23 ديسمبر، 2024 5:36 ص

أسرار الإنتاج المحلي بين المشاكل والحلول (2 – ٤)

أسرار الإنتاج المحلي بين المشاكل والحلول (2 – ٤)

2- أسباب تدهور قطاعات الزراعة والصناعة وأخواتهما
كان الانتاج المحلي في الأربعينات من القرن الماضي يساهم بحدود 90% في تمويل ايرادات موازنة العراق ، ويساهم بنسبة اكبر في الناتج الاقتصادي الاجمالي ، كما كان يوفر اكثر من80% من فرص العمل ، واستمر الحال خلال الخمسينات رغم ان العراق شهد تدهورا في القطاع الزراعي وهجرة كبيرة للفلاحين وتحولهم للمدن والعمل في مختلف الاعمال سيما الاعمال الانشائية ، ولكن تأثير ذلك على المستوى الكلي كان محدودا حيث تم تعويض الانخفاض في مساهمة القطاع الزراعي بإرتفاع مساهمة قطاع الإنشاءات والقطاع الصناعي , وشهد العراق تشييد العديد من معامل الطابوق والصناعات المرتبطة بها ، وبدأ الانحراف الكبير عام 1960 عندما تم تأميم جمعية التمور العراقية المختلطة , ثم تصاعدت حملات التأميم وتحولت الى مجزرة للقطاع الخاص عام 1964 في زمن رئاسة عبدالسلام محمد عارف للجمهورية العراقية ، ومنذ ذلك الحين لم يعد امام القطاع الانتاجي الاهلي فرصا كثيرة أو مهمة , وتحول الاهتمام للقطاع الانتاجي الحكومي المعروف بانخفاض إنتاجيته وكلفته الكبيرة , والذي ازداد حجما خلال حكومة حزب البعث وفقا لطروحاتها الاشتراكية ، وخلال هذه الحكومة تزايدت أهمية النفط وأصبح يشكل النسبة الأكبر في تمويل الموازنة , وتحول الانتاج الحكومي المحلي الى الصناعة الحربية ، وبعد حروب الخليج وفرض الحصار بدأ القطاع الانتاجي المحلي بشقيه الحكومي والأهلي يسترد بعضا من عافيته , ولكن سوء الادارة وظروف الحصار لم تسمح له بالتطور .

وبعد التغيير الذي شهده البلد سنة 2003 , إستبشر المنتج المحلي متوقعا قدوم الخير الكثير ولكن جاءت الريح بما لا تشتهي ألسفن حيث أدت القرارات الامريكية المقصودة الى إحداث الفوضى في الاقتصاد العراقي وخصوصا باستخدام الأدوات القاتلة الأربعة ( رفع سعر صرف الدينار العراقي ، زيادة اسعار العقارات ، زيادة اسعار ألوقود , وسياسة الإغراق الاستيرادي ) , وعلى الرغم من السعادة التي شعر بها المواطن الاعتيادي او التجار , ولكن النتائج كانت كارثية اذ توقفت الكثير من قطاعات الانتاج المحلي وتحول بعض الصناعيين والمزارعين والمقاولين الى تجار ، وتحولت المعامل الكثيرة في منطقة جميلة او عويريج او جرف النداف الى مخازن للسلع المستوردة ، ونظرًا لمحدودية القطاع التجاري فقد تزايدت أعداد العاطلين عن العمل وارتفعت تكاليف المعيشة وازداد مستوى الفقر , ولم تمتلك الحكومة العراقية الجرأة في إتخاذ الحلول الحقيقية ولجأت الى الحلول الترقيعية التي تصب بالنتيجة في صالح القرارات الامريكية آنفة الذكر , فقامت بفتح مزاد الدولار وأهدرت ثروات العراق وقامت بأكبر حملة للتوظيف في موسسات الدولة غير المنتجة , حتى اصبح عدد الموظفين في العراق مضرب الأمثال من حيث الترهل والمبالغة في نفقاتهم العالية , وغير ذلك من الإجراءات الخاطئة التي ساهم ارتفاع سعر النفط في التغطية على مخاطرها وتأثيراتها المدمرة على قطاعات الانتاج المحلي .

واليوم وأسعار النفط تتهاوى ، والمجاميع الإرهابية تحتل أجزاءا من البلد ، والخزينة خاوية ، بدأ البعض يدق ناقوس الخطر ، ( ونقول البعض لأن الكثيرين يريدون استنزاف العراق حتى النهاية وإغراقه في مستنقع المديونية بعد الاستيلاء على ما تبقى من أرصدته الاحتياطية وبيع ثرواته تحت مسمى الإستثمار الأجنبي ) ، وبعد هذا يمكننا تحديد ابرز مشاكل القطاع الانتاجي في العراق الحكومي والمختلط والخاص ، صحيح ان هناك خصوصيات لكل قطاع ولكل نوع ، ولكنها جميعا تشترك بالمشاكل الآتية :

– إرتفاع تكاليف الانتاج المحلي ، وأغلب هذه التكاليف ناجمة عن ارتفاع سعر الوقود والطاقة وارتفاع اجور العمل بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة مقابل انخفاض الإنتاجية وارتفاع تكاليف المراجعات الإدارية بسبب الرسوم والفساد والروتين وارتفاع تكاليف الوضع الأمني

– سياسة الاغراق الاستيرادي وفقدان المنتج العراقي للقدرة التنافسية بسبب ارتفاع تكاليف العمل المحلية وارتفاع سعر الصرف ، خاصة وان الكثير من الدول المصدرة تعتمد سياسات دعم فاعلة والمنتج العراقي ليست لديه اي دعم حقيقي

– عدم وجود سياسات حكومية تعتمد تشجيع الانتاج المحلي بالمنح او القروض الميسرة

– الإصرار على شمولية الدولة وملكيتها الواسعة وعدم تحرير قطاعات الانتاج

– تقادم المكننة والبنى التحتية للصناعة والزراعة والخدمات

– عدم تطبيق القوانين الاقتصادية الفاعلة ( التعريفة الجمركية ، حماية المنتج ، حماية المستهلك ، صندوق دعم التصدير ، …الخ) وعدم تطوير القوانين المهمة ( ألشركات , التنمية ، المصارف ، الاوراق المالية ، البنك المركزي وغيرها ) وضعف تطبيق معايير الجودة والجريمة الاقتصادية وانتشار الفساد في التطبيقات .

ومن الطبيعي , فان حل هذه المشكلات اضافة للمشاكل الخاصة بكل قطاع وكل نوع يحتاج الى وقت طويل ، ولكن هناك حلول واقعية قادرة على تفعيل قطاعات الانتاج المحلية خلال فترة قصيرة فيما لو كانت الحكومة تستطيع اتخاذ قرارات صحيحة ، اما اذا كانت لا تستطيع فهي غير معذورة .