23 ديسمبر، 2024 11:54 ص

أسد مغامس شناوة/51

أسد مغامس شناوة/51

{إستذكارا لدماء الشهداء التي ستظل تنزف الى يوم القيامة، من أجساد طرية في اللحود، تفخر بها أرواح خالدة في جنات النعيم، أنشر موسوعة “دماء لن تجف” في حلقات متتابعة، تؤرخ لسيرة مجموعة الابطال الذين واجهوا الطاغية المقبور صدام حسين، ونالوا في معتقلاته، خير الحسنيين.. الشهادة بين يدي الله، على أمل ضمها بين دفتي كتاب، في قابل الايام.. إن شاء الله}
مواجهة عسكرية عاشها الشاب أسد مغامس شناوة، وله من العمر تسعة عشر عاما، وهو الغض الذي يتصور السلاح، ولم يلمس غير اللعب البلاستيكية منه، الى أن سيق الى أداء الخدمة الالزامية، ولم يحسن التدريب.
إكتسب أركان البطولة، التي جاءته، من دون ان يسعى اليها، بزحف لواء حرس الطاغية المقبور صدام حسين، كي يعيد البصرة الفيحاء، الى سلطته، يبطش بها من دونما رادع إنساني.
أحكم أسد قبضته على بندقية كلاشنكوف، وإصطف في رهط الشعب ضد السلطة الصدامية الغاشمة، يقاتلون من موضع الضعف ووهن الإجساد التي أمضها جوع رامض، حيث هزيمة جيش صدام، عائدا من غزو دولة الكويت الشقيقة، في واحدة من حماقاته التي دمر العراق بها، وأحرق شواظ لهيبها الماحول، من دول الجوار والناس الآمنة في بلدانها.
عد أسد شهيدا بموجب القرار، ذي الرقم 196 / 10 ، المحفوظ في سجلات مؤسسة الشهداء، وثيقة تاريخية، تدين الطاغية واتباعه النازيين الجدد.
ولد الشهيد، في العام 1971 ، وأرداه رصاص “حرس صدام” قتيلا، داخل جملونات حشر اهالي البصرة، فيها بعد إحباط انتفاضة آذار 1991:”فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد، وجئنا بك على هؤلاء شهيدا”؟ سؤال خالد، في محكم التنزيل، أجاب عليه دم أسد، وهو يرتقي الى عليين، مختزلا طبقات أثيرية، من فضاء لانهائي الزرقة.. أعنابا وكروما وحور عين.. من فوقهم ونور ومن تحتهم نور.. “تحيتهم فيها: سلاما.. سلاما”.
جزاء وفاقا لما قدمه من بسالة تفوق فرسان الاساطير، في مقاتلة جيش مدرب.. “يعلفه” صدام ألذ مأكله ويركبه أرقى السيارات، ويخضعه لتدريب فائق الدقة، تحسبا لمثل هذااليوم، الذي قتل فيه صدام العراقيين، فإندحر وجدان الانسانية المعاصرة، التي هزمت يوم إستشهد الحسين (ع) بحراب جيش يزيد، إمتدادا غير منفصم العرى، مع قتل قابيل لأخيه هابيل.
فرب شر تلوح له الغلبة، من دون نصر!
تكلل التاريخ الشخصي لأسد البصرة، بالاستشهاد، في العام 1990 متلهفا لحياة لم يعشها: “شباننا تريد الهوى وصدام ما خلاها”.. لم يتزوج، الا من جوق حوريات مطهرات إستقبلن فيض روحه في الجنة.. شهيدا لم يكتفِ بكلمة حق لدى سلطان جائر، إنما تعدى الكلمة الى فعل القتال، من موقع ضعف، ضد جيش مدجج بأحدث الاسلحة.
فاضت روح الشهيد أسد من حي العلي، في “المدينة” وهو العسكري الذي لم يتلقَ أي تدريب، إنما زج في أداء الخدمة الالزامية، من دون تهيئة، إذ لم يتعلم أكثر من الابتدائية.
لكنه أدرك أن لابد من المواجهة المسلحة ضد قوات صدام التي تقدمت نحو البصرة؛ كي تعيدها الى ظلمه جورا، فقاتل حتى طالته أيديهم المتشبعة مساماتها بدم العراقيين و… دول الجوار، ليزج في جملونات إعتقال.. وقتل ميدانيا.. رميا برصاص الجيش.. لا عدل.. لاعدل!
ما يؤسف له ان صدام حسين، إنحرف بالجيش العراقي، من حفظ أمن الشعب الى قمعه، ولم يؤدِ سوى هذه المهمة، الا مرتين.. محاربة ايران، من دون سبب، وغزو الكويت، إستعراضا مراهقا للقوة التي إتضح بعد 9 نيسان 2003، أنها مجرد “بوخة” يرهب بها الشعب، فارا أمام قوات الإئتلاف؟
يترحم ثرى “المدينة” على أسد مغامس شناوة، والطير والشجر يسجدان لله تسبيحا؛ ليتغمده بفيء ظله الوارف.. جل وعلا.