19 ديسمبر، 2024 8:09 ص

أسرار وراء السطور

أسرار وراء السطور

-1-
كتابة المذكرات بصدقٍ وموضوعية مفيدةٌ للغاية على أكثر من صعيد :

انها مفيدة على صعيد تاريخي حيث توثق الحوادث الواقعة التي عاشها كاتب المذكرات بنفسه، وتُوقِفُنا على الحقائق ، وتوصلنا الى أسرارها …

انّ لسان حال كاتب المذكرات يقول :

أنا ابن هذي الدار أنظرُ ما بها

وسواي ينظر من شقوقِ البابِ

انّ الفارق بين الرؤية من خارج – وهي رؤية عامة الناس – وبين الرؤية من داخل – وهي رؤية كاتب المذكرات كبير جداً …

وان الذين يتسنمون مناصب مهمة في الدولة ، ويتنقلون من موقع مهم الى موقع آخر، تكون سِلالُهم مليئةً بالمعلومات والأخبار والأسرار، فاذا لم تُكتب ولم تدون ولم تنشر بَقِيَتْ محجوبة عن الناس .

وهنا يظهر البعد المفيد الثاني وهو الكشف عن المخبئات المستورة عن الجماهير، ومدى التطابق أو التضاد، المعلن والمخفي من سياسات الدولة واستراتيجياتها …

ثم انّ المذكرات غالباً ما تكون غنيّة بالتجارب ، وهذه التجارب لها ثقلها في الميزان ، ومَنْ منّا يزهد في الوقوف على التجارب النافعة ؟

وهي احدى المصادر لامتلاك مقومات النجاح العملي في مختلف الميادين.

وقد تكون معرفتك بصاحب المذكرات باهتةً محدودة .

وربما تسربت الى ذهنك عنه صورٌ سلبية جَرّاء الاصغاء لما نقله الخصوم والمنافسون والحسّاد عنه ..،

وحين تقرأ ما كتب في مذكراته تنجابُ عن عينك تلك الغشاوة، وتستقر في ذاكرتك الكثير من المعلومات التي كانت بعيدة عنك …

من هنا تجد أنَّ الاقبال شديد على قراءة مذكرات الرجال الأفذاذ من العلماء والسياسيين والأدباء والماهرين في مختلف الفنون .

-2-

التناقض بين الشعارات المرفوعة من قبل اية جهة سياسية، وبَيْن الممارسات العملية ، هو أبرز الأدلة على خوائها الروحي، وانحطاطها الأخلاقي ، ناهيك عن التدحرج الى القاع سياسيّا واجتماعيّا …

ولا نعلم أحداً ناقض نفسه والشعارات التي رفعها أسوأ من (القائد الضرورة) المقبور ..!!

سمعناه يقول في خطابه يوم سُمِّيَ رئيسا للعراق (تموز 1979)

” سنتتبعُ الظلمَ في مظانه”

وقد ادخل الظلمَ الى كل البيوت دون رحمة وبلا هوادة، بَدَلَ أنْ يُزيله ويمحوه .

وقِسْ على ذلك كل قراراته ومساراته الطائشة الباطشة ..!!

-3-

تاجر العفالقة بالقضية الفلسطينية فخدعوا الكثيرين ولكن قياداتهم كانت حريصة على ان تكون بعيدة عن إغضاب الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين .

اسمع ما قاله الراحل د. محمد المشاط – الذي كان منهم ثم انسلخ عنهم في مذكراته ( حكايتي مع صدّام حسين في غزو الكويت)

قال :

عن لقائه بالمقبور طارق عزيز – وزير خارجية النظام البائد – قبل ان يلتحق بوظيفته سفيراً للعراق بواشنطن في آب 1989 :

” ولكن الذي لفت نظري وبشكل لم أكن أتوقع قوله بصريح العبارة بما معناه بضرورة الابتعاد عن التعرض أو انتقاد أو مهاجمة اسرائيل ، منتهياً بالقول :

إنّ موقفنا واضح من القضية الفلسطينية ، اذ اننا نقبل بما تقبله منظمة التحرير الفلسطينية “

ويقول ايضا :

( لقد أدهشني هذا القول من وزير الخارجية وعضو القيادة القطرية اذ انّ اساس التحاقي بحزب البعث كان اعجابي بأحد المبادئ الأساسية في أدبيات الحزب وهي اعتبار القضية الفلسطينية العمود الفقري وأساس القضية العربية ، ولكنني نجحت في اخفاء دهشتي .

ص34 من المصدر المذكور

أما نزار حمدون – وكيل الوزير فقد قال له بالحرف الواحد :

” يادكتور أرجو ان تهتم بقضايانا العراقية ، وعليك ان لا تتحرش

باسرائيل أو تتعرض لها لأننا في حاجة الى امريكا …!!

ص 35 المصدر السابق

وحتى الآن يبكي الطاغيةَ المقبورَ الكثيرُ من الفلسطينيين الذين يسمّون ابناءهم باسمه، ومازالوا يترحمون عليه، ويُقيمون له مجالس التأبين في ذكرى إعدامه …

لأنهم خدعوا به واستمر انخداعهم حتى الى الأن …

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات