23 ديسمبر، 2024 1:56 ص

أسرار وأسباب غزو الكويت فغزو العراق..؟!

أسرار وأسباب غزو الكويت فغزو العراق..؟!

تجنباً للخطأ. ولئلا يفهمني القارئ على غير ما أُريد. ما قد يظن بي من عداء للكويت وشعبها. لكن الحقيقة تستحق عناء البحث عنها. وكشفها. ثم عرضها على الجمهور. لكي تبقى مخلدة كالألواح والصُحُفِ الأولى. نتعلم الدرس منها. نتجاوز الخطأ. ولا نعالجه بالخطيئة.
ينقسم موضوع حربي الخليج الأولى 1991 فالثانية 2003، إلى قسمين رئيسيين:
الأول: يتصل بالاندفاع العراقي إلى اجتياح الكويت لاستعادتها أو توحيدها بالقوة أو تأديبها- لا فرق- وقد أكدت الأحداث التي تم تركيبها وصنعها خطأ هذا الاجتياح لا من حيث المبدأ، بل من حيث التقدير. ويجب أن لا ننسى أبداً ونحن نتحدث عن خطأ القيادة العراقية آنذاك، أخطاء بل خطايا القيادة الكويتية. لفقد استخدمت بوعيها واختيارها أداة لجر العراق والمنطقة كلها إلى المصيدة، ولم يكن دورها فيما انتهت إليه الأُمور أقل وأهون، لقد كان دوراً أساسياً أوطأ الأرض العربية للأجنبي ولن يغفر لها التاريخ ذلك. ودون أن يعني هذا تبرير الخطأ العراقي، أو التهوين من آثاره.
الثاني: يتصل بالحرب ذاتها التي استخدم فيها الخطأ العراقي، والتواطؤ الكويتي، أداة لإعادة الاستعمار إلى الوطن العربي وتدمير مقومات الحياة في بلد عربي هو العراق.
لقد شكلت حرب الخليج الأولى فالثانية “معركة الحواسم” منعطفاً في تاريخ المنطقة بالغ الخطورة والخطر. إنها الحرب التي خسرها الجميع. من انتصر أو حسب نفسه منتصراً، ومن انهزم وعد الخاسر الكبير. حرب من أجل السيطرة على النفط وقد تمت السيطرة، وتحجيم القوة العربية القادمة وقد تم تحجيمها، وتأمين “إسرائيل” وقد أمنت لأمدٍ طويل، والوصول إلى سلام غير عادل وقد لاحت بوادره وتوضحت ملامحه.
لقد شارك في تحرير الكويت ما مجموعه (سبعمائة ألف جندي) ما بين أميركي وأوروبي وعربي، أي أن آل الصباح قد استأجروا لإعادة كل كويتي واحد (ثلاثة) جنود ونصفاً..! وقد بلغت نفقات الحرب التي دفعت من كل أطراف المشاركة أكثر من (ستين مليار دولار)، لم تدفع منها أميركا دولاراً واحداً. أي أن إعادة كل كويتي من أصل الـ(مائتي ألف) كويتي- حينها- قد بلغت (ثلاثمائة ألف دولار). أي أن ثمن إعادة كل كويتي يعادل دخل 35- 40 أُسرة عربية، في مصر وسورية مثلاً، يضم كلٌّ منها أكثر من أربعة أشخاص أي ما معدله أكثر من 120- 160 شخصاً في العالم.
الحقائق التالية مجردة من الهوى والتشويه. ومن الموقف الملتزم والموقف المضاد. إنها محاولة للفهم تتجاوز الارتباط، والسياسة، والصداقات والخصومات. إنها الأسباب الخافية لغزو الكويت ثم غزو العراق، والتي يمكن حصرها في:
أولاً: إغراق حكام الكويت وبتحريض من الكبار، السوق النفطية بما يزيد على حصتها المقررة، بهدف تخفيض أسعار البترول!
ثانياً: عكس تخفيض أسعار النفط على الوضع العراقي نتائج هددت نظامه وحياته. فكل دولار ينقص من سعره نتيجة إغراق السوق بالعرض أكثر من الطلب، يعني خسارة العراق مليار دولار سنوياً.
ثالثاً: ليس العراق كالكويت: من حيث عدد السكان والالتزامات. تعداد العراق عام 1990 (سبعة عشر مليون نسمة) منهم (مليون) جندي، وفي الكويت كان يعيش قرابة الـ” مليون ونصف المليون” نسمة ثلثهم من المواطنين أو أقل، والباقي خدم!
رابعاً: العراق لا يملك فائضاً في الخارج. وقد أنهكته حرب طويلة مع إيران. أما الكويت فتملك فائضاً يغنيها، ولا يهمها كثيراً، على المدى القصير، أن تنخفض أسعار النفط لهدف سياسي ترجوه أو يطلب منها!.
خامساً: الكويت قامت بضخ النفط العراقي من أراضي العراق وباعته، ثم قدمت مال العراق للعراق قروضاً البت بها فيما بعد. اشترت الكويت أجهزة الحفر المائل من واشنطن ولندن ووضعتها على الحدود العراقية في حقل الرميلة، أرسلت تلك الأجهزة الحديثة أدواتها اللولبية 50 كم في الأراضي العراقية بشكلٍ مائل، من تحت الأرض، لتشفط النفط العراقي.!
سادساً: حكام الكويت أقرضوا العراق من ماله ونفطه المنهوب من قبلهم، وساعدوه في حربه مع إيران، خوفاً منه ومن إيران، لا حباً به ولا تصدّقاً منهم.
سابعاً: في الكويت- وبمعرفة حكامها- تم أول مخطط للبعث لقلب نظام حكم عبد الكريم قاسم في بغداد. فعلتها دفاعاً عن نفسها لا حباً بالبعث. وبأمل الاحتفاظ بأرضها ونفطها بعيداً عن كل مشروعات الوحدة والاتحاد.
ثامناً: العراق قاتل إيران 8 سنوات دفاعاً عن نفسه وعن دول الخليج العربي، وقد ساعدوه بنسب متفاوتة، وتداخلت في المساعدة المصالح والمخاوف والحسابات.
تاسعاً: أميركا والغرب أمدوا العراق بكل أسباب القوة، وغضوا النظر عن نقل التكنولوجيا المتقدمة إليه لمعادلة القوة العراقية بالكثافة البشرية الإيرانية المثّورة حينها بفتاوى التضليل.!
عاشراً: العراق استشعر بخروجه من الحرب منتصراً، أنه قوة إقليمية كبيرة، وأن له حقوقاً على الآخرين في جواره، حقوقاً يأخذها بالرضى، أو بوسائل أُخرى.
أحد عشر: موضوع الكويت في العقل العراقي، واعتبارها جزءاً منه، موضوع تاريخي جغرافي، وهو موضوع كل عراقي من أيام الراحلين فيصل الأول وغازي وفيصل الثاني ونوري السعيد، إلى عبد الكريم قاسم، إلى صدام حسين. إنها في الخطاب السياسي العراقي، الوطني والقومي، تماماً مثلما هو الجولان في ضمير الشعب السوري.
إثنى عشر: أميركا هي التي زودت العراق بالمعلومات حول “شفط النفط” العراقي من قبل الكويتيين في منطقة الرميلة، وبصور أقمار التجسس وأدوات الحفر المائل، ومواقعها. ومررت له المعلومات الضرورية لاستثارته، فاصطياده.
ثلاثة عشر: أميركا أعطت الضوء الأخضر من خلال السفيرة غلاسبي للعراق لاجتياح الحدود.
أربعة عشر: إنكَلترا وأميركا كانت- معاً- تريدان اصطياد العراق، لأسباب أُخرى لا علاقة لها بالكويت. هذه الأسباب هي:
·        نمو القوة العراقية بأكثر مما تسمح التوازنات المفروضة والمحسوبة في المنطقة. وهي توازنات أفرزها التاريخ الاستعماري الطويل، والحاجة إلى النفط.!
·        العراق اقترب من صنع القنبلة الذرية، وهذا يعني بداية التوازن الاستراتيجي العربي- الإسرائيلي الممنوع، والمرفوض أميركياً وغربياً!
·        العراق مستفـَزّاً، وهو قابل للاستفزاز، ومحرَّضاً، وهو قابل للتحريض. لم يكن يحتاج إلى كثير من الأسباب ليفعل ما فعل. وأوجدوا له منها أكثر مما يحتاج ويطلب.!
ما الذي يعني كل هذا.؟
إنه يعني صراحةً أن شراكاً كثيرة قد نصبت، وألغاماً قد تم زرعها. فلما انفجرت تقدمت أميركا بسرعة، ودون أن تخشى إتحاداً سوفياتياً لم يعد موجوداً، تقدمت لملء الفراغ، ولتصل من خلال عنوان “تحرير الكويت” ثم “أسلحة الدمار الشامل” و”علاقة صدام ببن لادن” وبـ”تفجيرات سبتمبر 2001″.. ألخ، من الذرائع الواهية، إلى عدة أهداف أهمها إثنان:
أ‌-       الإستيلاء على آبار النفط ووضع اليد عليها، والغرض هو تحجيم مستقبل أوروبا الموحدة القادمة، واليابان الإقتصادي.
ب‌-   ضرب القوة العراقية المتنامية إقليمياً، وتأمين “إسرائيل” والتمهيد لسلام مفروض يدمج إسرائيل في حياة المنطقة ويُسيدُها عليها، ويبقيها حاجزاً جغرافياً وبشرياً، وقاعدة متقدمة للمصالح الأميركية. ثم تفكيك الوطن العربي والشرق الأوسط.