخصصين والباحثين والمعنيين لصياغة العديد من المقترحات والتوصيات ذات الشأن ، يكرم خلالها عدد من ممثلي المؤسسات والجمعيات التي بذلت وسعها في خدمة النازحين في مراكز الإيواء وتقديم يد العون لهم طيلة الفترة الماضية .
9- من شعاراتكم المطروحة والمجروحة ” لا لبننة العراق ولا لبلقنته ” إذن لابد من تنظيم مؤتمرات وندوات وورش عمل تتناول مساوىء المحاصصة التوافقية على الطريقة اللبنانية ، كذلك مساوىء التقسيم الطائفي والقومي على غرار تجربة دول البلقان، لتناقش مساوىء التعددية الحزبية غير المنطقية ، فالهند على سبيل المثال وعدد نفوسها مليار و300 مليون نسمة وهي من أقدم الديمقراطيات في آسيا والعالم ،يبلغ مجمل أحزابها الرئيسة التي تتنافس في الانتخابات دوريا (13) حزبا فقط ﻻ غير …بريطانيا وعدد نفوسها 65 مليونا يبلغ مجموع أحزابها (9 ) أحزاب فحسب ، أما عن الاحزاب التي تتنافس في الانتخابات فلا تتعدى (حزب المحافظين ، وحزب العمال ) ..فرنسا وعدد نفوسها ٦٦ مليونا ، تضم( 25)حزبا ،يتنافس في انتخاباتها حزبان فقط ..ألمانيا وعدد نفوسها 81 مليون نسمة ، عدد أحزابها 14 حزبا ..اميركا وعدد نفوسها ٣٢١مليون نسمة تضم 13 حزبا – لايتنافس فيها سوى حزب الحمار الديمقراطي ،وحزب الفيل الجمهوري ، فما بالنا نحن في العراق وقد تجاوز عديد أحزابنا ومعظمها شكلي ووهمي عبارة عن عناوين مفرغة كليا من مضامينها 350 حزبا ؟ فهل هذا التعدد هو دليل ديمقراطية وعافية ومعافاة ، أم أنه مؤشر خطير على مرض سياسي عضال ومستفحل لابد من تقنينه وتحجيمه وقبل فوات الأوان ؟!
10- من أهدافكم المعلنة لأن ما خفي أعظم ، دعم الرياضة العراقية لتحقيق الإنجازات وحصد البطولات والحصول على الاوسمة الملونة في معظم البطولات العربية والقارية والدولية ، الاولمبية منها والبارالمبية وبالتالي فلابد من عقد ندوات رياضية متتالية بحضور لفيف من الرياضيين والمختصين والمهتمين لمناقشة العديد من القضايا ذات الشأن والخروج بعدد من التوصيات المهمة لهذا الغرض ، على أن يكرم خلالها عدد من الرياضيين الرواد ، وابطال البارالمبية العراقية ” نجلة عماد + جراح نصار “في مقدمتهم .
11-ولابد من تنظيم ندوات تلو أخرى لمناقشة سبل تحسين مجمل الواقع الصحي في العراق ، ومناقشة حجم معاناة المرضى مع غلاء الادوية ،وارتفاع ثمن التشخيص والعلاجات والعمليات الجراحية ، كذلك نقص الاجهزة الطبية أو تقادمها مع مناقشة أسباب هجرة الاطباء والسبل الكفيلة لتشجيع عودتهم الى حضن الوطن ونحوها .
12-لابد ولزاما تنظيم ندوات عن أنواع العمل التطوعي والإنساني في العراق ، يستضاف خلالها أبرز الناشطين في مجال العمل التطوعي والخيري والإنساني ليوجزوا لنا مجمل تجاربهم ليقدموا مقترحاتهم على أن يتم في ختامها تكريمهم .
13- لابد من تنظيم ندوات مخصصة لتكريم الفنانين الرواد والشباب في مجال الرسم والتصوير والنحت والزخرفة والحرف الفلكلورية والمسرح والسينما والتلفزيون .
14-لابد من إقامة ندوات مخصصة لتكريم أبرز الإعلاميين الرواد والشباب ، وعلى خطى ما سبق ذكره آنفا .
أما عن أسباب ذكري لكل ما قرأتم فهو اطلاعي على عشرات المنصات والصفحات العراقية التي يغزوها الذباب الالكتروني بمعية الوحدة 8200 الصهيونية ، وهي تردد خوفا من انزلاق العراق في أتون الحرب الضروس بعيد اندلاع الحرب بين الكيان وايران ، واكثار بعضهم من ” اللهم اضرب الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين ” أو ” اللهم اشغل الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين”،علماً بأن هذا الدعاء لم يرد عن رسول الله ﷺ وإنما هو من قول بعض المتأخرين ولاسيما في عصور الاحتلالات والاستعمارات المتتالية والشعوب المتكئة على ارائكها المكتفية بـترديد وتكرار “اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين” يوم كان يتركنا الظالم المغولي فيحتلنا الظالم التتاري…نتحرر من الظالم الفرنسي فيحتلنا الظالم البريطاني ..نخرج من احتلال البرتغاليين فيأتي الاسبان ..نفك أسر رقابنا من الإيطاليين فيقبع على صدورنا الألمان ..ندحر الظلمة الروس فيحتلنا الظلمة الاميركان ، والعكس صحيح تماما ولم نخرج سالمين يوما قط من صراع بين ظالمين اثنين البتة وبما يصدق عليه المثل الإفريقي الذي أحبه كثيرا ونصه”إذا تقاتل فيلان فإن العشب هو الذي سيدفع الثمن” بمعنى أن من يسمح لنفسه طوال حياته القصيرة بأن يكون عشبا يجتره الاقوى كلما جاع فعليه أن لا يأمن صراع الأقوياء فيما بينهم لأنهم سيتصارعون فوق جسده الهزيل المستأنس والمنبطح كليا وعلى الدوام وبالتالي فلن ينجو أبدا بخلاف ما يظن ويعتقد وبدرجة 180 ، وبما يصدق عليه المثل الإفريقي الاخر ونصه ” الى أن يتعلم الأسد الكتابة، ستظل كل قصص البطولة والشجاعة تمجد الصياد ” وبالقياس عليه فإن الأمم والشعوب التي لا تتعلم من ماضيها ومن تجاربها لتحسن من واقعها وتصنع مستقبلها وتكتب أمجادها بنفسها ، فأن تاريخها وحاضرها ومستقبلها كلها سيظل يكتبها المحتلون والظالمون والصيادون ، حتى صار – شرخ – أوسطنا الكبير بالنسبة للمحتلين والمستعمرين عبارة عن طريق – اسماعيلية رايح جاي – “محتل رايح مودعينه ،ومحتل جاي متلكينه” والى يومنا هذا ،ولن يتغير شيء في معادلة الغد المنظور على الاقل ، فيما لانزال نؤثر السلامة والنأي بالنفس حتى صارا بالنسبة لأكثرنا الغاية والوسيلة والهدف ، وكأننا وبلسان حالنا في الخفاء نكمل الدعاء ما بين السطور بـ ” لنواصل النوم تحت اللحاف مع النائمين ، ولنواصل الخوض مع الخائضين بانتظار – مستبدين أو محتلين – جدد لأننا قد أضحينا إلا ما رحم ربك شعوبا تسلم قيادها تارة لمستبد طاغية ظالم ، وأخرى لعدو صائل غاشم ، لنتكفي نحن بـ الدعاء عليهم واشغالهم بعضهم ببعض على أمل خروجنا من بين براثهم سالمين لا لننهض ونغير ونجدد ، وإنما لنعاود النوم مع النائمين ، وللطغاة والمستبدين والظالمين مصفقين ومهللين وبحضرتهم كقرود الغابات راقصين !”وهكذا دواليك في دور وتسلسل – كما في علم المنطق – لاينتهي أبدا تماما كخروج البيضة من الدجاجة ، والدجاجة من البيضة منذ عصر الديناصورات والى يومنا هذا !
ويبقى السؤال الحائر “وماذا بعد خروجنا سالمين من بين براثن الظالمين ؟!”
-هل سنجنح للافادة جديا من أخطائنا السابقة التي جعلتنا -مكفخة – الظالمين والظالمين على مدار قرون وعقود وسنين ؟!
-هل وبعد خروجنا سالمين من بين أنياب الظالمين سنتوحد فيما بيننا لنتناسى خلافاتنا التي أضعفتنا وأهدرت أعمارنا وأموالنا،واستنزفت كل قوانا ،ومزقت مجتمعاتنا، ودمرت بلداننا وحولتنا الى – ملطشة – الظالمين والظالمين على مدار قرون وعقود وسنين؟!
– هل وبعد خروجنا سالمين من بين مخالب الظالمين سنعمل على ما اتفقنا عليه ليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه مثلا بعد أن كنا وبسبب اختلافاتنا وخلافاتنا المتتالية والمتواصلة التي لا تتوقف أبدا – ملطشة – الظالمين والظالمين لقرون وعقود وسنين ؟!
– هل سنوحد صفوفنا، هل سنحيي زراعتنا ، هل سنقوي جيوشنا ، هل سنعيد تأهيل مصانعنا، هل ولكي لا نعيش عالة على الاخرين سنعدد مصادر دخلنا، هل سنحسن مستوى اقتصادنا وصحتنا ومدارسنا ومعيشتنا وتعليمنا ، هل سنطور من أسلوب تربيتنا ودعوتنا ونصلح ذات بيننا ونرفع من مستوى همتنا ونشاطنا ووعينا ، هل سنحسن من واقع شعوبنا ، هل سننهض بأعرافنا وتراثنا وقيمنا وتقاليدنا ،هل سنعود الى جذورنا ونحافظ على الراقي من ماضينا ، هل ، وهل ، وهل إذ لطالما سألت وتساءلت وسُئلت ” وماذا بعد خروجنا من بين براثن الظالمين سالمين” لقد خرجنا مئات المرات عبر التاريخ ولم نتعظ ،لم ننهض ، لم نرعوي وما زلنا نختلف في الفروع على حساب الأصول، وتتنازع على أقل الأشياء شأنا ،ونختلف على أصغرها حجما ، وأقصرها أثرا !!