بعد الانخفاض الكبير في أسعار برميل النفط في الاسواق العالمية وانخفاض الصادرات العراقية من حقول الشمال والجنوب , حصل عجز كبير في ايرادات الموازنة الاتحادية للسنة الحالية ( التي لم تصدر بعد ) لان ايرادات النفط تشكل اكثر من 90% من مجمل الايرادات التي تمول النفقات التشغيلية والاستثمارية , وقد سبب هذا العجز الذي تتباين الارقام بشأنه , نوعا من القلق لدى المواطن العراقي بعد ان اشيعت معلومات تتعلق بنية الحكومة في اتخاذ اجراءات ( تقشفية ) ربما تؤثر على معيشة اغلب العراقيين التي يتم تسييرها بطريقة الترقيع , ومما زاد من هذا القلق ما تم تداوله بخصوص نفقات الضربات الجوية التي تشنها قوات التحالف الدولي الذي تشكل بزعامة الولايات المتحدة الامريكية للقضاء على ما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية الذي يسيطر على ثلث الاراضي العراقية بطريقة دراماتيكية لم تحل طلاسمها لحد الآن .
وتعود أسباب القلق الى التصريحات الامريكية التي أشارت بان تكلفة تلك الضربات تتجاوز 8 ملايين دولار يوميا , فبحسبة بسيطة نجد ان هذه التكاليف ستتحول الى عشرات او مئات المليارات من الدولارات بعد اشهر او سنين , لان الادارة الامريكية اطلقت تصريحات ان هذه الحرب قد تستمر لأكثر من 3 سنوات وهناك من قال انها ربما تستغرق 30 عام , وكرد فعل على ذلك خرجت تطمينات بان تلك الضربات هي مجانية ولا يتحمل العراق اية اعباء مالية بشأنها وهو ما ادلى به وزير خارجيتنا الدكتور ابراهيم الجعفري اثناء استضافته في مجلس النواب وتصريحات وزير المالية السيد هوشيار زيباري اثناء مقابلة اجراها معه الاعلامي نجم الربيعي في قناة البغدادية , فقد اشار الوزيران وبشكل قاطع بان العراق لا يتحمل اية تبعات مالية عن تلك الضربات ( وقد تعمدنا ذكر ذلك لكي يتذكرها العراقيون اذا صدرت اية مطالبات في الامدين القصير او الطويل ) .
ولا نعلم هل ان مجانية الضربات الجوية لها علاقة بفقر تلك الضربات وقلتها وعدم تناسبها مع رغبة العراق في سرعة اخراج الدواعش من الاراضي التي تمدد عليها ذلك التنظيم الارهابي , وعلى وفق احصائيات امريكية رسمية فان عدد الضربات الجوية قد بلغ 400 ضربة منذ بداية التحالف الذي مضى عليه اكثر من شهر لحد الآن واغلبها في الجبهة التي تقاتل بها قوات البيشمركة لدفع الخطر عن اقليم كردستان , وان عدد الضربات الجوية ل ( كندا ) وهي عضو في التحالف قد بلغ واحدة فقط وقد تم تنفيذها بتاريخ 3/ 11 / 2014 , اما الدول الاخرى في التحالف فان افضل ما قامت به هو تنفيذ طلعات لا يتجاوز مجموعها عدد اصابع اليد , وفي ظل هذا التباطؤ فان داعش يرتكب ابشع الجرائم من خلال قتل العشرات او المئات يوميا من العشائر او غيرهم تحت مرآى ومسمع التحالف الدولي دون ان يحرك ساكنا وهو ما دعى الحكومة العراقية لاستثمار اي جهد لتقليل الجرائم التي ترتكب بحق الشعب من خلال القوات المسلحة او الحشد الشعبي .
ان العلاقة في الموضوع التي نود الاشارة لها هنا والتي نسميها في التعبير الشعبي ( رباط الكلام ) , ان ما يمكن استنتاجه من دون حاجة لبذل جهد كبير , ان قوات التحالف ومن بينها الادارة الامريكية تريد ان تظهر لما يحصل على انها حربنا وليست حربهم , ففي حرب الولايات المتحدة الامريكية ( حربهم ) على العراق سنة 1991 من خلال قيادتها للتحالف الدولي نفذت عشرات الآلاف من الغارات الجوية من قبل 33 دولة كما اطلقت عشرات الآلاف من الصواريخ وبشكل اخرج العراق من الكويت خلال ايام رغم ان الجيش العراقي كان يقاوم من باب الخوف او الدفاع عن النفس او غيرها من الاسباب ويكفي ان اسمه جيش , وقد تكرر الامر نفسه سنة 2003 عندما استطاعت امريكا من احتلال العراق بأيام خلال حرب استخدمت فيها اسلحة اذهلت القوات العراقية وجعلت القادة المحترفين يعترفون بفرق التقنية والامكانيات في التسليح .
وقد يسأل احدا لماذا يبخل التحالف في ضرباته الجوية ؟ , والجواب يقع في خمسة اهداف الاول يتعلق باجتذاب كل قوة داعش من العالم لإبعاد الخطر عن امريكا واوروبا وبما يمكن التحالف من خوض معارك لاحقة على اراضينا دون ان يمسهم الخطر , والثاني هو الاستفادة من انخفاض اسعار النفط لنقل الازمات الاقتصادية التي عصفت بهم بعد عام 2009 الى الدول المنتجة للنفط , والثالث هو لزيادة مبيعات الاسلحة الى أعلى المستويات لغرض افراغ مخازنهم واملاء مخازن دول الاقليم , والرابع هو ايصال العراق الى الحد الذي يطلب فيه التدخل البري لقوات التحالف لتحقيق المخططات الامريكية بإنشاء قواعد عسكرية ثابتة لها في الموصل والانبار وكردستان , والخامس هو تكوين وضع غير مستقر في الداخل وبشكل يسهل اصدار قرار من مجلس الامن للتدخل في الشأن الداخلي تحت مسوغ سيطرة الميلشيات واستفحال امرها في العراق .
وتظهر هذه الاهداف , بان الخدمات التي تقدمها دول التحالف ليست مجانية فعلا وانما بمقابل خدمات يقدمها العراق لأمريكا ودول التحالف , فمن المفروض ان تدفع لنا تلك الدول تكاليف كل طلقة تستخدم لمحاربة داعش في العراق وجميع ما يترتب عليها من ازهاق الارواح وتدمير وخراب , فقد استطاعت تلك الدول ان تدفع عنها الخطر الذي أشار اليه العاهل السعودي في نهاية شهر آب من العام الحالي عندما التقى بممثلي الدول الامريكية والاوربية في بلده وتحدث اليهم بكلام خطير , حيث قال لهم بالحرف الواحد بأنه متأكد جدا بان داعش ستدخل اوروبا لتعبث بها بعد شهر كما قال انه متأكد بان داعش ستدخل امريكا بعد شهرين , وطلب من الموجودين وهم يمثلون الدول المعنية بالتهديدات ان ينقلوا رسالته الى قادة دولهم , وهذا اللقاء كان بمثابة علامة الخطر التي حركت امريكا ودول الناتو لتشكيل التحالف وانعقاد مؤتمر جدة الذي كان مكافأة عن تأشير الخطر المحدق بالعالم خارج الاقليم العربي ( وللموضوع بقية في مقالة لاحقة بعد أن سيطر الجمهوريون على الكونغرس الامريكي في الانتخابات الاخيرة ) .