لايخفى على العاملين في الأقسام الإدارية للمؤسسات والشركات الرسمية وغير الرسمية، طريقة التعامل بين الموظفين والعاملين في تداول المواد الثابتة من أثاث وأجهزة وتجهيزات وآلات وآليات، لاسيما في المؤسسات الحكومية، إذ المال (مو مال ابو واحد) وقطعا في حال كهذا تكون عائدية المال للجميع، والمسؤولية حياله تتضاعف، والحفاظ عليه يأخذ منحى آخر، حيث أن ضياع القليل منه، يوازي ضياع الكثير، من ناحية المساءلة والمحاسبة في الدنيا، والحساب والعقاب في الآخرة.
هناك مستند إداري يعرف بمستند (استلام وتسليم) يعد وثيقة إدارية، توثق على متنها المواد التي تسلم من موظف الى آخر او من جهة الى أخرى، وفي حال تغيير مكان موظف او مستخدم في مؤسسة ما، عليه ان يحصيها، ويكون للطرف المتسلم الحق في فحصها وعدها، حيث الاستلام له شروط كما التسليم له مثلها.
مادعاني لسوق هذه الديباجة، هو استباقي نتائج العد والفرز لانتخابات بلدي التي وضعت أوزارها للتو، فمن المفترض أن تأتي صناديق الاقتراع -كما يروج لها منذ حين- بوجوه جيدة، والكل نادى بعدم تدوير الوجوه القديمة، والتي بات يطلق عليها “الكالحة” في حين أنها كانت قبل سنوات أربع، تمثل الأمل ومركب النجاة بنظر العراقيين، وبذا تكون الوجوه الحالية التي يعلق عليها الأمل ذاته، معرضة لأن تضحى كالحة هي الأخرى بعد اعتلائها كرسي السلطة والتحكم. كما أن نداء التغيير والإتيان بجديد، لم تدعُ اليه فئة معارضة للوجوه المتسيدة حاليا فحسب، بل شمل جهات عليا جالسة خلف الكواليس -أو فلنقل نايمة على خد الترف- هي الأخرى ادعت أن صوتها قد بُح في التدليل على التغيير. ولو أن اعترافا كهذا ينم عن حقيقتين، فإما أن الجهة العليا هذه، لم تعد مؤثرة، وكلمتها هي الأخرى ماعاد يستمع اليها الرعية بإنصات وانصياع. وإما أن الرعية خرجت عن الطريق السوي، وشطت عن الامتثال لمتطلبات المصلحة العامة، بتأثير من الأنا العليا وسطوة المصلحة الخاصة، مفضلة الانزواء في ركن الأخذ، والنأي عن أجواء العطاء.
وفي الحالين لن يكون هناك تغيير، والوجوه المسماة “الكالحة” ستتقنع قناع البراءة والمصداقية، وتتقمص الطهر والنقاء من جديد، وتلبس بما لاشك فيه وجه (چينكو) أو قد تجبر على لبسه من قبل رفاق المنصب، وسيردد صاحب الوجه الكالح أبوذية لعلها الأقرب الى قلبه، إذ يقول قائلها:
العنب من گال عالي … ما طليته
ودهري بذراعاتي … ماطليته
وجهي ذاك وجهي … ما طليته
ولبست الچينكو من غصبن عليه
إن الذي سيحصل بعد العد والفرز، هو عملية استلام وتسليم، فما الذي سيُسلم ياترى وما الذي سيُستلم. لا شك أن القرد يلد قردا، والأسد يلد أسدا، ومن المؤكد أن المولود سيسير على نهج الوالد، ويحذو على خطاه حذو النعل بالنعل، أما الأسد، فقد شد الرحال عن أرض لم تعد لائقة بمقامه، ولنا بأسد بابل مؤخرا أسوة ومثل وشاهد وشهيد على هذا، بعد أن اختفى على حين غرة من منصته في محافظة بابل، ولعل الخبر الشائع أنه سرق، وهذا ليس بجديد في عراق ما بعد 2003، حيث السرقات طالت ما غلا ثمنه وما رخص، وما خف وزنه وما ثقل على حد سواء.
غير أن السبب الحقيقي كما أراه في عملية اختفائه، هو أنه لم يسرق، وحاشاه فهو الضيغم الهزبر، وهل ثمة من يجرؤ على سرقة شعرة من ذيله؟ إذ أرى أن السبب الحقيقي لاختفائه من موقعه الذي قبع فيه منذ قرون طويلة، يكمن في بيت أبوذية للشاعر المرحوم سعد محمد الحسن حيث قال:
الضماير ما تعرت … من عرينا
ومثل سيل المسودن … من عرينا
الأسد حگه يتكتر … من عرينه
لگه الجربوع يردح بالثنيه
وما أكثر الجرابيع بين ظهرانينا اليوم، سارحة مارحة رادحة في الساحة العراقية ولاسيما السياسية، وقطعا هي متأهبة وعلى أتم الاستعداد لأداء دورها في التسليم الشكلي والمقنع، يقابلها على ضفة صناديق الافتراء مثيلاتها، بتأهب أعلى واستعداد أتم، لتقوم بدور الاستلام، وتكمل مشوار السلف سارحة مثله، ومارحة كما مرح، ورادحة أكثر مما ردح.